English summary at end of Arabic text
الأربعاء، ١٩ نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٤
أوباما يدفع ثمن تردده ولا ينفعه
تحسّن الاقتصاد الأميركي
جاي روكفلر مكان شاغر نك رحال الديمقراطي العريق يخسر
في 20 كانون الثاني (يناير) 2015 عندما
يلتئم الكونغرس المنتخب سيكون عدد الديموقراطيين في مجلس النواب (بعد أن يكون قد
تم العد في الدوائر الانتخابية السبع الباقية) 197 بخسارة 14 نائباً والجمهوريين
248، وسيكون عدد الديموقراطيين في مجلس الشيوخ (بعد انتهاء العد في ألاسكا وإعادة
الانتخابات في لويزيانا) 46 مقابل 54 للجمهوريين بخسارة الديموقراطيين ثمانية
مقاعد والغالبية التي كانوا يتمتعون بها.
حجم خسارة الديموقراطيين كانت أكبر مما
تظهر الأرقام، على رغم أنّ خسارة حزب الرئيس بعض المقاعد في الكونغرس في
الانتخابات النصفية هي القاعدة التاريخية لهذه الانتخابات. فقد خسر الديموقراطيون
في هذه الانتخابات مقاعد في مجلس النواب كانت تعتبر آمنة لمدة طويلة انتخابياً
كمقعد النائب من أصل لبناني نك رحال في فيرجينيا الغربية الذي كان يحتله لمدة 38
سنة على التوالي، على رغم أنه أبعد نفسه عن الرئيس أوباما في ما يختص بسياسته
الهادفة إلى التخفيف من استعمال الفحم الذي هو مورد أساسي في الولاية، وهو ما خفّض
نسبة مؤيدي أوباما في الولاية إلى 25 في المئة مقابل 40 في المئة على المستوى
الوطني. وعلى مستوى مجلس الشيوخ من الولاية نفسها
ربحت سيدة من الحزب الجمهوري المقعد الذي شغره جاي روكفلر لتكون أول عضو جمهوري في
مجلس الشيوخ من ولاية فرجينيا الجنوبية منذ أكثر من 60 عاماً وأول امرأة تصل إلى
هذا المنصب في تاريخها.
أضف إلى ذلك النجاح غير المنتظر لأول
أسود في الجنوب الأميركي لمقعد في مجلس الشيوخ منذ نهاية الحرب الأهلية التي تحرر
بنتيجتها السود من العبودية، وهو الجمهوري تيم سكوت من كارولينا الجنوبية. وتجدر
الإشارة هنا أيضاً إلى أن عدد الجمهوريين في مجلس النواب أصبح اليوم الأكبر منذ
عام 1928، علماً أن الحزب الديموقراطي خسر 70 مقعداً في المجلس منذ أن تسلّم
أوباما رئاسة الجمهورية.
بين نيكسون وكلينتون
لكن أكثر ما آلم أوباما من دون شك هو
خسارة الديموقراطيين مركز حاكم ولاية الينوي التي جاء هو منها وكان عضواً في مجلس
شيوخها قبل انتقاله إلى مجلس الشيوخ في واشنطن، خصوصاً انه قام بحملة مكثفة في
الولاية لمصلحة المرشح الديموقراطي لمنصب الحاكم.
مباشرة، بعد معرفة النتائج الأولية
للانتخابات وتأكد فوز الجمهوريين قامت قيادات الحزبين بالكلام عن ضرورة التوافق
وإيجاد الحلول الوسط في السنتين المقبلتين لتسيير أمور الحكم، لكن هذا لم يؤخذ
كثيراً على محمل الجد باعتبار أن مثل هذا الكلام ضرورة للجهتين لاكتساب الرأي
العام أو على الأقل لعدم خسارته.
حقيقة الأمر أنّ أوباما سيواجه مشكلة
كبيرة في الحكم خلال السنتين المقبلتين ليس فقط بسبب غالبية الحزب الآخر في مجلس
النواب والشيوخ، فالماضي مليء برؤساء أميركيين وجدوا أنفسهم في الحالة نفسها،
أمثال دوايت ايزنهاور ورونالد ريغان وغيرهما، استطاعوا تجاوز المرحلة بنجاح نسبي.
