Wednesday, August 28, 2024

كيف استولت إسرائيل على الحكم في أميركا

 النهار

16-07-2024  

كيف استولت إسرائيل على الحكم في أميركا

مبنى الكاببيتول.

رياض طبارة

 

تعود #أصول الصهيونية السياسية، وبالتالي #اللوبي الصهيونيِ، بحسب معظم المؤرخين لهذه الحركة، إلى تاريخ نشر كتاب #ثيودور هرتزل بعنوان "الدولة اليهودية" سنة 1896 و"#المؤتمر الصهيوني الأول" الذي نظمه هرتزل ورفاقه في مدينة بازل السويسرية السنة التي تلتها. أقام هرتزل علاقات وثيقة مع كبار الشخصيات السياسية البريطانية، عارضاً عليهم فكرته في تأسيس دولة يهودية في فلسطين. ركز صديقه اليهودي الروسي حاييم وايزمان على تعميق صداقته مع وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور، كما تقاسمت الزمرة المحيطة بهما الأدوار في التأثيرعلى حفنة من المؤثرين في القرار السياسي. فبريطانيا كانت القوة العظمى عالمياً (الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس)، وبعد الحرب العالمية الأولى، أصبحت سلطة الانتداب على فلسطين.

 

العقبة الكبرى التي واجهتها هذه المجموعة الصهيونية جاءًت من المؤسسات اليهودية داخل إنكلترا. أكبر مؤسستين يهوديتين كانتا في حينه "مجلس نواب اليهود البريطانيين" (the Board of Deputies of British Jews) و"الجمعية الإنجليزية اليهودية" (Anglo-Jewish Association) وكانتا معاديتين للصهيونية، بخاصة فكرة تأسيس دولة يهودية في فلسطين. غير أن المثابرة الشرسة للوبي الصهوني بقيادة وايزمان استطاعت انتزاع موافقة الحكومة االبريطانية على دعم مطلب اللوبي بتأسيس دولة يهودية في فلسطين، مقابل مساندة يهودية لبريطانيا في الحرب العالمية الأولى.

 

جاءت هذه الموافقة، المعروفة بوعد بلفور، بشكل رسالة بتاريخ 2. 11. 1917، موقعة من وزير خارجية إنكلترا آرثر بلفور، موجهة إلى ليونيل والتر روثشيلد، الرئيس الفخري، وأحد كبار الممولين، للحركة الصهيونية، مرسلة إلى عنوان منزله، 148 بيكادللي، هذا نصها:

عزيزي لورد روثشيلد

 تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قوميّ للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر.

بعد الرسالة تكثفت الهجرة اليهودية إلى فلسطين خاصة بعد 1920 عندما أصبحت إنجلترا دولة الإنتداب.

 

بقيت الأمور على حالها حتى أبواب الحرب العالمية الثانية. فبحلول سنة 1939 كانت العلاقة الإنجليزية مع اللوبي الصهيوني قد انقلبت بالكامل إذ كانت بريطانيا في طور تهدأت خاطر هتلر لتفادي الحرب. في تلك السنة حدّت إنجلترا من هجرة اليهود إلى فلسطين بشكل كبير ودبّ الخلاف بين الحكومة البريطانية واللوبي الصهيوني الذي اعتبر بعد ذلك أن "بريطانيا هي عدو اليهود." عندها تحرك الإرهاب اليهودي ضد االإنكليز في فلسطين، وانتظم رسمياً سنة 1945 عندما أسست الوكالة اليهودية في فلسطين المنظمات الإرهابية الثلاث، ألهاغانا والإيرغون وعصابة شترن.

