مراجعات كتاب
"مشكلات إنمائية وإنسانية بالأرقام"
جريدة البلد
مشكلات لبنان الانمائية
والانسانية... بالارقام
·
زينب زعيتر الاربعاء 21 سبتمبر 2016
إذا ما اعتبرنا انّ الارقام وعالم الاحصاءات تفضح المعنيين من رسميين واداريين امّا في جهلهم لعدم معرفتهم بواقع الاحوال الاجتماعية والامنية والاقتصادية ، أو في عدم قبولهم بمقاربة الحقيقة لعدم رغبتهم في استنهاض الحلول ، فانّ الحاجة الى دراسات تتصل بالاشكاليات المهمة المتعلقة بالموارد البشرية اللبنانية تبقى اولوية، لتفصيل المشكلات والخروج منها بحلول لسياسات انمائية مستدامة، كي لا تصبح الارقام مجرد وجهات نظر.
يوفر كتاب "لبنان- مشكلات انمائية وانسانية بالارقام"، للدكتور رياض طبارة السفير الاسبق للبنان في واشنطن، مقاربات تقدّم دراسات شاملة ومستدامة حول الموارد البشرية اللبنانية، في ظل غياب سياسات انمائية او احصائيات دقيقة لا تعتمد على التماشي مع خطوط سياسية معينة تابعة للفريق الذي يقوم بالبحث، وتبعاً للحقيقة التي تؤكد انّ لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي لم يقم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بتعداد لسكانه.
لم يعد للرقم قيمة في لبنان، هذا ما يخلص اليه طبارة في لقاء خاص مع "البلد"، نستعرض من خلاله ابرز الارقام التي وردت فيه، اضافة الى مقاربة لواقع فوضى الارقام التي تعكس عدم الرغبة في التوصل الى الحلول. والامثال على ذلك كثيرة، سردها يحتاج الى اكثر من مجرد تسعة فصول في كتاب طبارة، ولانّ البطالة واحدة من ابرز المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها لبنان، سنستهل قراءة الكتاب بها. فوفق آخر مسح رسمي ظهرت فيه نسبة البطالة، قامت ادارة الاحصاء المركزي باعطاء الرقم 5.6 بالمئة، أو 6 بالمئة، أو 6.4 بالمئة، كنسبة للبطالة، وكل هذه الارقام غير صحيحة بحسب طبارة، "فالمشكلة هنا ان احتساب نسبة البطالة جاء كنسبة العاطلين من العمل من مجموع السكان وليس من مجموع القوى العاملة كما يجب". امّا تقديرات البنك الدولي لسنة 2013 فقد قاربت النسبة الـ 11 بالمئة وتقديرات "ايدال" وصلت الى 13 بالمئة، الاّ انّ الرقم 6 لا يزال يتفاعل. كل هذه التقديرات نسفها وزير العمل سجعان قزي الذي صرح بانّ مستوى البطالة في لبنان في اذار 2014 وصل الى 23 بالمئة، ليعلن بعد مدة انّ مستوى البطالة سنة 2015 وصل الى 32 بالمئة ولكنّه عاد لينخفض بفضل اجراءات الوزارة الى 25 بالمئة في العام 2016. ويتابع طبارة، "ولكن بعد شهر اعلن الوزير انّه ثمة مليون انسان عاطل من العمل بين المواطنين اللبنانيين، وبما انّ القوى العاملة اللبنانية تقدر بأقل من 1.5 مليون شخص فهذا الرقم يعني انّ مستوى البطالة أصبح أكثر من 66 بالمئة، لتعود ادارة الاحصاء المركزي بعد بضعة ايام لتنشر على موقعها انّ مستوى البطالة هو 10 بالمئة". كل ذلك، يدل على فوضى الارقام، وعلى انّ التقديرات التي يتوصلون اليها تعود الى عدم وجود مسوحات للبطالة في لبنان ما يسمح بالاستهزاء بالارقام وبابتكار ارقام لاهداف سياسية".
من هنا، يهدي طبارة الكتاب الى كل الباحثين في القضايا الانمائية والانسانية، لما يعانون في ملاحقة الرقم الصحيح غير المسيس، وهو الذي أُحبط مرات كثيرة خلال تحضير الكتاب، ولكنّه أصر على متابعته، للتوصل الى دراسة شاملة، يمكن بناء واقع المشكلات على اساسها، وايجاد الطرق اللازمة للتعامل معها.
ابرز فصول الكتاب يتحدث عن انّ سكان لبنان يتناقصون ويهرمون، واننا سنكون امام مجتمع مسن في السنوات المقبلة، وبحسب طبارة، فانّ الخصوبة أصبحت دون الاحلال، "فكل امرأة في مقابلها 1.6 طفل، في حين يجب ان يكونوا 2 لكي يتم تعويض الفرق... وذلك ما يؤدي باختصار الى ما يُسمى تعمير السكان اي انّ عمر السكان يصبح في اعلى معدلاته فتزداد نسبة كبار السن". فمعدل عمر اللبناني كان في السابق 19 سنة، اليوم اصبح تقريبا 30 سنة، ولكن في العام 2040 سيصل المعدل الى 42 سنة، اي انّ المجتمع يكبر، "وهذا ما يدفعنا الى ضرورة البحث في الحلول المستقبلية المتعلقة بدور السن ونظام الضمان والشيخوخة للعمل على مواجهة المشكلة المستقبلية".
تكمن المشكلة اذاً في عدم توفير السياسات الاستباقية، وهذا ما لا يمكن فصله ايضاً عن ازمة البطالة في لبنان، والتي تصل بحسب تقديرات طبارة الى 35 الف مواطن يغادرون لبنان سنوياً. ويشير طبارة الى انّ الدراسات في هذا الاطار قليلة، "هناك دراسة قامت بها جامعة القديس يوسف واخرى اعدها الوزير السابق شربل نحاس، وفي الدراستين هناك فرق في الارقام، امّا الاهم فهو البحث في الاسباب التي دفعت الى الهجرة والتي كانت اقتصادية بامتياز، على انّها تتبدل مع تغير الاوضاع الامنية في البلد، وذلك ما أدى الى تغير في اوضاع الاسرة اللبنانية".