لكنّ البعض الآخر دفع ثمن ذلك غالياً مثل ريتشارد نيكسون الذي اضطر للاستقالة
خوفاً من إدانة (impeachment) في مجلس النواب ثم الشيوخ بسبب فضيحة
ووترغيت، أو مثل بيل كلينتون الذي أدين في مجلس النواب وأنقذ في مجلس الشيوخ بسبب
فضيحة مونيكا لوينسكي. ومن الممكن أن تحصل محاولة كهذه لإدانة أوباما في مجلس
النواب والشيوخ خلال السنتين المقبلتين، علماً أن مجلس النواب أصدر قراراً يسمح
لرئيس المجلس بالادعاء على أوباما لإجباره على تنفيذ قوانين المجلس، وهناك دعوات
لمحاكمته من قيادات جمهورية، خصوصاً القيادات اليمينية المحافظة.
المحافظون آتون
الأسوأ بالنسبة إلى أوباما خلال السنتين
المقبلتين أن معظم الجمهوريين الذين نجحوا في إزاحة الديموقراطيين، خصوصاً في مجلس
الشيوخ هم من المحافظين الذين يعارضون بشدة سياسات أوباما الداخلية والخارجية.
ولعل المركز الأكثر حساسية في هذا المجال هو مركز رئيس الغالبية في مجلس الشيوخ
حيث تتم الموافقة على تعيينات كبار الموظفين من وزراء وقضاة وسفراء وغيرهم.
فبتغيير الغالبية يخرج من هذا المركز الديموقراطي هاري ريد الذي كان أكبر حليف
لأوباما ليحل مكانه ميتش ماكونل الذي يعتبر من ألد أعدائه. وحتى لو أراد ماكونل
التساهل فهناك أعضاء حزب الشاي المتشددون وغيرهم من المحافظين داخل الحزب الجمهوري
والذين تزايد عددهم في الانتخابات لمراقبته ولجمه.
خسر أوباما شعبيته حتى بين فئات الشعب
التي كان لها الفضل في انتخابه رئيساً مرتين، أي بين السود واللاتين والآسيويين
والنساء والشباب، فنسبة الذين صوتوا للديموقراطيين في هذه الانتخابات انخفضت
مقارنة بانتخابات 2012 لكل هذه الفئات، بنسب متفاوتة أقلها بين السود (نقطة واحدة)
وأكثرها بين اللاتين (6 نقاط) والآسيويين (23 نقطة)، لكن الخسارة الفاصلة كانت أن
الحزب الديموقراطي لم يستطع أن يدفع الكثير من هؤلاء للمشاركة في الانتخابات بسبب
الإحباط، كما يقول معظم المحللين.
ما الذي جعل أوباما يخسر شعبيته بهذه
الطريقة الدرامية؟
في ما يتعلق بالسياسة الداخلية، وعد
أوباما في أول عهده بأن يراجع قانون الهجرة وأن يدخل فيه بنداً لتصحيح حال المهاجرين
غير الشرعيين ومساعدة المـــهاجرين الجدد للتأقلم على الحياة الجديدة ورفــع عدد
التأشيرات للعمال الوافدين في حالات النهوض الاقتصادي، إضافة إلى ما يريد
الجمهوريون من تشدد في مراقبة الحدود وضبط الهجرة غير الشرعية. ما حصل بالفعل خلال
السنوات الست من عهـــده هــو الفشل في تمرير القانون وفقط في تسجيل رقم قياسي في
طــرد العمالة غير الشرعية التي هي في معظمها من الأقليات، خصوصاً المكسيكيين
واللاتين الآخرين.
كما أن أوباما حاول منذ بداية عهده «إصلاح»
النظام الصحي واستطاع بعد أقل من سنتين أن ينال من الكونغرس التشريع المسمى
إعلامياً «أوباماكير». غير أن مجلسي النواب والشيوخ في حينه كانا يتمتعان بغالبية
ديموقراطية بعكس الحال اليوم وكانت شعبية أوباما ما زالت في أوجها. منذ ذلك الحين
والاعتراضات تتزايد، خصوصاً أن البرنامج واجه في تطبيقه صعوبات جعلت الكثيرين
يفقدون الثقة بقدرة إدارة أوباما على تطبيق القانون، إضافة إلى قسم كبير من الناس
الذين لا يوافقون عليه بسبب جهلهم بتفاصيله أو لأسباب مختلفة.
