٢٠١٧٣ فبراير/ شباط الجمعة
الاتحاد
الأوروبي بين ترامب وبوتين
English summary at end
رياض طبارة
لقد أعذر من أنذر.
ففي خطاب القسم، قال دونالد ترامب أن عهده سيكون بداية جديدة
لأميركا وللعالم. «نحن المجتمعين هنا اليوم، نصدر بلاغاً ليُسمع في كل مدينة، في
كل عاصمة، في كل مركز قوة. من هذا اليوم وصاعداً، رؤية جديدة ستحكم
بلدنا. من هذا اليوم
وصاعداً ستكون فقط أميركا أولاً. أميركا أولا."
هذا البلاغ الانقلابي الرقم واحد، ظهرت طلائعه في التعيينات
التي اقترحها ترامب. النائب الطبيب توم برايس،
أكبر أعداء «أوباماكير» المعلنين،
وزيراً للصحة والخدمات الإنسانية. سكوت برويت، مدعي عام ولاية أوكلاهوما الذي بنى
شهرته على الدعاوى الـ 14 التي أقامها ضد وكالة حماية البيئة، رئيساً لهذه الوكالة.
نيكي
هايلي، المنادية بخفض الدعم المالي للأمم المتحدة، مندوبة أميركا الدائمة لدى
المنظمة الدولية.
المعركة الأولى جاءت طبعاً في مجال الهجرة، بدءاً بالأمر
الرئاسي لبناء الجدار الموعود مع المكسيك، وبعده
مباشرة بالقرار الرئاسي بضبط دخول
مواطني سبع دول إسلامية إلى الولايات المتحدة تحت شعار حماية أميركا من الإرهاب.
الفوضى الدولية التي نتجت من القرار الأخير غطت على فكرة أخرى لدى ترامب، قد تكون
الأخطر بالنسبة للنظام الدولي. الفكرة طبعاً ليست لترامب الذي لا يفقه الكثير في أمور
السياسات الدولية، بل هي فكرة أحد كبار مستشاريه، ستيف بانون، المستشار للأمور
الإستراتيجية، ومؤخراً العضو الكامل في مجلس الأمن القومي، الذي يلقبه الكثيرون في
واشنطن بـ «عقل ترامب» وهو أحد الشخصين اللذين كتبا خطاب القسم.
ستيف بانون عُيّن مديراً لحملة ترامب الانتخابية في آب (أغسطس)
2016 فاستقال من إدارة موقع بريتبارت الإخباري على الإنترنت لكي يتفرغ للحملة.
ألموقع المذكور أصبح، في عهد بانون، منبراً لمجموعة «ألت رايت» اليمينية المتطرفة
التي ساندت ترامب، لكنها حوّلت شعاره «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً» إلى «لنجعل
أميركا بيضاء مجدداً». هذه المجموعة ليست فقط معادية للسود، بل أيضاً للاتين
والمسلمين والأقليات غير البيضاء بشكل عام. وتقول المصادر أن بانون كان الشخص
الأهم وراء قرار ترامب منع مسلمين من دخول الولايات المتحدة.
إضافة إلى عنصريته، يؤمن بانون، وهنا بيت القصيد، بأن العالم
الغربي ذاهب في الاتجاه الخاطئ في خلق تجمعات اقتصادية وسياسية وعسكرية. النظام
العالمي السليم، بالنسبة إلى بانون، هو نظام دول ذات سيادة وطنية، تتعامل في ما بينها
على أساس مصالح كل منها. هذا النظام، بالنسبة إلى بانون، استُبدل تدريجاً بنظام
تجمعات «بائسة» للدول الغربية، كالاتحاد الأوروبي مثلاً، ما أدى إلى «إضعاف
وانحطاط الغرب اليهودي المسيحي (Judeo Christian)،» وما سمح بالتالي «لمنظمات إسلامية
فاشية واثقة من نفسها بتشكيل خطر كوني نشهده حالياً.» ويضيف: «أعتقد أن دولاً
قوية، فيها حراك قومي فاعل، تشكل جيراناً جيدين، فهذه هي اللبنة التي عمّرت أوروبا
الغربية والولايات المتحدة، وهي التي تستطيع أن تنير لنا المستقبل». الاتحاد
الأوروبي أضعف سيادة الدول المشاركة، وشجع من خلال ليبراليته اختلاط الثقافات،
ولذا يجب تفكيكه، والعودة إلى فكرة الدول القومية ذات السيادة الكاملة. في هذا
المجال، يقول بانون، «لدينا حليف يريد الشيء نفسه، ولو أن لديه أهدافاً أخرى لا
نحبذها، ألا وهو فلاديمير بوتين."