ويولي طبارة فصلاً خاصاً حول مشكلة الاجور، اذ يشير الى انّ كل المؤشرات المتاحة تدل على انّ الاجور لم ترتفع في الحقبة ما بين انتهاء الحرب الاهلية وسنة 2015 بنفس نسبة ارتفاع الاسعار. وللمرأة حيز مهم في كتاب طبارة، وخصوصاً لناحية مشاركتها في الحياة الاقتصادية، بحيث يتطرق الى "ما لها وما عليها"، معتبراً انّ هناك فجوة واضحة بين دخل الرجال والنساء لسبب رئيسي يعود لعوامل بنيوية تتعلق بالمهن التي يتركز فيها عمل كل من الجنسين، وان هذه الفجوة ستنخفض مع الوقت لان المرأة بدأت تدخل بقوة في مهن كانت حكرا على الرجال كالطب والهندسة، بينما الرجال يدخلون باعداد اكبر في مهن كانت حكرا على النساء كالتمريض والعمل الاجتماعي.
ويتابع طبارة "هناك نوعان من الكوادر العليا، فهناك عمل اختصاصيين من جهة، والعمل ضمن الكوادر العليا الادارية من جهة ثانية. والحقيقة ان المرأة موجودة أكثر في المجال التخصصي وهو المطلوب للعمل الاداري، وبالتالي فان طلب العمل ضمن الكوادر الادارية سيكون من خلال اللاأخصائيين وبالتالي فان النساء سينتقلن حتما وبالشكل الطبيعي والمنطقي من الاختصاصي الى الاداري".
رياض طبارة في كتاب عن مشكلات لبنان
الانمائية: الأسرة اللبنانية تشهد تغيرات
الثلاثاء
06 أيلول 2016 الساعة 12:30
تحقيق:
منى سكرية
وطنية - أكد الدكتور رياض طبارة (سفير لبنان الأسبق في واشنطن
من 1994-1997)،
وفي حديث خاص ل "الوكالة الوطنية للاعلام"، لمناسبة صدور كتابه الجديد
بعنوان "لبنان - مشكلات إنمائية وإنسانية بالأرقام"، صعوبة إجراء دراسة
شاملة ومستتمة حول الموارد البشرية اللبنانية، وذلك لعدم وجود المعلومات الكافية
والموثوقة لها.
ونظرا لهذه العوائق، فقد ركز طبارة في دراسته هذه على بعض ما
أسماه الإشكاليات الهامة وغير المعروفة عامة
والمتعلقة بالموارد البشرية
اللبنانية، وذلك عن طريق إعطاء فكرة ولو مقتضبة عن الطرق الناجعة للتعامل معها.
يتألف الكتاب - الدراسة من تسعة فصول، وخاتمة، إضافة الى
المراجع (149 صفحة). أما الإهداء فله من الدلالة العميقة ما يشي بصعوبات البحث
العملي والجاد في بلد يفتقد الأرقام "..لأن زملائي يعانون في ملاحقة الرقم
الصحيح غير المسيس".
طبارة الحائز شهادة دكتوراه في الاقتصاد من جامعة
"فاندربيلت" في الولايات المتحدة الأميركية، أمضى سنوات عدة كخبير في
ملاك الأمم المتحدة، منها في الاسكوا، وممثل لها في تونس، ولدى الجامعة العربية،
ومنسق مع منظمة التحرير الفلسطينية، الى أن شغل منصب مستشار للرئيس الراحل رفيق
الحريري، ويرأس حاليا مدير مركز الدراسات والمشاريع الإنمائية (مدما)، وله عدد من
المؤلفات في الاقتصاد والاجتماع والإحصاء والتاريخ والسكان، والعديد من المقالات
المنشورة في صفحات المجلات العلمية، هدف في كتابه هذا - كما قال لـ "الوكالة
الوطنية للاعلام"- الى نشر المعرفة بين القراء غير المتخصصين حول أهمية
القضايا المتعلقة بالموارد البشرية، وأيضا لتحفيز الباحثين وواضعي السياسات ذات
الصلة على مناقشة هذه الأمور الحيوية لعله ينتج عن ذلك بعض التحسن في المعلومات
والاحصاءات المتاحة لوضع سياسات تنموية تتعامل بعقلانية أكبر مع التنمية البشرية
الصحيحة".
يدحض طبارة في تفسيره "لعدم قيام لبنان بإجراء تعداد
لسكانه إستنادا الى المخاوف الطائفية كما يشاع"، لأنه، و- كما يقول - أن
"السبب غير علمي ولأنه وفي كل إحصاء في التعداد لا لزوم للسؤال عن الطائفية
والمذهب، كما يحصل في غالبية الدول، ولأنه في الاستطلاعات التي تنفذها
"مدما" تعطي فكرة جيدة عن التوزيع الطائفي في لبنان، إضافة الى أن اتفاق
الطائف وضع الأسس للنظام الطائفي على أساس المناصفة".
ويعرض الى "مسألة تناقص عدد سكان لبنان وسيرهم باتجاه
التقدم بالسن"، فيذكر أن "معدل الإنجاب عند المرأة اللبنانية 1,6 في المئة،
مما سيجعل النمو الطبيعي للسكان في لبنان سلبيا في المستقبل المنظور، يضاف الى
سلبيته عامل الهجرة"، متوقعا "أن ينخفض عدد الاطفال دون 15 عاما خلال
2010-2040 الى أقل من النصف، وأن يزداد عدد المسنين الى 65 وما فوق، ليصبح عدد
المسنين أكثر من عدد الاطفال آخر هذه المدة"، مطالبا "بتوسعة عدد دور
العجزة بدءا من اليوم، خاصة تلك المتعلقة بالنساء، لأن عدد المسنات سيفوق عدد
المسنين بحوالي 44% بحلول سنة 2040، وأن عدد النساء الأرامل سيشكل الثقل الرئيسي
والمتزايد في هذه الفئة العمرية".
ويشير طبارة الى الانخفاض التدريجي في الخصوبة في لبنان ومن
دون الإحلال، والذي بدأ مع الحرب الأهلية، وقبل أي بلد عربي آخر، مستنتجا أن
"العدد الوسطي لسكان لبنان سيبقى حوالي 3,9 ملايين حتى العام 2020".
وبناء على ما سبق من أرقام، فيذكر أن "الفئة العمرية ما
بين 5 الى 14 سنة بدأت بالانخفاض، وهم الخزان الرئيسي للمدارس الابتدائية، ومن
المتوقع أن ينخفض الى 21% ما بين 2010 و2020، وحوالي 40% بحلول سنة 2040"،
موضحا أن "الجيل الماضي كان يعيل أطفالا أكثر ومسنين أقل، والجيل الحالي
يعيل العدد نفسه من الأطفال والمسنين، أما الجيل القادم فإنه سيعيل أطفالا أقل من
المسنين".
وعن الهجرة من لبنان يكشف أن "أكثر من 35 ألفا من
المواطنين يخسرهم لبنان سنويا وغالبيتهم من الشباب، الأمر الذي أحدث خللا بالتوازن
بين الجنسين في سن الزواج وإن كان قد حقق توازنا بسبب الهجرة من الجنسين، إضافة
الى تشكيل الهجرة صمام أمان في وجه ارتفاع مستوى البطالة".