حتى الاقتصاد الذي تحسّن في عهد أوباما
وخرج إلى حد كبير من المأزق المالي الذي وقع فيه في أواخر عهد بوش الابن، لم ينفع
أوباما كثيراً على رغم انخفاض مستوى البطالة، لأن انطلاقة الاقتصاد لم تزل مترددة
ولم تترجم بعد بارتفاع في أجور العاملين بشكل عام. ويتهم العمال
والمتقاعدون أوباما بأنه أهمل أيضاً إدخال غلاء المعيشة في نظام التأمين الاجتماعي
على رغم وجود مشروع قانون بهذا الصدد منذ مدة طويلة.
أبحث عن التردد
لا شك في أن السبب الرئيسي الجامع يكمن
في شخصية أوباما نفسه وقدرته القيادية. فأوباما متردد بطبيعته غير مقدام يصعب عليه
اتخاذ القرارات الحاسمة، وهو يواجه المشكلات بخطابات رنّانة بدلاً من محاولة حلها
فعلياً. هذه الخطابات والوعود التي أطلقها في حملته الانتخابية الأولى في 2008
أعطت الناس آمالاً كبيرة بأنه سيتخذ القرارات الصعبة لحل مشاكل أميركا الداخلية
والخارجية وأن عهده سيكون عهد التغيير، ولم لا؟ فشعاره كان «نعم نستطيع». في خطاب
القسم عام 2009 قال أوباما «إن بعض الناس يشكون في حجم طموحاتنا وبأن نظامنا لا
يتحمل كثرة مشاريع كبيرة. هؤلاء المشككون لا يفهمون أن الأمور تغيرت وأن الحجج
الماضية المهترئة التي حملناها لمدة طويلة لم تعد تفي بالغرض». هذا الرئيس الذي
كان وضع كتاباً بعنوان «جرأة الأمل»
(The Audacity of hope) انتهى
في السنوات الأخيرة يتكلم عن أهدافه بلغة لعبة البايسبول حيث يتطلب تسجيل الهدف
الوصول إلى القاعدة الرابعة قائلاً: «أحياناً تصل إلى القاعدة الأولى، أحياناً إلى
الثانية. وبين الحين والآخر تستطيع أن تسجل هدفاً... هكذا تتفادى الأغلاط».
وخلال رحلته الأخيرة إلى الشرق الأقصى في نيسان (أبريل) الماضي لخّص
أوباما سياسته الخارجية للصحافيين المرافقين بعبارة واحدة «لا ترتكب حماقات وسخة» (Don’t do stupid shit)، وجعل الصحافيين يرددونها بصوت واحد وكأنــه
أستاذ في المرحلة الابتدائية يعلم تلاميذه على حفظ الدرس عن ظهر قلب. هذا الفارق
الكبير بين الطـمـــوحات التي لا حجم لها و«نعم نستطيع» وجرأة الأمل، أحبطت الآمال
بقدرة الرئيس على القيادة ما دفع أرون ميلر، المسؤول السابق في عهد الرئيس
كلينتون، إلى تسمية أوباما «القائد الأعلى للخيبة» غامزاً من كون
أوباما القائد الأعلى للقوات المسلحة.
ويظهر هذا جلياً في الانتقادات الموجهة
له في ما يخص سياسته الخارجية. هيلاري كلينتون في كتابها الذي صدر حديثاً تزعم
أنها طلبت من أوباما مساعدة الثوار السوريين في بداية الثورة ولم يفعل ما أوصل
الأمور إلى ما عليه الآن. وفي مقابلة صحافية حديثة تقول في مقارنة بين أوباما وبوش
الابن ما معناه أن التردد في معالجة الأمور بحزم في البلدان التي تحتاجها ليس أفضل
من الاعتقاد بأنه ليس هناك مشكلة مهما كبرت لا تستطيع أن تحلها باستعمال الجيش
الأميركي. وفي المقابلة نفسها تتهكم هيلاري على أوباما بالقول إن الدول العظمى
لديها مبادئ تنظيمية وجملة «لا تفعل حماقات وسخة» لا تشكل مبادئ تنظيمية.