يلتقي بانون في هذا المجال مع المنظر الروسي ألكسندر دوغين،
الذي يعتبره كثيرون في روسيا «عقل بوتين."
كتب دوغين على موقعه، مباشرة بعد انتخاب ترامب: «إن معاداة أميركا قد انتهت (لأن الشعب
الأميركي بدأ ثورة ضد ما كنا نكرهه في أميركا... جاء الآن دور تنظيف المستنقع
الأوروبي». هذا المستنقع، وفق دوغين، يشمل في شكل رئيسي الفكر الليبرالي الذي يشجع
العولمة واختلاط الحضارات.
هكذا التقى «عقل بوتين» مع «عقل ترامب» حول هدف تفكيك التجمعات
الدولية الغربية لفتح الطريق أمام عودة الدولة القومية المتجانسة داخلياً. بوتين
من جهته يعمل جاهداً لتفكيك الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو من خلال تشجيع الحركات الانفصالية
الأوروبية. فحزب «الجبهة الوطنية الفرنسية»، برئاسة مارين لوبين، على سبيل المثال،
استحصل على بضعة ملايين يورو من بنوك روسية لتمويل حملة رئيسته في الانتخابات
الرئاسية الفرنسية التي ستجرى في نيسان (أبريل)
المقبل، وهو الحزب الفرنسي الوحيد الذي حيّا احتلال
روسيا القرم، والذي يعتبر بوتين «وطنياً وحصناً منيعاً للقيم الأوروبية
التقليدية»، وفق موقع «فرانس 24». كما أن
عدداً متزايداً من دول أوروبا الشرقية، أعضاء في الاتحاد الأوروبي، بدأ منذ مدة،
بدفع من بوتين، التقرب اقتصادياً وسياسياً من روسيا. ففيكتور أوربان مثلاً، رئيس
وزراء هنغاريا، يجاهر بهذا التقارب ويحتفل بنجاح ترامب لأنه بداية نهاية
الليبرالية الأوروبية. كما أن انتخابات بلغاريا ومالدوفا مؤخراً أوصلتا رئيسين
ركزا في حملتهما الانتخابية على تغيير السياسة الخارجية لبلديهما باتجاه علاقات
أكثر ودّية مع روسيا، وتشكيك بجدوى الاتحاد الأوروبي.
ترامب، من جهته، لم يضيّع الوقت للبدء بعملية التفكيك للمؤسسات
المتعددة الأطراف.
أول قرار رئاسي وقعه كان القرار بالانسحاب من «الشراكة عبر
المحيط الهادئ " تاركاً وراءه 11 دولة وقّعت على الاتفاق، من ضمنها أستراليا
واليابان وماليزيا وكندا. هناك شبه إجماع في الإعلام الأميركي، كما بين
الاقتصاديين، أن هذا الانسحاب مضر لأميركا وهديّة كبيرة للصين التي أنشأت مؤسسات
عدة لتشجيع التجارة والتعاون الاقتصادي معها، ولا شك في أنه سيدفع الدول الآسيوية
إلى دائرة النفوذ الاقتصادي الصيني، ولربما لاحقاً إلى تحالف أمني معها.
كما أعلن ترامب، في موقعه على الإنترنت، أنه خلال المئة يوم
الأولى من عهده، «سـأعلن نيتي إعادة المفاوضات في اتفاق التجارة الحرة لشمال
أميركا أو إلغاءه."