ولفت الى أن التحويلات المالية بسبب الهجرة تجاوزت ال 7 مليارات دولار سنويا، ولكن يقابلها تحويلات الأجانب العاملين في لبنان والتي تصل الى حوالي 4 مليارات دولار سنويا.
ولفت الى أن التحويلات المالية بسبب الهجرة تجاوزت ال 7 مليارات دولار سنويا، ولكن يقابلها تحويلات الأجانب العاملين في لبنان والتي تصل الى حوالي 4 مليارات دولار سنويا.
ويتابع طبارة في حديثه أن "من نتائج هذه الأوضاع أن
الأسرة اللبنانية بدأت تشهد تغيرات، وهو ما يترك أثره على شبكة الأمان الاجتماعي،
خاصة أن نسبة الأسر المؤلفة من شخص او أثنين قاربت ربع مجموع الأسر، وأن نسبة
المطلقات تبلغ ضعف نسبة المطلقين، ونسبة الأرامل تبلغ أربعة أضعاف نسبة الرجال
الأرامل، لأن الرجال يعاودون الزواج ثانية".
وإذ يشيد طبارة بـ"وعي المرأة اللبنانية في فترة الحمل
ومتابعتها المراقبة لدى الطبيب المختص مما يقلل من وفيات الأمهات بسبب الولادة،
وهو أقل مما هي عليه في الدول العربية، ويضاهي ما هو عليه في البلدان المتقدمة"،
فإنه يلفت الى أن "توقعات الحياة عند الولادة في لبنان هي حوالي 80 سنة (77
للرجال و81 للنساء)"، مشيرا أيضا الى أن "نسبة الاصابة بمرض الايدز
والوفيات الناجمة عنه هي في لبنان الأقل في العالم، حيث تبلغ في اوروبا مرتين الى
أربع مرات مستواها في لبنان، وتصل في بعض الدول الافريقية الى ما بين 230 و260 مرة
مستواها في لبنان، ولكن يقابل هذا النجاح في مجال الصحة الانجابية ومكافحة الايدز
فشل في مجال حوادث السير والوفيات الناتجة عنه، كما أن نسبة استهلاك التبغ في
لبنان قد تكون الأعلى في العالم" كما يقول طبارة من دون أن يفتري على أحد في
هذا المجال.
وعن مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي يذكر ان "نسبة
المشاركة ارتفعت إحصائيا من 17% الى 25% ما بين 1990 و2015، لكنها ما تزال منخفضة
في المواقع الادارية العليا، في حين أن العامل الأكثر تأثيرا على معدل
النمو
الاقتصادي في لبنان هو الحالة الأمنية".
من القضايا التي أراد الدكتور طبارة الاشارة إليها ما يتعلق
بالتعليم، فقال إن "نسبة الأمية في لبنان انخفضت بشكل
كبير خلال العقود
الماضية، ولكنها ما تزال تبلغ 6%، وبين النساء 8%، وأن التسرب المدرسي هو بين
الذكور في المرحلة الابتدائية، وأن عدد النساء في الجامعات يفوق عدد الرجال بحوالي
12%، وأن عدد المتخرجات سنويا يفوق عدد المتخرجين ب14%، وأن هذا الفارق الأخير في
ازدياد مستمر منذ 10 سنوات على الأقل". كما أنه يشير الى "تزايد عدد
النساء في الجامعات في الاختصاصات التقليدية للرجال كالطب والهندسة، بينما تزداد
نسبة
الرجال في الاختصاصات النسوية تقليديا كالتمريض والعلوم الاجتماعية".
أما ما يأسف له طبارة فهو أن "كل المؤشرات المتاحة تدل
على أن الأجور لم ترتفع في الحقبة ما بين انتهاء الحرب الأهلية وسنة 2015 بنفس
نسبة ارتفاع الاسعار"، خاصة وكما قال لنا، أن "الاجور عند انتهاء الحرب
الأهلية كانت منخفضة كثيرا بسبب انهيار سعر صرف الليرة والتضخم في الاسعار الذي
رافقها، ما يؤدي الى
تشوهات في الوضع المعيشي لهذه العائلات".
وختم طبارة حديثه بالقول إن "السياسات الآيلة للنهوض
بالموارد البشرية عامة، في مجالات السكان، والعمالة، والبطالة، والصحة والتعليم
وغيرها من السياسات الاجتماعية والاقتصادية ذات الصلة، تشكل العمود الفقري لسياسات
التنمية بشكل عام ولكنها تبقى مهملة الى حد كبير في لبنان لصالح السياسات المالية
والمصرفية والى حد
ما التجارية والصناعية".
تجدر الإشارة الى أن الكتاب الذي أخذ أكثر من سنة من جهد مؤلفه
لإكماله، يقول عنه طبارة: "لقد أخذ الكثير من
الإحباط ما جعلني أفكر بالتوقف
عن العمل مرات عدة، ولكن حب الاستطلاع تغلب في كل مرة على الشعور بالاحباط فولد
هذا الكتاب".
لثلاثاء 20 أيلول 2016
مشكلات لبنان الإنمائية والإنسانية بالأرقام
صدر للسفير الدكتور رياض
طبارة كتاب جديد بعنوان «لبنان-مشكلات إنمائية وإنسانية بالأرقام». ويركز المؤلف
في هذه الدراسة على بعض الإشكالات الهامة وغير المعروفة عامة، المتعلقة بالموارد
البشرية اللبنانية.
يقع الكتاب في 149 صفحة
من الحجم الوسط، وتتناول فصوله التسعة بأسلوبٍ علمي بحثي وبكتابة مستندة إلى
الأرقام والإحصاءات والمراجع الموثوقة، عناوين عدة تمسّ حياة اللبناني ومصيره.
عناوين لا يتم تناولها بشكلٍ مكثّف أو إيلائها الأهمية اللازمة. ومن هذا المنطلق
تأتي أهمية الكتاب بتقديمه هذه الدراسة حول الموارد البشرية وإن كانت «غير شاملة
ومستتمة» حسب مؤلفها، لأنّ «دراسة كتلك هي اليوم شبه مستحيلة لعدم وجود المعلومات
الكافية والموثوقة لها».
إلا أنّ هذا الكتاب
يقدّم دراسة مفيدة لأيّ قارئ أو باحث، فهي تريه واقع الموارد البشرية كما هو من
خلال الجداول والبيانات والمعطيات. فيفصّل المؤلف تناقص سكان لبنان، أسباب الهجرة
إلى الخارج وتداعياتها، علاقة الهجرة بالمذهب، تغيّر الأسرة اللبنانية، المشكلات
الصحية، مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي، النمو والبطالة والهجرة، التعليم،
الأجور والفجوة بين الجنسين.