أما روبرت غايتس وزير الدفاع السابق في
عهد أوباما الأول، فقد أصدر هو الآخر كتاباً ينتقد فيه سياسة أوباما الخارجية،
خصوصاً في ما يتعلق بأفغانستان، بقسوة بالغة. فأوباما هو القائد الأعلى للقوات
المسلحة الأميركية لكنه لا يثق بجنرالاته وغير مؤمن بالخطة التي وافق عليها شخصياً
ولا يعتبر أن الحرب حربه، وأنه لا يهتم إلا بالانسحاب، وإنّ قراراته مبنية على
المصلحة الانتخابية بحسب ما جاء في الكتاب.
أما وزير الدفاع الآخر في عهد أوباما،
ليون بانيتا، فهو أيضاً أصدر كتاباً ينتقد فيه سياسة أوباما في العراق معتبراً أن
الرئيس «فقد طريقه» وخلق فراغاً ملأه تنظيم «داعش»، وكان قد رفض النصيحة التي كان
قد قدمها كبار مساعديه بمساعدة الثورة في سورية في بدايتها قبل أن تصل الأمور إلى
ما وصلت إليه.
هذه الانتقادات جاءت من أقرب المقربين،
ما أعطى انطباعاً واسعاً بين الأميركيين بأن أوباما بتردده وإهماله مسؤول عن وجود
«داعش» وغير كفوء لقيادة أميركا في هذه المرحلة
الصعبة، بما في ذلك الحرب على «داعش» التي أصبحت حاسمة في نظر
الأميركيين بعد الانتشار الواسع لفيديو ذبح الصحافي الأميركي جايمس فولي ومن ثم
ستيفن ساتلوف والرعب الجماعي التي خلقته هذه المناظر الوحشية في قلوب عامة
الأميركيين.
كيف ستتغير سياسة أميركا الداخلية
والخارجية بعد أن أصبح أوباما، بحسب جريدة بيلد الألمانية، ليس فقط بطة عرجاء بل
أيضاً منتوفة الريش؟
* السفير اللبناني السابق في واشنطن غداً
حلقة ثانية أخيرة
الحياة
الخميس، ٢٠ نوفمبر/ تشرين الثاني
٢٠١٤
إيران والإرهاب
والعلامة التي سيسجّلها أوباما في سنتي حكمه الأخيرتين
كون الرئيس الأميركي
باراك أوباما قد أصبح بعد الانتخابات الأخيرة بطّة عرجاء لا يعني أنه، نظراً إلى
الصلاحيات الممنوحة له دستورياً والمكتسبة عرفياً، محيّد عن القرار السياسي
داخلياً وخارجياً. فلدى الرئيس في هذا المجال أسلحة هجومية ودفاعية مهمة ولو أنها
أقل فاعلية من التي في حوزة رئيس يتمتع حزبه بغالبية في مجلسَي الكونغرس.
السلاح الهجومي الأول
يتمثل في ما يسمى القرارات التنفيذية (Executive Orders) المعطاة للرئيس لتمكينه من تفعيل عمل الوزارات والإدارات التابعة
له بوصفه رئيس السلطة التنفيذية، وتمكينه كذلك من تطبيق القوانين الصادرة عن
الكونغرس. وتعتبر القرارات التنفيذية بمثابة قوانين الا إذا نقضها القضاء
الفيديرالي. كما يستطيع عرفاً إصدار قوانين مشابهة تحت مسمى «مذكرات رئاسية» (Presidential Memoranda) لها الوضع القانوني
نفسه. هذه الصلاحية لها تاريخ من إساءة الاستعمال من جانب الرؤساء وتاريخ من النقض
من جانب المحكمة الفيديرالية العليا، وأوباما، رغم ذلك، وسّعها الى ما سماه
«إجراءات تنفيذية» (Executive Actions) تشبه
القرارات التنفيذية ولكن ليس لها فعل القانون، ولها وطأة نفسية أقل على المشترعين
في مجلس النواب. وبين الحين والآخر، وبسبب المعارضة الكبيرة التي كان يواجهها في
مجلس النواب، وضع أوباما إجراءات تنفيذية في إطار مذكرات رئاسية ليعطيها صفة شرعية
ملتفاً بذلك حول القانون.