 

نتيجة لهذه المواجهة الصهيونية البريطانية، بالإضافة إلى أفول الإمبراطورية البريطانية وصعود الهيمنة الدولية الأميركية، انتقل الثقل الأساسي للوبي الصهيوني إلى أميركا في منتصف الحرب وإعيدت هيكلته، وأدخلت تعديلات على طريقة عمله، لكي تتناسب أكثر مع الواقع الجديد. فلدى أميركا "ثقافة اللوبي" التي هي غير موجودة في إنكلترا. فبينما يكون ضغط اللوبي في إنكلترا على أشخاص، كما فعل اللوبي الصهيوني بالنسبة لبلفور، يتطلب هذا الضغط في أميركا مؤسسات ضخمة وتمويلاً كبيراً وممنهجاً، خاصة لتمويل الحملات الانتخابية. فالإنتخابات الأميركية تجرى كل سنتين يتم فيها انتخاب كل أعضاء المجلس النيابي (535 عضوا)، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، ورئيس الجمهورية كل دورتين أي كل أربع سنوات. كما يتم معها انتخابات موسعة على مستوى الولايات. وهكذا، فإن أميركا هي في حالة انتخابية شبه دائمة تسمح للوبيات الغنية استعمال الضغوط على المرشحين بشكل دائم.

ثلاث ملاحظات ذات أهمية في هذا السياق: أولاً أن كلفة الانتخابات في أميركا مرتفعة جدا لا يستطيع أن يتحملها المرشح مهما كان ثرياً. انتخابات سنة 2020، على سبيل المثال، بلغ مجموع كلفتها للمرشحين 14 مليار دولار وهذا لا يتضمن كلفة الانتخابات على مستوى الولايات. القسم الأكبر من هذه القيمة يأتي من التبرعات المعلنة وغير المعلنة. ثانياً أن الدراسات الإحصائية بينت أن هناك علاقة، مباشرة وقوية، بين حجم الأموال التي تنفق على الحملة الانتخابية ونسبة نجاح المرشح. ثالثاً أن القوانين تسمح، فعلياُ، بعطاءات غير محدودة إلا إذا كانت من مصادر أجنبية. هذه ألأمور الثلاثة تشكل، بلا شك، جنّة لعمل اللوبيات.

اللوبي الصهيوني، أو ما يسمى اليوم اللوبي الإسرائيلي، أصبح شبكة معقدة من عشرات المؤسسات التي تعمل بشكل منسق للتأثير على سياسة أميركا بكل ما يتعلق بإسرائيل. خمسون من هذه المؤسسات منضوية تحت راية ما يسمى "مؤتمر رؤساء المؤسسات الكبرى الأميركية اليهودية" ومهمتها الرئيسية هي التأثير على السلطة التنفيذية، بدأً من البيت الأبيض وصولاً إلى الوزراء والمدراء في الوزارات، وحتى إلى الموظفين العاديين إذا تطلب الأمر. أشهر منظمة لوبي إسرائيلي هي إيباك (لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية، AIPAC) التي مهمتها االرئيسية هي التأثير على السلطة التشريعية من خلال تمويل حملات الانتخاب للنواب والشيوخ الموالين لإسرائيل، ومراقبتهم والتواصل معهم بشكل يومي، وإغداقهم بالهدايا والخدمات الترفيهية. ولكن جزرة التمويل والمتابعة هذه ترافقهاعصا العقاب للذين يعملون، ولو جزئياً، ضد مصلحة إسرائيل، وقد تصل إلى إنهاء حياتهم السياسية، كما حصل لبعض مشاهير السياسة الأميركية أمثال وليام فلبرايت وأدلاي ستيفنسون وتشارلز بيرسي .

 