ويشرح طبارة في المقدمة
حالة الإحصاء في لبنان، البلد الوحيد الذي لم يقم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية
بتعداد لسكانه. ويخلص في خاتمة الكتاب إلى أنّ «السياسات الآيلة للنهوض بالموارد
البشرية عامة، في مجالات السكان، والعمالة والبطالة، والصحة، والتعليم، وغيرها من
السياسات الاجتماعية والاقتصادية ذات الصلة، تشكل العمود الفقري لسياسات التنمية
بشكل عام ولكنها تبقى مهملة إلى حد كبير في لبنان لصالح السياسات المالية
والمصرفية، علماً بأنّ فكرة التنمية بشكل عام لا تعطى في النهاية ما تستحق من
انتباه من قبل الدولة على كل حال».
يُذكر أنّ رياض طباره
حاز دكتوراه في الاقتصاد من جامعة فاندربيلت في ناشفيل، وأمضى سنوات كخبير في ملاك
الأمم المتحدة، وعمل كعميد لكلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت
(1991-1993). كما عُيّن سفيراً للبنان في واشنطن (1994-1997)، وشغل منصب مستشار
لرئيس مجلس الوزراء الشهيد رفيق الحريري.
وهو مدير لمركز
الدراسات والمشاريع الانمائية (مدما) الذي كان قد أسسه سابقاً، وله عدة كتب في
الاقتصاد والاجتماع والاحصاء والتاريخ.
وبرغم أنّ طبارة تسلّم في الماضي مناصب رفيعة في الأمم المتحدة والمؤسسات المرتبطة بها، قبل وبعد أن يصبح سفيراً، فقد اعتبر أن بعض دراسات المنظمة الدولية شوّهت مستوى تعليم المرأة في البلدان العربية ولبنان وأظهرت الرجال كما لو كانوا يتقدمون على النساء بنسب عالية في هذا المجال في الأعمار كافة بسبب التمييز ضد الإناث. ففي كتاب صدر له مؤخراً بعنوان: «لبنان: مشكلات إنمائية وإنسانية بالأرقام»، أكد طبارة أنّ مستوى التعليم أصبح شبه متساوٍ بين المرأة والرجل في فئة الشباب بلبنان وأنّ نسبة الأمية بين النساء انخفضت من 48 في المئة عام 1970 إلى 8 في المئة عام 2015، كما تهاوت الفوارق بين الجنسين في نسب التعليم في دول عربية أخرى.
وأضاف أنّ عدد الإناث في الجامعات في لبنان يفوق عدد الرجال بـ 12 في المئة، وعدد المتخرجات يفوق عدد المتخرجين بـ 14 في المئة. ومع مرور الزمن، أصبحت اختصاصات الإناث تتكاثر في بعض المهن التي كانت تُعتبر في الماضي مهناً ذكورية كالهندسة والطب وإدارة الأعمال والمصارف. واعتبر طبارة أنّ الدول العربية عموماً، ودولة لبنان بينها، تترك للمنظمات الدولية حريّة زائدة في تقرير أولويات التنمية في بعض الأحيان نتيجة لإحصاءات دولية خاطئة. كما أنّ الدول المانحة تُعطي الأولويات لأرقام دراسات هذه المنظمات الدولية عند تقديم مساعداتها، بينما تختار هذه المنظمات بعض القضايا الأقل أهمية بالنسبة للدول المعنية.
ويفتتح طبارة كتابه الذي يهديه الى زملائه الباحثين في القضايا الإنمائية والإنسانية لما يعانون في ملاحقة الرقم الصحيح غير المسيّس، قائلاً إنّ لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي لم يتواجد فيه تعداد سكاني منذ عام 1932، وذلك خوفاً من أن يسأل التعداد عن الطائفة والمذهب. بيد أنه يوضح بأنّ معظم التعدادات السكانية في العالم لا تسأل عن هذا الأمر، إذْ بالإمكان تقدير هذا العدد علمياً بطريقة غير مباشرة عن طريق المسوحات بالعيّنة (Sample Surveys)، ومن دراسات أخرى عن الخصوبة والوفيات والهجرة. ويؤكد بأنه قام بتطبيق آخر وسائل تقدير عدد السكان في لبنان استناداً إلى مسوحات ودراسات جرت مؤخراً، وتبين له أنّ العدد الفعلي للبنانيين المقيمين في لبنان هو 3.6 ملايين نسمة.
وبالنسبة لفوضى استخدام الأرقام، يشدد طبارة على خطأ تقدير مستوى البطالة استناداً الى المجموع العام للسكان (من دون استثناء الكبار والأطفال)، مؤكداً أنه من الضروري أن يتم تقدير هذه النسبة استناداً الى مجموع القوى العاملة فقط (الناشطين القادرين على العمل). وبالتالي، فإن النسبة الأصح في لبنان للبطالة هي 12 في المئة. كما يشير الى ضرورة القيام بمسوحات البطالة شهرياً، خصوصاً بعد تزايد النزوح السوري الى لبنان ودول المنطقة الأخرى. وهو يعتبر أنّ لبنان والمنطقة عموماً سيواجهان مشكلة إعالة المسنين مع ازدياد نسبهم في البلدان العربية، وبالتالي ستصبح قضية ضمان الشيخوخة قضية رئيسية وسيؤدي ذلك إلى حاجة للمزيد من الخدمات الطبية.
في الفصل الثاني من الكتاب، يتطرق طبارة الى موضوع الهجرة إلى الخارج وأسبابها وتداعياتها. فيقول إنّ هجرة الشبان اللبنانيين إلى الخارج مؤخراً بداعي الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990) أدّت الى خلل في التوازن بين أعداد الجنسين في لبنان، فزادت نسبة الإناث وارتفعت نسبة العزوبية بينهن. ولكن تبعت ذلك هجرة أنثوية بعد ارتفاع نسبة تعليم الإناث وتفاقم الحاجات المادية للعائلات.
ومن المفارقات الأخرى التي يمكن للإحصاءات الصحيحة أن توضحها، الفكرة القائلة أنّ معظم المهاجرين اللبنانيين المقيمين في الخارج هم من الطوائف المسيحية. يشير طبارة الى دراسات أوضحت أنّ أعلى نسبة بين اللبنانيين في الخارج استناداً الى لوائح الشطب الانتخابية في لبنان هي بين السنّة المسلمين (48 في المئة) تتبعها نسبة الشيعة المسلمين (45 في المئة) ثم الموارنة المسيحيين (39 في المئة). بالتالي، فإن اقتراع المغتربين اللبنانيين سيكون (مبدئياً) في مصلحة خيارات المذاهب الإسلامية. ويذكر الكاتب أنّ مجموع اللبنانيين من الطوائف كافة خارج لبنان قد يصل إلى مليون نسمة. لكن هذا الأمر يتوقف على طريقة تعريف اللبناني في الخارج (الجيل الأول أو الثاني أو الثالث، أو إذا كان مسجّلاً وما زال يملك أوراقه الثبوتية أو لا، وفي أي بلدان يسكن، ولأي مدة).