كما أن الرئيس يملك، وفق
الدستور، صلاحية توقيع معاهدات دولية بعد استشارة مجلس الشيوخ وموافقته. غير أن
صلاحياته أيضاً تشمل توقيع «اتفاقات تنفيذية» (Executive
Agreements) من دون الرجوع الى مجلس الشيوخ على أن
يُعلم المجلس بها بعد 60 يوماً من توقيعها.
دفاعياً، يستطيع الرئيس
وضع فيتو على أي قانون من الكونغرس يرفع له للتوقيع ما يتطلب إرجاعه الى الكونغرس
حيث يتطلب ثلثي أصوات المجلسين لكي يصبح نافذاً في الجولة الثانية. كما يسمح العرف
للرئيس بتوقيع قوانين مع تحفظات تخوله عدم تطبيق بعض بنود هذه القوانين أو تعليق
بعض القوانين المطلوب منه تنفيذها، ولكن من دون إمكان إلغائها.
في المقابل، إذا استعمل
الرئيس هذه الصلاحيات في شكل تعسفي ومتماد يستطيع الكونغرس بمجلسيه محاكمته
وإبعاده عن الحكم.
هذه بعض التداخلات
الرئيسية بين صلاحيات الرئيس الأميركي وصلاحيات الكونغرس التي تصبح ذات أهمية
بالغة عندما يتمتع الحزب المعارض في الكونغرس بغالبية في مجلسيه تخوله الوقوف في
وجه الرئيس وقراراته في شكل يؤدي إلى مآزق يصعب الخروج منها، بما في ذلك عدم
التوافق على موازنة في الوقت المحدد وبالتالي إغلاق الحكومة كما حصل مرات عدة في
الماضي آخرها في أكتوبر (تشرين الأول) من السنة الماضية، أي في عهد أوباما نفسه،
كما قد يؤدي في الحالات القصوى إلى محاكمة الرئيس قبل نهاية عهده وإقصائه.
لعل ما سيخفف من حدة
المواجهة هو أن الأميركيين تعبوا من المواجهات وأنهم توّاقون لحكم أكثر فعالية من
الماضي. فالكونغرس المنتهية ولايته كان الأسوأ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية
من حيث عدد القوانين التي أصدرها ما جعل شعبيته بين الناس الأكثر انخفاضاً في
التاريخ الحديث، إذ بلغت نسبة التأييد لعمل الكونغرس، في آخر استطلاع أجري قبل
الانتخابات النصفية الأخيرة، 8 في المئة. ويطاول هذا التذمر الشعبي الجمهوريين كما
الديموقراطيين، ما يفسر عدم تحول الناخبين في شكل ملحوظ في الانتخابات الأخيرة من
مساندة حزب إلى آخر، بل اعتكف كثر عن التصويت ما يفسر بدوره نسبة المشاركة الضئيلة
في الانتخابات، وهي الأقل منذ 72 سنة.
هدنة وفرصة
قد يحاول الحزبان الوصول
الى اتفاقات على الأمور السهلة في بداية المرحلة لإعطاء الانطباع الجيد للناس
وتسهيل بعض أمورهم. سيعطي الجمهوريون مثلاً أوباما الفرصة الكاملة التي يطلبها
لتوقيع اتفاقات تجارية مع دول عدة كان الكونغرس قد ماطل فيها، علماً أن المعارضة
والمماطلة كانتا من جهة الديموقراطيين أكثر بكثير من الجمهوريين. وتقول قيادات
الجمهوريين إنها لن تحاول إلغاء نظام أوباما الصحّي «أوباماكير» كما يرغب
المتشدّدون في الحزب، ولكنهم على الأغلب سيغيّرون بعض البنود الأساسية فيه علماً
أن دعاوى أقيمت أمام المحكمة الفيديرالية العليا على دستورية تلك البنود كادت تطيح
القانون عام 2012، وقد تطيحه كلياً أو جزئياً بعد أن تنتهي المحكمة قريباً من
النظر في دعوى أخرى.