إلا أن معظم الذين يخطئون بحق إيباك يعودون عن خطئهم بسرعة ويتقيدون بالتعليمات بعدها بشكل دائم. مثال ذلك هيلاري كلينتون التي، كسيدة أولى في حينه، أعلنت دعمها سنة 1998 لانشاء دولة فلسطينية على حدود 1967. وفي زيارة إلى رام ألله سنة 1999، اجتمعت هيلاري بسهى عرفات. وبعد أن شرحت لها عرفات معاناة الفلسطينيين تحت الإحتلال رق قلب هيلاري فعانقتها وقبلتها على خدها. هذان الحادثان أثارا غضب اللوبي على هيلاري رغم مساندتها التقليدية لإسرائيل. وفي سنة 2000، عندما كانت كلينتون مرشحة لمجلس الشيوخ، وزع اللوبي صورتها تعانق سهى عرفات مع تعليق يقول: "اليهود لا يستطيعون أن يثقوا بكلينتون لحماية أمن إسرائيل." حصلت المصالحة سريعاً بعدها وتخلت هيلاري عن مساندة حل الدولتين والتزمت مواقف اللوبي وأصيحت من أكير الداعمين لإسرائيل. رغم ذلك، قالت قيادية في اللوبي الصهيوني بعد سنوات: "إننا نساند هيلاري ولكننا لا نستطيع أن ننسى قبلتها لسهى عرفات."

 

في مقابلة تلفزيونية في حزيران الماضي قال أحد النواب الجمهوريين، توماس ماسي، أن "كل نائب من حزبه، ما عداه، تُخصّص له إيباك شخصاً كجليس أطفال ((baby sitter يتكلم معه يومياً دعماً لمصالح إيباك ومساندة لإسرئيل. إنهم لا يريدون أي حصان أن يخرج من الإسطبل." وأضاف: "يقول لي بعض من زملائي بصراحة: لقد تكلمت اليوم مع الشخض المخصص لي من قبل إيباك...إن إيباك هو لوبي ذات فعالية كبيرة." يستطيع ماسي قول ذلك دون خوف كبير من اللوبي لأن نسبة كبيرة من الناخبين في المقاطعة التي يمثلها هي من الأميركيين المسلمين والعرب وهو قد انتٌخب حتى اليوم ست مرات وبفارق كبير بينه وبين خصومه. قول ماسي يؤكده رئيس إيباك السابق، هوارد فريدمان، بقوله مؤخراً أن مؤسسته تجتمع مع كل المرشحين للكونغرس وتشرح لهم مشكلة إسرئيل في منطقة الشرق الأوسط وتطلب من كل منهم أن يقدم ورقة مختصرة عن رأيه في العلاقة بين إسرئيل وأميركا لمعرفة موقفه من هذا الموضوع.

 

لا بد من الإشارة هنا إلى أن أكبر منظمة لوبي إسرائيلي ليست يهودية بل تعود الى الإنجيليين وتعمل تحت إسم "مسيحيون متحدون في سبيل إسرائيل" برئاسة القس جون هايجي. من مهام هذه المؤسسة، التي تزيد عضويتها على العشرة ملايين، هي تجميع أكبر نسبة من الإنجيليين الأميركيين، المقدر عددهم في أميركا بأكثر من 90 مليون نسمة، لصالح المرشحين الموالين لإسرائيل ما يعوض عن العدد الضئيل من اليهود في أميركا الذي يصل إلى أقل من 8 ملايين نسمة، أي أقل من 2 بالمئة من عدد السكان. المهمة الأخرى لهذه المجموعة هي الدعاية لصالح إسرائيل والفكر الصهيوني من خلال شبكة إرسال إخبارية واسعة وسلسلة محطات تلفزيونية محلية. كما لا بد من الإشارة إيضاً إلى أن اليهود ألأميركيين يعوّضون، بعض الشيء،عن قلة عديدهم في الانتخابات الرئاسية من خلال وجودهم في الولايات الكبرى ذات الأعداد الوازنة من المندوبين ، وفي الانتخابات التشريعية من خلال النسبة المرتفعة للمقترعين بينهم التي تفوق نسبة الإقتراع بين أية مجموعة إثنية أخرى في أميركا.

 

هذه الهيمنة المتدرجة وشبه الكاملة على السلطتين التنفيذية والتشريعية لا تكتمل بالطبع دون السيطرة على وزارة الخارجية، الركيزة الثالثة في ثلاثية صياغة السياسات تجاه الشرق الأوسط.