ويؤكد طبارة أنّ معدل حجم الأسرة في لبنان انخفض من 5.4 أفراد (سنة 1970) إلى 4.1 في العام 2009، وما زال على تراجع. كما أنّ معدل سن الزواج ارتفع بين الرجال من 29 سنة العام 1970، الى 32 سنة العام 2007. ومعدل زواج النساء ارتفع من 23 إلى 28 سنة في الفترتين نفسيهما. وقد تأثرت الأسرة، منذ الحرب الأهلية اللبنانية (سنتي 75 ـ 90) بالازدياد المتسارع للطلاق خصوصاً بعد العام 2004. ونسبة المطلّقات تبلغ حوالي مرتين نسبة المطلّقين، إذ أنّ الرجل المطلّق يعاود الزواج بنسبة أكبر من المرأة المطلّقة.
ويذكر طبارة أنّ الدراسات المموّلة دولياً تركّز على المواضيع التي تهم الدول الأوروبية والأجنبية. فمع عدم وجود ما يزيد عن 85 ـ 110 إصابات بـ»الإيدز» (فقدان المناعة) سنوياً في لبنان، رُصدت مبالغ كبيرة للدراسات حول هذا المرض. فيما لم يُركّز بما فيه الكفاية على أحد الأسباب الرئيسية للوفاة في لبنان وهي حوادث السير، التي ارتفعت من 478 إصابة قاتلة عام 2008 الى 657 وفاة في عام 2014، لتصبح ثالث أهم سبب للوفاة في لبنان بعد أمراض القلب والسكتة الدماغية (الفالج). والسبب كثرة المركبات على الطرقات وعدم التقيد بقوانين السير وعدم صيانة الطرق والتطوير في تجهيزاتها وعدم مراقبة السرعة بفعالية.
ويختتم طبارة كتابه قائلاً إنّ على الدول العربية، ولبنان خصوصاً، الاهتمام ليس فقط بالمشاكل القائمة حالياً تنموياً واقتصادياً بل المشاكل الآتية في المستقبل، وبالتالي عليها التركيز في دراساتها التنموية على القضايا الأساسية في هذا المجال وليس فقط القضايا التي تهمّ المنظمات الدولية والدول المانحة.
ولعل هذا الوضع كان أفضل عندما كان للبنان وزارة للتصميم أشرفت على دعم جهود الاختصاصيين المحليين والدوليين لمعالجة القضايا الملحّة في المنطقة عموماً، وفي لبنان خصوصاً خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
رياض طبارة، «لبنان: مشكلات إنمائية وإنسانية بالأرقام»، 149 صفحة، شركة الشرق الأوسط لتوزيع المطبوعات (MM0)، آب 2016، لبنان.
مجلة الأمن العام
تشرين الثاني 2016
November 4, 2016
في بلد تبقى فيه
الارقام والاحصاءات وجهة نظر لاسباب قليلها معلوم وكثيرها مخفي، حاول الدكتور رياض
طبارة سفير لبنان الاسبق في واشنطن <التشمير عن زنوده>، وسبر غور الارقام
ومقارنتها وتحليلها لما لها من ارتباط اساسي بفهم مشكلات المجتمع والعائلة
اللبنانية ووضع الاسس السليمة لايجاد سياسات تجعل الامن الاجتماعي هو الاهم في سلم
الاولويات. فما هي ابرز المشاكل التي تعاني منها الاسرة اللبنانية حاليا؟ هل نتجه
لان نصبح مجتمعا هرما؟ اين موقع المرأة اللبنانية اليوم؟ ما اسباب تراجع الخصوبة؟
واين الحلول؟
مع السفير طبارة جولة
في كل هذه الاسئلة، واطلالة على الانتخابات الرئاسية الاميركية، فمن سيفوز برأيه
ولماذا؟
من كتابه بدأنا
أسئلتنا:
ــ ما الدافع الذي حدا
بكم الى وضع كتابكم الجديد <لبنان ــ مشكلات انمائية وانسانية بالارقام>، كم
تطلب من الوقت لاتمامه، ولماذا <احبطتم> اكثر من مرة وانتم تعدونه؟
– أمضيت سنيناً عديدة
في الأمم المتحدة وكنت في البداية مسؤولاً عن السياسات السكانية في المقر الرئيسي
للأمم المتحدة في نيويورك ومن ثم عن قضايا السكان، والتنمية الإجتماعية، وقضايا
المرأة وغيرها في منظمة <الإسكوا>. كان لبنان في الإجتماعات الدولية
والإقليمية يذكر دائماً كالبلد الوحيد في العالم الذي لم يقم بتعداد لسكانه منذ
استقلاله، ولا يعلم بشكل موثوق حتى ما هو عدد سكانه ومواصفاتهم. في سنة 1996 قامت
وزارة الشؤون الإجتماعية بمسح بالعينة للسكان وميزاتهم نتج عنه تقدير للعدد
الإجمالي للبنانيين المقيمين بحوالى ثلاثة ملايين تبعه مسح مماثل السنة التالية
قامت به إدارة الإحصاء المركزي وقدّر العدد بحوالى أربعة ملايين، وما زلنا نعتمد
هذا الرقم الأخير رغم أن كل الدلائل تشير إلى أن الرقم الحقيقي هو أقل من ذلك
بكثير. وهذا ينطبق على كل الإحصاءات الناتجة عن مسوحات أسرية (أي مبنية على أسئلة
موجهة للأسر) بخلاف الإحصاءات المالية (مثلاً ودائع المصارف) أو التجارية (مثلاً
الميزان التجاري). وغياب الأرقام جعل المسؤولين يستخفون بالرقم بلا حسيب، فيعطون
الرقم الذي يناسب تطلعاتهم السياسية. وقد أخذت كمثال على ذلك في مقدمة الكتاب
إحصاء البطالة الذي يشكل في كل بلدان العالم مؤشراً شهريا، وأي تغيّر بسيط جداً
فيه يؤثر على السياسات الإقتصادية والمالية في البلد. فبالنسبة لإدارة الإحصاء
المركزي نسبة البطالة سنة 2016 بلغت 10 بالمئة بينما بالنسبة لوزير العمل هي 25
بالمئة، انخفضت بسبب سياسات الوزارة من 32 بالمئة سنة 2015. كل ذلك دون أن يكون
هناك أي مسح للبطالة منذ حوالى عقد من الزمن. هذه الفوضى في الأرقام، خاصة بالنسبة
للمؤشرات الحساسة إقتصادياً، دفعتني لمحاولة جمع ما تمكنت من جمعه وتحليله من
أرقام، إضافة إلى استعمال كل الطرق الإحصائية والديموغرافية المتاحة للوصول إلى
تقديرات موثوقة إلى حد كبير، خاصة بالنسبة لمواضيع غير معروفة بشكل واسع ولكنها
مهمة تتعلق بالإنماء والإنسان. أردت أن أذكر أن السياسات الإنمائية يجب أن تبنى
على الرقم الصحيح وأن المشكلات يجب أن تعالج إستباقياً إذا أمكن وليس بانتظار أن
تصبح أزمات فننتقل من أزمة إلى أخرى كما نفعل اليوم. خلال أكثرمن سنة أمضيتها في
تحضير هذا الكتاب الصغير كنت أسأل نفسي إذا لم أكن في واد والدولة في واد، مما
سبّب الإحباط الذي تكلمت عنه، ولكن لذة الكتابة وحب الإستطلاع تغلبا في النهاية.
