Sunday, October 10, 2021

 

ألنهار 23 أيلول 2021

هل من الممكن إنقاذ لبنان هذه المرة؟

رياض طبارة[1]

تألفت الحكومة باتفاق بين أميركا وفرنسا وإيران. هذه الشراكة الجديدة ضمنت تعاون مصر والأردن وسوريا ومباركة روسيا. الغاز من مصر مرورا بالاردن وسوريا والكهرباء من الأردن مرورا بسوريا.

ألدول الثلاث دخلت في هذه الشراكة لمصالح ذاتية. فأميركا تتخوف من حرب إقليمية تجرها إلى التدخل بينما هي تحاول  تخفيف وجودها في المنطقة . فرنسا تريد أن تلعب دوراً سياسياً في لبنان والمنطقة كما تتخوف، هي ودول الإتحاد الأوروبي، من هجرة النازحين السوريين الموجودين في لبنان إلى أوروبا في حال تفلتت  الأمورهنا. وبالنسبة لإيران فإن الفوضى غير المنضبطة  في  لبنان قد تهدد ميزان الرعب مع إسرائيل الذي بنته بتسليح مكلف لحليفها حزب الله خلال العقود الماضية.

ولكن تقاطع المصالح هذا لا يفسر التوافق المستجد، ولو المؤقت، بين أميركا وإيران. هذا التوافق حصل نتيجة تنازلات أميركية كبيرة لصالح إيران. فأميركا التي كانت تعارض سيطرة حزب الله على الحكومة اللبنانية، وحتى وجوده فيها، غضت النظر عن هذه المسألة هذه المرة. كما غضت النظر عن استجلاب حزب الله للنفط الإيراني رغم وجود حظر أميركي على بيعه  ورغم التحدي العلني لها من قبل أمين الحزب السيد حسن نصرالله. وكذلك غضت النظر عن وصول الوقود عبر سوريا وعن إمكانية استجرار الكهرباء الأردني عبر الأراضي والمنشاءآت السورية وهي بالفعل اقترحت ذلك وحضرت له.

فسر البعض أن هذه الإستثناءات الأميركية تعكس بداية لانسحاب أميركا من الشرق الاوسط وتسليمه تدريجياً إلى إيران، بدأً بلبنان، بعد التوصل قريباً إلى تفاهم حول البرنامج النووي الإيراني؟ ما يدحض هذه المقولة، إضافة إلى أن أميركا سمحت باستثناءات مماثلة بالنسبة لدول أخرى كالعراق والصين واليونان وغيرها،  أمران أساسيان: أولاً أن أميركا ما زالت تحتفظ بأكثر من عشرين قاعدة عسكرية، بحرية وجوية، في المنطقة العربية ، إضاففة إلى عشرات الآلاف من أفراد جيشها في هذه القواعد وهي ما زالت تقوم بتوسيع بعض قواعدها. ثانياً إن تسليم لبنان أو المنطقة لإيران غير وارد لأن الكونغرس الأميركي لن يسمح بذلك والأهم أن  إسرائيل لن تسمح به. ما تريده الإدارة الأميركية بالوقت الحاضر هو استقرار منطقة الشرق الاوسط وبالتالي عدم انهيار لبنان الذي قد يهدد هذا الإستقرار. كما تريد أميرك، من جهة أخرى، تركيز اهتمامها على منطقة الشرق الأقصى لمواجهة التوسع الإقتصادي والعسكري الصيني. وما التحالف الذي أعلن مؤخراً بين أميركا وإنجلترا وأستراليا، الذي ترك الحليف الأوروبي التقليدي لأميركا خارجاُ، إلا دليل آخر على أهمية صعود النفوذ السياسي والاقتصادي الصيني بالنسبة للأميركيين.

بالعودة إلى لبنان، فالحكومة الجديدة تختلف جذرياً عن محتوى المبادرة الفرنسية التي عملت على تحقيقها أميركا وفرنسا لأكثر من سنة. رغم ذلك رحبت الدولتان وإيران بالحكومة  الجديدة وهنأؤا لبنان بهذا الإنجاز وأعلنوا استعدادهم للتعاون معها لإنقاذه من أزمته. ألم تصر المبادرة الفرنسية على أن تكون الحكومة مؤلفة من وزراء اختصاصيين ومستقلين؟ أين هم في هذه الحكومة باستثناء أقلية منهم؟ معظم الوزراء ليسوأ اختصاصيين بمواضيع وزاراتهم والدول الفاعلة تعلم ذلك. والوزراء كلهم تمت تسميتهم من القوى السياسية الحاكمة، علناً ودون مواربة، والدول الفاعلة تعلم ذلك . كيف إذاً توافق هذه الدول على هذه الحكومة، بل تتبناها وتعد بمساعدتها ؟ ألم يردد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تكراراً، كما فعل من بعده كل ممثلي الدول المعنية بمساعدة لبنان، بأن الطبقة السياسية في لبنان فاسدة ولا تؤتمن على المساعدات، مما استدعى إعطاء هذه المساعدات مباشرة إلى منظمات المجتمع المدني والجيش اللبناني؟ ماذا تغير حتى باتت هذه الدول ذاتها مستعدة لمساعدة لبنان وتمويل إعادة إنعاشه من خلال حكومة سمي أعضاؤها من الطبقة السياسية نفسها التي رفضت الدول المانحة التعامل معها مباشرة لأنها فاسدة بحسب رأيهم؟

الجواب على هذا السؤال هو في آلية تطبيق المشاريع الإنقاذية التي ستمولها هذه الدول. فالشرط الأول الذي وضعته، ودخل في صميم البيان الوزاري، هو أن يعود لبنان على التو للتتفاوض مع صندوق النقد الدولي، والقبول طبعاً بشروطه. المشاريع الإنقاذية الأساسية، كتلك المتعلقة بقطاع الكهرباء أو النظام المصرفي والمالي وغيرها، ستمول وتراقب من قبل الصندوق، ومن خلاله الصناديق الإقليمية والمؤسسات المانحة الأخرى، مما سيحد كثيراً من دخول الفساد والفاسدين إليها. في هذه الحال، لا يعود لمرجعيات الوزراء اليد الطولى في تقرير من سينفذ المشاريع على الأرض، وتنفيع المحاسيب، والحصول على رشوات.

ولكن تسلم صندوق النقد الدولي قيادة عملية الإنقاذ لا بد وأن يُخرج إلى العلن ملفات فساد في كثير من القطاعات سيصعب إخفاؤها. لذلك فالطبقة السياسية لن تقبل بهذه الآلية بسهولة وقد حاربتها في الماضي بضراوة ونجحت في إبعادها. لا شك أن هذا سيحصل أيضاً هذه المرة. فالمفاوضات مع صندوق النقد لن تكون سهلة، أو بالضرورة ناجحة، خاصة وأن الفريق المفاوض، أي وزراء الوزارات المعنية أو ممثليهم، ينتمون إلى أحزاب وتكتلات مختلفة ومتخاصمة سيكون من الصعب تلاقيها على صيغة موحدة للتفاوض، حاصة وأن بعضها لا يريد أصلاً دخول صندوق النقد على خط الأزمة.  لذلك، ورغم أن تمويل ومراقبة المشاريع ستكون بيد صندوق النقد والمانحين الآخرين، فالمطبات المنتظرة من الداخل لن يكون تجاوزها سهلاً، أو بالضرورة ممكناً.



[1]  سفير لبنان سابق في واشنطن