وستكون إحدى المواجهات
الكبرى في مجال التعيينات الإدارية والقضائية التي على الرئيس أن ينال موافقة مجلس
الشيوخ عليها، بما في ذلك تعيينات الوزراء إذا قرّر تغيير بعضهم (ولذلك قد يحجم
أوباما عن أي تغيير في الحقائب الوزارية) والسفراء والقضاة الفيديراليين. كما
ستشمل المواجهات ملف الإصلاح الضريبي الذي هو موضع خلاف بين الليبراليين
واليمينيين، خصوصاً أن الديموقراطيين في الكونغرس الجديد سيكونون أكثر ليبرالية
والجمهوريين أكثر توجهاً نحو اليمين.
أما المواجهة الكبرى في
السياسة الداخلية فستكون من دون شك في ملف مراجعة قانون الهجرة الذي تسبب تأجيله
بخسارة أوباما في الانتخابات الأخيرة أصوات كثيرين من مؤيديه التقليديين بخاصة
اللاتين، إذ كان قد وعد بأن القانون الجديد سيسوّي أوضاع ملايين من العمال الأجانب
غير الشرعيين الذي هم في بغالبيتهم من تلك الفئة (لا أحد يعلم عددهم الصحيح
والتقديرات تراوح بين 5 ملايين و11 مليوناً)، وزيادة التأشيرات المعطاة للعمال
الأجانب، وأنه سيضع خريطة طريق لتمكين بعضهم من حيازة الجنسية الأميركية. كما وعد
بمساعدة المهاجرين القانونيين في تحسين قدراتهم ودمجهم في المجتمع الأميركي.
قانون كهذا لن يمر في
الكونغرس الجديد ولذلك سيضطر أوباما لاستعمال قرارات أو إجراءات تنفيذية للوفاء
ببعض هذه الوعود خلال المدة المتبقية من ولايته، تحضيراً لانتخابات الرئاسة عام
2016، وقد بدأ العمل في هذا الاتجاه، ما سيشعل أول شرارة حرب بين الكونغرس والبيت
الأبيض.
السياسة الخارجية
هناك مطبات كبيرة أيضاً
في السياسة الأميركية الخارجية بدءاً بمحاربة تنظيم «داعش». فالقرار الذي اتخذه
أوباما بمحاربة التنظيم كان بضغط من اليمينيين في الكونغرس وطبعاً بسبب التحوّل في
الرأي العام الأميركي في شأن محاربة «داعش» في العراق وسورية. غير أن المتشدّدين
في الكونغرس يطالبون بتكثيف الهجمات الجوية والإسراع في تدريب المقاتلين وتسليحهم
ومساندتهم على الأرض. وقال أوباما أخيراً إن الاولوية لديه هي محاربة «داعش» في
العراق وإن محاربة التنظيم في سورية ثانوية هدفها إضعافه في العراق وقطع خطوط
إمداداته.