ويعمل مساعدو ترامب على قرار رئاسي يهدف إلى تقليص المساهمة
المالية الأميركية في المنظمات الدولية. فوفق «نيويورك تايمز»، التي حصلت على نسخة
من المسودة، يهدف القرار إلى وقف مساهمة الولايات المتحدة في موازنة المنظمات
الدولية التي «تشمل بين أعضائها مندوبين عن منظمة التحرير الفلسطينية، أو التي لديها
برامج تتعامل مع الإجهاض، أو منظمات تتأثر في شكل كبير بدول راعية للإرهاب، أو تلك
المتهمة باضطهاد المجموعات المهمشة أو بانتهاكات مبرمجة لحقوق الإنسان». كما يطالب
القرار بتقليص مساهمة الولايات المتحدة في بقية المنظمات الدولية « بـ 40 في المئة
على الأقل."
وحصلت "نيويورك تايمز» أيضاً على مسودة قرار رئاسي آخر
يطلب من الجهات الرسمية المختصة مراجعة كل المعاهدات المتعددة الأطراف قيد
التفاوض، وتقديم مقترحات حول أي منها يجب أن تنسحب منه الولايات المتحدة.
الأهم من كل ذلك في عهد ترامب هو مصير الاتحاد الأوروبي.
فبالنسبة إلى الاتحاد، من المعروف أن ترامب يقف إلى جانب انسحاب بريطانيا منه وقد
تنبأ بأن دولاً أوروبية أخرى ستنسحب أيضاً، وهو من مؤيدي مارين لوبين وغيرها من الانفصاليين
الأوروبيين. كما أعلن، خلال حملته الانتخابية، أن حلف شمال الأطلسي «عفى عنه
الزمن» وأن على الشركاء فيه أن يعوّضوا على أميركا تكاليف حمايتهم، وإلا سيقول لهم
«تهانينا، ستدافعون عن أنفسكم مستقبلاً»، ولكن، كعادته، عاد إلى الضبابية في بعض
تصريحاته اللاحقة بخصوص الحلف.
هذه الفلسفة الجديدة في البيت الأبيض، المعادية للتجمعات
الاقتصادية والسياسية، ليست من دون أعداء داخل الإدارة الأميركية. فوزير الدفاع،
جايمس ماتيس، ومن ورائه البنتاغون، سيعارضان أي تعاون عسكري مع روسيا، أو إضعاف لحلف
شمال الأطلسي، لكنهما سيكونان خارج صلاحيتهما وقدرتهما بالنسبة للتعاون الروسي-
الأميركي ضد التجمعات السياسية والتجارية، كالاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة أو
اتفاق التجارة الحرة لشمال أميركا.
في زيارتها المستعجلة لأميركا الشهر الماضي، أكدت تيريزا ماي،
رئيسة وزراء بريطانيا، على أهمية حلف شمال الأطلسي وعلى ضرورة وجود الاتحاد
الأوروبي على رغم انسحاب بلدها منه، لكن الزيارة لم تطمئن أحداً. فترامب، وفق المقربين
منه، على وشك الإعلان عن تعيين تيد مالوك، المعروف بحماسته لانسحاب بريطانيا من
الاتحاد الأوروبي، سفيراً لأميركا لدى الاتحاد. ففي مقابلة على محطة «بي بي سي»
خلال زيارة ماي، قال مالوك، جواباً عن سؤال حول سبب قبوله التعيين المنتظر: «كان
لي موقع ديبلوماسي سابق ساعدت من خلاله في إسقاط الاتحاد السوفياتي. لربما هناك
اتحاد آخر يحتاج إلى أن يُلجم." وأضاف أن اليوروّاهب إلى زوال، وأنه شخصياً
يراهن على انهياره قريبا. وعندما سئل عن مصير المفاوضات الجارية منذ تموز (يوليو) 2013
بين أميركا والإتحاد الأوروبي حول "الشراكة التجارية والإستثمارية عبر المحيط
الأطلسي،" قال إن هذه المفاوضات لا أمل فيها في عهد ترامب، وتعتبر ميتة.
وأضاف أن ترامب "لا يحب المنظمات المتعددة الاطراف التي لم تنتخب، وحيث
البيروقراطيين يعبثون في الأرض فساداً،
وهي ليست بصراحة ديموقراطية."