 

عند نهاية الحرب العالمية الثانية كانت هناك علاقة صداقة متينة بين أميركا والعرب على المستويين الشعبي والرسمي تكونت ونمت عبر السنين . فعندما استلم هاري ترومان الرئاسة الأميركية وعيّن الجنرال جورج مارشال وزيراً للخارجية سنة 1947، كانت الوزارة بيد ما سمي "الرجال الحكماء،" غالبيتهم الكبرى من "العروبيين" (Arabists)، بما في ذلك مارشال نفسه. في ذلك الوقت لم يكن هناك يهود في أقسام الوزارة المسؤولة عن قضايا الشرق الأوسط. يقول دنيس روس في مقال بعنوان "ذكريات عن حقبة المعاداة للسامية في وزارة الخارجية،" نشره معهد واشنطن سنة 2017، أنه حتى السبعينات "كان هناك فرضية غيرمعلنة، ولكن لا لبس فيها، بأنك إذا كنت يهودياً مثلي فأنت لا تستطيع العمل على قضايا الشرق الأوسط لأنك ستكون منحازاً." (أول وزير خارجية يهودي كان هنري كيسينجر سنة 1973). ويضيف روس بأن الأمور لم تتغير حتى استلام جورج شولتز وزارة الخارجية خلال معظم الثمانينات.

بحلول سنة 1993، أي بعد أربع سنوات فقط من انتهاء عهد شولتز في وزارة الخارجية، كانت الأمور قد انقلبت رأساً على عقب، إذ تم استبعاد العروبيين من تبوء المراكز القيادية في العمل على قضايا الشرق الأوسط في الوزارة واصبح الشرط الأول لملء هذه المراكز أن يكون الشخص مساندأً لإسرائيل. روس نفسه استلم الملف، كمبعوث للرئيس الأميركي للشرق الأوسط، يساعده أرون ميللر، وكان نظيرهما في مجلس الأمن القومي مارتن إندك، وكلهم من اليهود الموالين لإسرائيل. تعاملت شخصياً مع هذا الفريق وكان انحيازهم لإسرائيل متفاوتاً. فإندك، الذي كان قد عمل كمدير الأبحاث في أيباك، كان الأكثر انحيازاً. روس، الذي قال عنه نائبه ميلر وآخرون أنه يفكر ويعمل على أساس إسرائيل أولاً، ترأس جلسات من المفاوضات بيننا وبين الإسرئيليين (13 جلسة) أدارها بحرفية وتجرد. أما ميللر، الحائز على شهادة دكتوراه في تاريخ الشرق الأوسط، فكان، وما زال حتى اليوم في الإعلام، ألأقل انحيازاً والأكثر انفتاحاً والأكثر تفهماً لمواقف الجهتين في الصراع القائم.

 

أما اليوم، فسياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط أصبحت بشكل رئيسي بأيادي ثلاثة أشخاص أساسيين هم الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، إضافة إلى آيموس هوكستين فيما يتعلق بلبنان وإسرائيل. عندما التقى بايدن نتنياهو ومجلسه الحربي في إسرائيل بعد حادثة 7 أكتوبر، قال لهم: "أنا لا أعتقد أن على الشخص أن يكون يهودياً ليكون صهيونياً، فأنا صهيوني." أما بلينكن فقال في المؤتمر الصحفي مع نتنياهو في إسرائيل عند اول زيارة له بعد 7 أوكتوبر: أقف أمامكم ليس فقط كوزير خارجية أميركا بل أيضاً كيهودي." وأخبر الصحفيين عن جده موريس بلينكن الذي هرب من مذابح روسيا، وعن زوج والدته صموئيل بيزار الذي نجا من معسكرات اعتقال. أما هوكستين فهو مولود في إسرائيل، وخدم في جيش الدفاع الإسرائيلي من 1992 إلى 1995 (كانت إسرائيل ماا زالت تحتل الشريط الحدودي) ضمن طاقم دبابة في سلاح المدرعات.

https://www.annahar.com/arabic/makalat/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/328988/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%88%D9%84%D8%AA-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7

No comments:

Post a Comment