اللبنانيات العازبات
ــ ما اهمية اصدار مثل
هذا الكتاب حول المشكلات الانسانية والانمائية في مثل هذه الايام والظروف القائمة
بالذات، هل هو بمنزلة جرس انذار؟
– نعم هو جرس إنذار،
لأن هناك مشكلات كبيرة موجودة وأخرى في طريقها إلى أن تصبح أزمات، وذلك بسبب
التغيّرات التي تحصل إجتماعياً وبالنسبة للأسرة اللبنانية. أحيانا يتكيف المجتمع
معها وتحل المشكلة دون أي سياسة حكومية تتعامل معها. على سبيل المثال، هناك هجرة
شبابية كبيرة من لبنان تتجاوز الـ 35000 مهاجر سنوياً (البعض يقدرها بأكثر من
خمسين ألفاً) وهي بغالبيتها شبابية. في البداية، وحتى أوائل الألفين، كانت ذكورية
بمعظمها ما أنتج عنها نقصاً في عدد الشبان في عمر الزواج نسبة للشابات وارتفاعاً
كبيراً في عدد البنات العازبات في لبنان، فنسبة اللواتي لم يتزوجن أبداً من
اللبنانيات البالغ عمرهن من 30 إلى 34 سنة مثلاً بلغت 14 بالمئة سنة 1970 ولكنها
ارتفعت إلى 31 بالمئة سنة 1997. نتيجة لذلك، ولأن الفتاة اللبنانية تعلمت بشكل
كبير خلال هذه المدة وتحررت بالنسبة لإمكانية السفر للعمل في الخارج، بدأت منذ
بداية الألفية هجرة النساء العازبات ما أعاد بعض التوازن بين الجنسين فثبتت نسبة
العزوبة بين النساء منذ ذلك الحين، ولا شك أنها بدأت تتضاءل مؤخراً. أما بالنسبة
لكبار السن فهجرة الشباب جعلت هناك عدداً متكاثراً من كبار السن دون شبكة الأمان
الإجتماعية التي كانت توفرها لهم عائلاتهم، إذ حتى لو حوّل لهم أبناؤهم أموالاً
فهم لا يستطيعون أن يحوّلوا لهم العاطفة التي توفرها الأسرة المكتملة.
ــ ما الصعوبات الابرز
التي واجهتموها في ما خص الاحصاءات والارقام تحديداً، ونعرف انها غير دقيقة او
غائبة عن جداولنا ومصادرنا الرسمية، والبعض منها غير موثوق به؟
– طبعاً الصعوبة الكبرى
تكمن في وجود أرقام رسمية متضاربة تتطلب أن يقوم الباحث بعملية تحقيق وتحر للتأكد
من وجود أو عدم وجود أساس لهذه الأرقام. هذا يعني وقتاً ضائعاً ومحبطاً خاصة عندما
نقارن هذا العمل بعمل مواز في أي بلد آخر. وما يزيد الأمور تعقيداً هو أن المنظمات
الدولية كثيراً ما تتكل على إحصاءات الدولة، فتنشرها كما هي، وتبنى عليها دراسات
خاطئة ما يتطلب أيضاً عمل تحقيق وتحر لمعرفة مراجع هذه الدراسات إلى ما لا نهاية.
لذلك قررت في النهاية أن أهدي هذا الكتاب إلى زملائي الباحثين لما يعانونه في
ملاحقة الرقم الصحيح.
عمر النساء اطول!
ــ لماذا يتجه المجتمع
اللبناني كما ذكرتم الى التناقص في عدد سكانه والتقدم بالسن؟ ما هي ابرز العوامل
المسببة لذلك؟
– الشعب اللبناني
المقيم يتناقص ويهرم. يتناقص لسببين رئيسيين: الأول هو أن الخصوبة في لبنان أصبحت
منذ مدة دون الإحلال، أي أن عدد الأطفال لكل إمرأة في المجتمع هو دون الـ 2، 2
المطلوب لكي تعوض المرأة عن نفسها وعن شريكها بولدين يعيشان لسن الإنجاب. هذه
الحالة بحد ذاتها تنتج، ولو بعد مدة، انخفاضاً في عدد السكان. فيما السبب الثاني
هو أن الإنخفاض حصل بسرعة بسبب الهجرة المكثفة من لبنان، خاصة هجرة الشباب الذين
هم في سنوات الإنجاب. وهذا النقص في عدد الولادات يترافق دائماً بعملية تعمير،
بخاصة عندما يبلغ الذين ولدوا أيام الولادات المرتفعة اعمار الشيخوخة، وهو ما يحصل
اليوم في لبنان، لذا ستزداد أعداد كبار السن بشكل كبير بعد سنة 2020. فتقديرنا
لعدد كبار السن (65 سنة وما فوق) يبلغ اليوم حوالى ثلاثمئة الف ولكن من المنتظر أن
يصبح هذا العدد أكثر من خمسمئة الف بعد 20 سنة بينما ينخفض عدد سكان لبنان ككل.
وأنا لا أعلم ما إذا كان القرار الأخير حول إدخال كبار السن في الضمان الإجتماعي
قد أخذ هذه الحقيقة بعين الإعتبار.