هذا الموقف قد يسبّب
خلافاً بين أوباما والكونغرس الجديد لأن الفكرة الأكثر شيوعاً بين الجمهوريين
واليمين الديموقراطي هي توسيع رقعة الاشتباك في سورية لتشمل إضعاف النظام قبل
الشروع في تسوية سلمية على أساس اتفاقات جنيف، وهذا ما يطلبه الكثير من حلفاء
أميركا بخاصة السعودية وتركيا وفرنسا. أما الرسالة التي أرسلها أوباما إلى خامنئي
فقد عقّدت الأمور أكثر إذ يعتبر بعضهم أنها فتحت باب التعاون مع إيران في محاربة
«داعش» وهو ما ترفضه قطعاً الغالبية الكبرى في الكونغرس مدعومة من إسرائيل واللوبي
اليهودي. المواجهة الكبرى في مجال السياسة الخارجية الأميركية ستكون في ما يختص
بالمفاوضات على الملف النووي الإيراني. فغالبية أعضاء الكونغرس لا تثق بمقدرة
أوباما وفريقه على الوصول إلى اتفاق يفكّك نهائياً البرنامج النووي الإيراني أو،
على الأقل، يمنعه لعقود طويلة من إنتاج قنبلة نووية، وهذا هو مطلب الجمهوريين وعدد
كبير من الديموقراطيين ويتماشى مع رغبات نتانياهو والحكومة الإسرائيلية. ويعتقد
كثر أن اتفاقاً كاملاً لن يحصل في الموعد المحدد أي 24 من الشهر الجاري، وفي الوقت
نفسه فالفشل الكامل غير مقبول من الجهتين، ما سيضطر المفاوضين الوصول إلى اتفاق
إطار أو ما شاكل وتمديد مدة المفاوضات إلى 2015. ولكن التخوّف في الكونغرس هو أن
يوقّع أوباما على اتفاق لا يجبره الحصول على موافقة مجلس الشيوخ باعتباره «اتفاقاً
تنفيذياً» وليس «معاهدة» وأن يعلّق العقوبات أو أهمها من دون إلغائها، لأن إلغاءها
هو من صلاحية مجلس النواب الذي وضعها في المقام الأول.
وجعل عدم الثقة المتبادل
بين الكونغرس الجديد والبيت الأبيض قيادات الكونغرس تتحسّب لهذه الاحتمالات من
خلال إجراءات كالتحضير لعقوبات جديدة على إيران نالت في الماضي القريب غالبية
كبيرة في مجلس الشيوخ شملت عدداً لا يستهان به من الديموقراطيين، طبعاً بدفع كبير
من اللوبي الإسرائيلي. أيّ تحدّ من أوباما في هذا المجال سيشعل حرباً بينه وبين
الكونغرس لمدى السنتين المقبلتين ما يجعل الكثيرين يستبعدون مواجهة كهذه.
ويجب ألا ننسى تأثير
الكونغرس الجديد في الحرب الباردة الثانية التي أطلقت شرارتها المشكلة الأوكرانية
والتي قد تتأزّم أكثر بوجود غالبية في الكونغرس تلوم أوباما على تعامله الخجول مع
الهجمة الروسية في شرق أوروبا. وكان بعضهم حذر أوباما سابقاً من سياسة مد اليد إلى
الروس. لكن أيّ تشدّد في السياسة الأميركية تجاه روسيا سيرسخ الحرب الباردة ما
سينعكس على العالم بأشكال يصعب توقعها حالياً.
السنتان الأخيرتان من عهد
أي رئيس أميركي يخصص القسم الأكبر منهما لتثبيت الإرث (legacy) الذي ينوي الرئيس تركه للتاريخ. أوباما يبحث عن إرث ولا يجده.
أوباماكير مثير للخلاف وهو في دائرة خطر الإلغاء أو التغيير الجذري. الاقتصاد
تعافى على مستوى وول ستريت وخفّض مستوى البطالة ولكنه لم يرفع مستوى الأجور، بل إن
مداخيل بعضهم، خصوصاً السود، انخفضت، كما توسّعت الفجوة بين المداخيل لمصلحة
الأغنياء.
أراد أن يكون إرثه
الانسحاب من العراق وأفغانستان فإذا به يعود إلى العراق ويفتح جبهة جديدة في سورية
بعد تردّد طويل جعل الأمور أكثر تعقيداً. أراد مدّ اليد للروس ففشل وقد يكون إرثه
غير المقصود في هذا المجال هو بداية الحرب الباردة الثانية. حاول أن يبني إرثاً من
خلال إنجاز تقدم غير مسبوق باتجاه حل للقضية الفلسطينية وإذ بالأمور تتراجع
وتتأزّم أكثر فأكثر. يحاول الآن أن يحرز تقدماً في ملف الهجرة وقد ينجح إلى حدّ ما
في النهاية، إلا أن هذا الإنجاز سيوضع، جزئياً على الأقل، في خانة مساعدة الحزب
الديموقراطي على استعادة بعض مؤيديه التقليديين. أراد في النهاية أن يكون إرثه
النجاح في مفاوضات الملف النووي الإيراني فوجد نفسه بعد سنة من الجهد في مأزق بين
اتفاق لا يرضى به الكونغرس وعدم اتفاق يترك الأمور في مهب الريح.
