Thursday, September 5, 2024

On Presidential Debates

 



 

الإثنين 02 أيلول 2024

افكار حول المناظرات السياسية التلفزيونية

دراسات

رياض طبارة

للمناظرات الرئاسية والقيادية، تاريخ طويل وقد استعملت كوسيلة للتعريف بالمرشحين منذ العهدين الإغريقي والروماني وعهود عابرة أخرى. ولكن ما قبل الإنترنت والبث الفضائي ليس كما بعدهما. ففي العهود الماضية كانت مئات من الناس في مدينة تتجمع حول المناظرين للمشاهدة والإستماع أما اليوم فالمشاهدين والمستمعين يعَدّون بالملايين، ومن جميع أنحاء العالم.

المناظرات السياسية هذه، والتي أصبحت تقليداً في معظم بلاد الغرب، بدأت حديثا نسبياً. في فرنسا مثلا كانت أولاها سنة 1974 بين فرنسوا ميتران وجيسكار ديستان وفي إنجلترا سنة 2010 بين رؤساء الأحزاب جوردن براون و دايفيد كاميرون ونيك كلايغ. وفي سنة 2014 حصلت أول مناظرة على مستوى الإتحاد الأوروبي ككل، جمعت المرشحين لمنصب رئاسة المفوضية الأوروبية. ولكن أشهرهذه المناظرات وأقدمها وأكثرها مشاهدة هي المناظرة الرئاسية الأميركية. أولى هذه المناظرات، ولربما أوسعها صيتاً، جرت سنة 1960 بين جون كندي وريتشارد نكسون وأصبحت، بعد مدة، تقليداً راسخاً في الانتخابات الرئاسية الأميركية كل أربع سنوات. عدد مشاهدي المناظرات الرئاسي الأميركية، على شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي حول العالم، يعد بالملايين، وقد بلغ، بالنسبة للمناظرة الأخيرة بين جو بايدن ودونالد ترامب، أكثر من 51 مليون نسمة إضافة إلى مستمعي الإذاعات. العدد الأكبر للمشاهدين، حتى اليوم، يعود للمناظرة بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب سنة 2016 والذي بلغ 84 مليون نسمة. أما إذا أخذنا نسبة المشاهدين والمستمعين لإجمالي عدد السكان بالإعتبار، فلربما تكون الصدارة لمناظرة 1960.

تبين هذه الأرقام مدى أهمية هذه المناظرات بالنسبة لعامة الناس، خاصة وأنها قلبت الأوراق في بعض الأحيان لصالح أحد المرشحين كما سنرى لاحقاً. السؤال هنا ما هي العوامل المؤثرة في هذه المناظرات؟ قبل الجواب على هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى أن فارق نسبة الأصوات بين الرابح والخاسر في الانتخابات الرئاسية الأميركية لا يتعدى عادة بضعة نقاط ولذلك فتحول نسبة ضئيلة من الناخبين من مرشح لآخر تكفي لقلب النئائج.

العوامل المؤثرة في المناظرات ليست، بالمقام الأول، مواقف المرشحين من القضايا المطروحة على الساحة السياسية في حينه، إقتصادية كانت أم إجتماعية أو سياسية. فالمناظرات تأتي متأخرة نسبياُ في الحملات الانتخابية الأميركية بعد أن تكون مواقف المرشحَين وحزبَيهما من كل هذه القضايا أصبحت معروفة لدى الناخبين وقد ردداها مراراً وتكراراً من خلال وابل من الإعلانات السياسية، والمقابلات الإذاعية والتلفزيونية، والمهرجانات الحاشدة. ما يؤثرعلى المشاهدين بوجه التحديد، كما أظهرب التجارب هي، بشكل أساسي، أمور تتعلق إيجاباُ بشخصية المرشح ومنظره، وسلبياً بأخطاء يرتكبها خلال المناظرة.

ففي مناظرة 1960 مثلاً، كان نيكسون قبلها يتفوق على كينيدي في الإستطلاعات بـ 6 نقاط، أي بفارق كبير. وصل نيكسون الى المناظرة يعاني من المرض ولم يكن قد حلق ذقنه ذاك الصباح ورفض أن يخضع للماكياج العادي قبل الظهور على الشاشة. عرض عليه المخرج تأجيل اللقاء فرفض. بالمقابل كان كينيدي حليقاً وكان قد أمضى بضعة أسابيع يتشمس لتسمير بشرته، كما خضع لعملية ماكياج سريعة من قبل فريقه قبل المقابلة. ظهر نيكسون في المقابلة متعباً وهزيلاً بينما ظهر كينيدي كشاب نشط جذاب. يجمع المعلقون على أن فارق المنظر بين المرشحين كان السبب الأساسي في قلب نتائج الاستطلاعات التلفزيونية في اليوم التالي للمناظرة لصالح كينيدي، بينما بقي الفارق نفسه لصالح نيكسون في استطلاعات اليوم التالي الخاصة بالمستمعين للإذاعات.