ــ متى بلغ لبنان اوجه
من ناحية الانجاب، في اية اعوام، ومع اية ظروف ترافق ذلك؟
– أعتقد أن الخصوبة في
لبنان وصلت إلى أوجها قبل الحرب اللبنانية بمدة، ففي سنة 1970 كان متوسط حجم
الأسرة يتراوح بين 4 و5 أشخاص ولكن هذا العدد لربما انخفض اليوم إلى أقل من 4.
فلبنان، كما في كل بلدان العالم، حتى البلدان العربية، يشهد انخفاضاً في مستويات
الإنجاب، ولكن ما يفرقه عن غالبية البلدان النامية، بما في ذلك العربية، هو أنه
وصل باكراً إلى ما دون الإحلال. وأحد أهم الأسباب هو التعليم الذي دائماً يترافق
مع انخفاض في الإنجاب، ودخول المرأة بقوة في العمل الإقتصادي، إضافة إلى نسبة
العزوبة بين الشابات التي تكلمنا عنها سابقاً.
ضرورة تجهيز دور العجزة
ــ تطالبون بتوسعة دور
العجزة بدءا من اليوم خاصة تلك المتعلقة بالنساء، علام استندتم في مطلبكم هذا؟
– إن عدد كبار السن،
كما ذكرنا، يتزايد بسرعة فائقة بينما شبكة الأمان الأسرية تتراجع بسبب هجرة
الشباب. النتيجة أن الإهتمام بكبار السن الذي كان يأتي تقليدياً من الأسرة قد فُقد
إلى حد كبير ويجب الإستعاضة عنه بدُور كبار السن والعجزة. وعندما استفهمنا عن حالة
هذه الدور وإمكانية استقبالها للأعداد المتزايدة من كبار السن قيل لنا أن هناك مدة
انتظار وأن الأفضلية تعطى للحالات الملحة. هذا هو الحال اليوم، فما بالك بعد بضع
سنوات عندما تبدأ أعداد المسنين بالإزدياد السريع كما شرحنا؟
ــ كيف يمكن ايجاز ابرز
التغيرات التي تشهدها الاسرة اللبنانية اليوم، من خلال ما توصلتم اليه كنتيجة
لكتابكم؟
– الأسرة اللبنانية كما
ذكرنا تتغير بشكل سريع. يكفي أن نعلم أن نسبة الأسر المؤلفة من شخص أو شخصين أصبحت
تشكل ما يقارب ربع الأسر. كانت هذه الأسر محدودة جداً في الماضي تتألف عادة من
زوجين حديثين لم ينجبا أولاداً بعد، بينما هي اليوم تتألف بغالبيتها من شخص
أوشخصين هاجر أبناؤهما أو من شخص لم يتزوج أبداً أو أرامل أو مطلقين. ويعتقد
كثيرون أن عدد المطلقين يوازي عدد المطلقات بينما الحقيقة هي أن عدد المطلقات هو
ضعف عدد المطلقين لأن الرجال يعاودون الزواج أكثر بكثير من النساء لأسباب
إجتماعية. فيما النسبة نفسها تقريباً حاصلة بين الذين لم يتزوجوا أبداً في حياتهم.
ولعل الأهم هو أن عدد الأرامل من النساء يبلغ عادة خمساً إلى ست مرات عدد الرجال
الأرامل لأن النساء يعشن أكثر من الرجال بمعدل سنتين أو ثلاث، ولكن السبب الرئيسي
هنا أيضاً هو أن الرجل الأرمل يعاود الزواج أكثر بكثير من المرأة الأرملة. لذلك
فإن مشكلة التعمير والعيش بانفراد هي مشكلة نسائية بامتياز.
الجميع معنيون. .
ــ تشيرون الى ان عدد
النساء في الجامعات اللبنانية يفوق عدد الرجال بحوالى 12 بالمئة. هل الامر سيف ذو
حدين في انعكاساته الاجتماعية برأيكم؟
– هذا صحيح ليس فقط في
الجامعات بل أيضاً على المستويين المتوسط والثانوي. ليس هناك دراسات في لبنان عن
سبب هذا الفارق ولكن الدراسات في دول عربية أخرى تعزو ذلك إلى أن الرجال يتركون
الدراسة للعمل أكثر من النساء. والملفت هو أنه، بسبب الإقبال الكبير للنساء على
التعليم الجامعي، أصبح عدد النساء بين ما يسمى الإختصاصيين (المهنيين، والأساتذة،
والقضاة وغيرهم) أكبر من عدد الرجال، رغم أن مشاركة الرجال في العمل بشكل عام تبلغ
ثلاث مرات أكثر من مشاركة النساء. والأمر الملفت الآخر هو أن أعداداً متزايدة من
النساء يدخلن في مهن كانت حكراً على الرجال كالطب والهندسة والقضاء، بينما أعداد
متزايدة من الرجال يدخلون في مهن كانت حكراً على النساء كالتمريض والعمل
الإجتماعي، ونشير هنا الى أن هذه الظاهرة تساعد على سد الفجوة بين دخل الرجال ودخل
النساء.
ــ من المعني بايجاد
الحلول… جهات رسمية، جمعيات مدنية، اللبنانيون والشباب انفسهم، الرئيس الجديد؟
– طبعاً الجميع معني
بالتنمية الإنسانية، الأشخاص أنفسهم، والمجتمع المدني والدولة. ولكنني أعتقد أن
اللبناني كشخص يعمل دائماً لتحسين معيشته حتى لو في المهجر، والمجتمع المدني، رغم
قصوره واحتياجه للموارد المالية، فاعل في كثير من المجالات بينما الدولة التي تقع
عليها المسؤولية الكبرى، خاصة على المستوى الكلي، مقصرة إلى حد كبير. أعان الله
الرئيس الجديد لما أمامه من تحديات كبيرة وما لديه من إمكانات محدودة، ولكنني آمل
رغم ذلك أن يخصص جهداً كبيراً لمعالجة الأمور الحياتية المتفاقمة للبنانيين وأن
يشدد على السياسات الإنمائية الإستباقية حتى لا نظل نتنقل من أزمة إلى أخرى.
انتخابات اميركا!
ــ كدبلوماسي عريق
وسفير للبنان في واشنطن ما بين عامي 1994 ــ 1997 ما رأيك بالانتخابات الرئاسية في
الولايات المتحدة، طرق سيرها، المناظرات. . لمن تتوقع الفوز ما بين
<كلينتون> و<ترامب>؟ وهل من افضلية بينهما بالنسبة للشرق الاوسط
وقضاياه؟
– الإنتخابات الأميركية
الحالية ليست كسابقاتها من نواح عدة: أولاً مستوى النقاش متدن أخلاقياً إلى حدود
كبيرة غير معهودة. ثانياً: العنصرية التي ظهرت في أحاديث المرشح الجمهوري
<دونالد ترامب> هي الأخرى غير معهودة، والأمثال عديدة منها منع المسلمين من
المجيء إلى الولايات المتحدة (عاد ولطفها قليلا)، ومنها أن اللاتين هم منحرفون
جنسياً ومهربو مخدرات ومافيات ما يتطلب بناء حائط على طول الحدود الأميركية
المكسيكية، ومنها أيضاً أنه يجب طرد مليوني مهاجر لاتيني غير شرعي قبل أن يحصلوا
على الجنسية الأميركية، ودعوة الأوروبيين البيض للمجيء إلى أميركا والتجنس
بجنسيتها.