* السفير اللبناني
السابق في واشنطن
English Summary
The extent of the loss of the Democrats in the last mid-term
election is even greater than it appears at first sight. They lost in districts
that had been considered secure for a long time such as the loss of Democratic
Congressman Nick Rahall in West Virginia after 28 years as representative of his
district. Obama’s approval rating in West Virginia had fallen to 25 per cent as
against 40 per cent nationally which doomed Rahall. But what must have pained
Obama most was the loss of the democrat running for Governor of Illinois, the
home state of the president, after he has vigorously campaigned for him.
Obama lost his support even among the groups in the
population that were responsible for his election twice such as blacks,
Hispanics women and youth. His failure to pass legislation considered crucial
for these groups (for example, reform of the immigration law) is partially
responsible for this loss. But the main Obama problem lies in his hesitancy in
facing problems that are of major national interest. Hilary Clinton, the former
Secretary of State, Bill Gates, the former Secretary of Defense, Leon Panetta,
the former Director of the CIA all published memoirs criticizing Obama’s
hesitant approach to major issues.
Now that the Republicans have a majority in both houses of
Congress, and the conservative wing of the Republican Party even more powerful
than before, a faceoff between Congress and the White House seems inevitable
over the next two years, that is, the remaining mandate of Obama. How is Obama
expected to behave now that he has been, in the words a German newspaper, not
only made a lame duck but a plucked dug as well.
Obama has some weapons in his hands: In facing a hostile Congress
he can pass legislation in the form of “Executive Orders” or “Executive
Memoranda”, two privileges given to him for the purpose of allowing him to better
run the executive branch and execute the laws passed by Congress. He has also
created what is called “executive action” which does not have the status of
laws but has been used as such. In foreign affairs, treaties need to be
approved by the Senate but “Executive Agreements” could be signed by him
without Congressional approval but the Senate needs to be informed of them
after 60 days. The President can also Veto legislation which would then need
two-thirds majority in both houses to pass and can sign laws passed by Congress
while refraining from implementing parts of them. Some of these actions could
be challenged in court by members of Congress and the Congress has the right to
impeach the President in extreme cases.
Some compromises will inevitably be made in future because
Americans do not wish more confrontations. The approval rating of the departing
Congress is as low as 8 per cent, the lowest in 72 years.
Nevertheless, one confrontation will be on the passing of
immigration reform which Congress will turn down and the President will pass
through executive action. Externally, Congressional pressure to widen the war
against ISIS to include the Syrian regime and to speed up the training and
arming of vetted opposition fighters will be exercised on the President. More
important, Congress will try to make sure that the agreement with Iran on its
nuclear program will include dismantling of the program as demanded by Israel
and other allies which will be unacceptable for the Iranians. Since neither a
deal is probable under these circumstances nor complete failure is acceptable
by both negotiating sides, the solution might be some sort of interim agreement
and extension of the negotiation timetable.
A conservative Congress will insist on a more firm stand against
Russia in Ukraine and East Europe which will undoubtedly make a second cold
war, which seems to have started, more of a long term proposition.
Obama is now in search of a legacy, which presidents usually
establish mainly at the end of their mandate. But he seems to find no issue
that would qualify. Obamacare is in shambles and the majority in the new
Congress is determined to either change it radically or destroy it altogether.
The economy is doing better at the level of Wall Street and the reduction in
unemployment but wages have been stagnant and incomes of the poor, especially
the blacks, have declined. Obama promised to withdraw from Iraq and finds
himself returning there and expanding the war to Syria. He tried to make
progress in solving the Palestinian question but he leaves situation in worse
condition than when he started. He extended a friendly hand to Russia and now
finds himself starting a second cold war with it. He may achieve some progress
on the immigration issue but that is generally viewed as a short term
achievement whose purpose is the Presidential Elections of 2016. He finally
tried to make a deal with Iran on its nuclear program a major achievement but
he found himself in a dilemma of either achieving a deal that Congress and many
of his allies, including Israel, will reject or postponing things to an unknown
future.