لا عجب إذاً من وجود قلق كبيربين القيادات الأوروبية بسبب
التقارب الروسي -الأميركي، خصوصاً اللقاء القريب بين بوتين وترامب. ينتظر بعضهم أن
يعلن ترامب رفع العقوبات عن روسيا خلال هذا اللقاء، أو بعده بقليل، تجاوباً مع
الشرط الروسي للتعاون الوثيق بين البلدين. عندها سيصبح الخطر على الاتحاد الأوروبي
أكثر إلحاحاً. يقول رئيس الوفد الأوروبي لمفاوضات بركزيت في هذا السياق أن ترامب
وبوتين يشكلان «خطراً وجودياً» بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي بينما تقول
«الغارديان» إن الاتحاد الأوروبي قد وقع فعلاً بين مطرقة ترامب وسندان بوتين.
*
سفير لبنان في واشنطن سابقاً
http://www.alhayat.com/Edition/Print/19950765/
English
summary:
The European Union Between Trump and
Putin
In his Acceptance Speech, Trump gave a warning that things
will change drastically. His nominations quickly proved it. For example, Scott
Pruitt who made his fame due to his 14 lawsuits against the Environment
Protection Agency, was nominated to head that Agency. For Ambassador to the
U.N. he nominated Nikky Haley, a strong advocate for reducing the U.S.
contribution to the organization.
His first grand battle came soon in the temporary ban on
entry of citizens from seven Muslim majority countries. The resulting chaotic
situation worldwide eclipsed a Trump idea that is probably more dangerous
internationally. The idea comes actually from Steve Bannon, his Chief
Strategist, who has been dubbed “Trump’s Brain.”
Bannon was the head of Breitbart, an online site that he
turned into a forum for the group Alt right, strong supporters of Trump, whose
slogan is “Let’s make America White Again.” The group is not only anti-black
but also anti all other minorities including Latinos and Muslims.
In addition to his extreme racism, Bannon believes that the
Judeo-Christian World has been greatly weakened by political and economic
associations, such as the European Union, while Islamofascism is on the rise.
He believes that the alternative is to dismantle these unions and go back to
nationalist independent entities. The best ally in this regard, according to
Bannon, is Vladimir Putin, in spite of disagreements the U.S. might have on
other subjects.
Putin has, of course, been active in his attempts to break
up the E.U. He has facilitated loans from Russian banks to Marine Le Pen’s National
Front and has been successfully nudging Eastern European countries toward the
Russian sphere.
Trump on his side has also been active, in the couple of
weeks since he became president, in dismantling or weakening multi-lateral
agreements and institutions. The first Presidential Order was to withdraw from
the Trans Pacific Partnership, leaving eleven allied countries under the
potential influence of China.
He declared on his online site that he will change the North
American Free Trade Agreement or withdraw from it in his first 100 days in
office.
His aids are busy working on a Presidential Order by which
he will eliminate completely the U.S. contribution to some U.N. organizations
and reduce by at least 40 per cent the contribution to the rest, according to
the New York Times.
He has ordered his aids to review all multi-lateral
negotiations the U.S. is involved in and recommend which ones it should
withdraw from, also according to the New York Times.
What is most important in this respect has to do with the
future of the European Union. It is known that Trump is a supporter of Brexit
and has predicted that other members will be leaving the Union soon. He is also
a supporter of Marine Le Pen and other separatist leaders. He has described
NATO as “obsolete.”
This new political philosophy in the White House has
naturally worried the European leadership. Theresa May, the Prime Minister of
England, rushed to the United States to convince Trump of the great importance
of NATO for the protection of Europe, and the importance of the European Union,
in spite of Brexit. But her visit did not appease the Europeans. In the
meantime, Trump apparently has chosen Ted Malloch as his Ambassador to the E.U.
In an interview that took place during May’s visit, Malloch declared that he
would accept the position because he had something to do with the demise of the
Soviet Union and now the European Union needs to be restrained. He predicted that
the trade negotiations between the Union and the United States, that have been
going on since 2013, will die out. He affirmed that Trump does not favor
multi-national unions where bureaucrats are unrestrained and which are not
democratic organizations.
The great immediate concern arises from the forthcoming
meeting between Trump and Putin. It is expected that Trump will lift the
sanctions on Russia soon to insure greater cooperation between the two nations.
In this respect, the chief negotiator for the E.U. on Brexit said recently that
Trump and Putin constitute an “existential threat” to the E.U., and the
Guardian headlined that now the European Union finds itself between the rock of
Trump and the hard place of Putin.
No comments:
Post a Comment