في بعض المناظرات انقلبت الأمور لصالح أحد المرشحين بسبب كلمة أو جملة قالها المرشح الآخر. فعلى سبيل المثال، في انتخابات سنة 2012، التي تمت المواجهة فيها بين ميت رومني وباراك أوباما، حصلت بينهما مناظرتان، ربح الأولى رومني بوضوح، بحسب استطلاعات الرأي. في المناظرة الثانية، وجواباً  على سؤال عن الفارق في الدخل بين النساء والرجال قال رومني "لدي حافظات أوراق مليئة بالنساء المرشحات لمناصب حكومية" ما اعتبر إهانة للنساء ترددت بشكل كثيف على وسائل التواصل الاجتماعي، وشكلت، حسب معظم المراقبين، السبب الرئيسي في انقلاب الأمور لصالح أوباما.

حتى روح النكتة التي يتمتع بها المرشح تلعب دوراً ً في هذه المناظرات. ففي انتخابات سنة 1984 التي تمت فيها المواجهة بين رونالد ريغان ووالتر موندايل، كان عمرريغان (73 عاماً)، أكبر مرشح للرئاسة عمراً في تاريخ أميركا حتى حينه، عقبة كبيرة في وجه انتخابه، أمام موندايل البالغ من العمر 56 عاماً فقط. في بداية ذلك العام كانت نسبة المساندة الشعبية لريغان قد انخفضت إلى 35 بالمئة. في المناظرة الرئاسية تلك السنة، كان الجميع ينتظر كيف سيدافع ريغان عن عمره المتقدم. وعندما جاء دوره بالكلام قال ريغان:"أريدكم أن تعلموا جميعاً انني لن أجعل من مسألة العمر قضية في هذه الانتخابات. لن أستغل صغر سن منافسي وخبرته المحدودة لإسباب سياسية." ربح ريغان الانتخابات تلك السنة بفارق ساحق. وما زال مقطع الفيديو هذا يشاهد بكثافة حتى اليوم. ما سمح لريغان أن ينهض بهذه السرعة وهذا القدر تلك السنة كان أيضاً، بحسب المراقبين، النمو الاقتصادي السريع الذي تحقق وكذلك تفاعلات تفجير مركز المارينز في لبنان والإجتياح الأميركي لجزيرة غرينادا، كلاهما في تشرين الأول من السنة السابقة.

المناظرات الرئاسية والقيادية لم تعد حكراً على دول الغرب، أي أميركا الشمالية وأوروبا وأوقيانيا، بل انتشرت، ولو بشكل محدود، في دول العالم الثالث. في بعض هذه الدول كانت التجربة ناجحة ما جعلها تتردد دورياً وفي البعض الآخر فشلت بعد التجربة الأولى. من الدول ذات التجربة الناجحة إيران التي انتهت للتو من مناظرتها الثالثة بعد مناظرتي 2013 و2017، والبرازيل التي نجحت في تنظيم مناظرات رئاسية كل أربع سنوات ابتداءً من سنة 2010. ومن الدول التي لم تستطع أن تؤمن استدامة هذا الحدث الدولتين العربيتن التين خاضتا هذه التجربة، أي مصر سنة 2012 بالمناظرة الرئاسية بين عمرو موسى و عبد المنعم أبو الفتوح، وتونس سنة 2019 بالمناظرة بين سبعة مرشحين للرئاسة. نظرة عابرة لهاتين التجربتين تظهر أن استدامة هذه التجربة تتطلب حداً أدنا من الديموقراطية الليبرالية ولا تتعايش مع الأنظمة الديكتاتورية، أو حتى أنظمة ما يسمى دول الديموقراطية اللاليبرالية كما في روسيا والصين والمجر.

هذه الشروط الإساسية للمناظرات القيادية موجودة في لبنان فلماذا لم يدخل هذا التقليد في حياتنا السياسية؟ فلبنان لديه من الديموقراطية ما يكفي وأكثر، وهو بإعلامه الواسع يستطيع أن يتقبل مثل هذه المواجهات المبدئية والكلامية، ولا شك أن شعبه تواق لذلك. ولكن المشكلة تكمن في التفاصيل. فالمناظرات القيادية تتطلب اتفاقاً مسبقاً على شروطها، بدأً من المشاركين فيها وصولا إلى مكانها وزمانها ومدتها وشروط الكلام فيها. ففي بلد لا يجتمع نوابه لأشهر لمناقشة انتخاب الرئيس بسبب خلاف على تسمية الاجتماع حوار أو تشاور، هل سيكون من السهل أو الممكن اتفاق قياداته على شروط المناظرات المعقدة أم سيمضون أشهراً إضافية في نقاشات تزيد الأمور تعقيداً؟ أقول، لننظر إلى الأمور بنظرة تفاؤلية ولنخوض هذه التجربة، ولو لمرة واحدة، لأنها، على الأقل، ستسمح بمشاركة شعبية أوسع في عملية انتخاب رئيس للبلاد.


https://farah.kamaljoumblatt.com/articles/7011