ثم أضاف:
– أما الاكثر عمقاً فهو
أن <ترامب> يمثل مشكلة تشعر بها أغلبية الأميركيين البيض وهي أنهم يفقدون
السيطرة السياسية والثقافية على الولايات المتحدة. هذا الشعور مرده واقع على الأرض
وهو أن نسبة البيض تتضاءل بسرعة في المجتمع الأميركي. فبينما كان البيض يشكلون 90
بالمئة من السكان سنة 1950 أصبحوا اليوم لا يشكلون سوى 62 بالمئة. وتشير الإسقاطات
الرسمية الأميركية أن البيض سيصبحون أقلية بعد ربع قرن على الأكثر. ولعل الأهم هو
فقدان البيض لقوتهم السياسية، ففي الإنتخابات الأخيرة سنة 2012 مثلاً نال <ميت
رومني> 59 بالمئة من أصوات البيض ولكنه فشل في الإنتخابات لأن الأقليات من
السود واللاتين والآسيويين صوتوا بنسبة أكبر وبشكل واسع لـ<باراك أوباما>
الأسود. ومنذ ذلك الحين، أي خلال السنوات الأربع الماضية، ازداد عدد البيض 2
بالمئة مقارنة بأكثر من 10 بالمئة للأقليات المذكورة ما سيجعل قوة البيض
الإنتخابية هذه المرة حتى أقل من المرة الماضية. هذه الحقيقة هي التي جعلت 90
بالمئة من مؤيدي <ترامب> من البيض، وهذه مشكلة سيكون لها أثر كبير في الأمد
الطويل لأن قوة البيض السياسية ستكمل تراجعها ولا شك أن سياسيين غير <ترامب>
سيستغلونها في المستقبل، خاصة وأن الحركات العنصرية التي تؤمن بتفوق العرق الأبيض
في أميركا قوية وتزداد قوة مع الوقت. أما خسارة <ترامب> المرتقبة، خاصة إذا
كانت بفارق كبير، كما هو منتظر اليوم، فلا شك أنها ستصب الزيت على النار، وقد
تتسبب بحركات عنف، خاصة إذا اعترض <ترامب> على نتائج الإنتخابات كما هدد
مراراً، وطالت بالتالي مدة حسم النتائج.
ثم ختم السفير طبارة
حديثه قائلاً:
– أما بالنسبة للشرق الأوسط فإن <ترامب>
لن يواجه الروس بل سيتركهم يسرحون ويمرحون في المنطقة بينما <هيلاري
كلينتون> ستواجه الروس نظراً لعداوتها المبدئية والشخصية للرئيس <بوتين>
الذي وصفته يوماً بانه <هتلر الجديد>. مشكلتها في هذا المجال هي الإرث الذي
سيتركه لها <أوباما> المنسحب من المنطقة والعالم، والمؤمن بالقيادة من
الخلف، خاصة وأن <بوتين> يحاول تثبيت قدميه في سوريا خلال ما تبقى من عهد
أوباما> عبر بناء قواعد عسكرية وإبرام اتفاقات ومعاهدات طويلة الأمد وغيرها.
غير أنه ما زال لدى <كلينتون> إمكانات لا بأس بها إذا أرادت استعمالها
كالقيام بنشاطات تغرق روسيا بوحول سوريا لأمد طويل مثلاً أو ما شابه. والخلاصة هي
أن <كلينتون> ستواجه الروس بينما <ترامب> لن يفعل ذلك.
2016-12-05
لبنان:
دراسات وأرقام غير مُتداولة
على
الصفحة رقم 13 – قضايا وآراء
ندّد سفير لبنان السابق في واشنطن
والاختصاصي في الدراسات الإحصائية والسكانية، رياض طبارة، ببعض التقارير التي
تصدرها منظمة الأمم المتحدة حول قضايا أساسية في بلدان الشرق الأوسط، الأمر الذي
يسبب استنتاجات خاطئة حول هذه القضايا ويؤدي الى مواقف غربية سلبية تؤذي صورة
العالم العربي في العالم عموماً، وقد تتبعها سياسات منحازة تجاه المنطقة.
وبرغم أنّ طبارة تسلّم في الماضي مناصب رفيعة في الأمم المتحدة والمؤسسات المرتبطة بها، قبل وبعد أن يصبح سفيراً، فقد اعتبر أن بعض دراسات المنظمة الدولية شوّهت مستوى تعليم المرأة في البلدان العربية ولبنان وأظهرت الرجال كما لو كانوا يتقدمون على النساء بنسب عالية في هذا المجال في الأعمار كافة بسبب التمييز ضد الإناث. ففي كتاب صدر له مؤخراً بعنوان: «لبنان: مشكلات إنمائية وإنسانية بالأرقام»، أكد طبارة أنّ مستوى التعليم أصبح شبه متساوٍ بين المرأة والرجل في فئة الشباب بلبنان وأنّ نسبة الأمية بين النساء انخفضت من 48 في المئة عام 1970 إلى 8 في المئة عام 2015، كما تهاوت الفوارق بين الجنسين في نسب التعليم في دول عربية أخرى.
وأضاف أنّ عدد الإناث في الجامعات في لبنان يفوق عدد الرجال بـ 12 في المئة، وعدد المتخرجات يفوق عدد المتخرجين بـ 14 في المئة. ومع مرور الزمن، أصبحت اختصاصات الإناث تتكاثر في بعض المهن التي كانت تُعتبر في الماضي مهناً ذكورية كالهندسة والطب وإدارة الأعمال والمصارف. واعتبر طبارة أنّ الدول العربية عموماً، ودولة لبنان بينها، تترك للمنظمات الدولية حريّة زائدة في تقرير أولويات التنمية في بعض الأحيان نتيجة لإحصاءات دولية خاطئة. كما أنّ الدول المانحة تُعطي الأولويات لأرقام دراسات هذه المنظمات الدولية عند تقديم مساعداتها، بينما تختار هذه المنظمات بعض القضايا الأقل أهمية بالنسبة للدول المعنية.
ويفتتح طبارة كتابه الذي يهديه الى زملائه الباحثين في القضايا الإنمائية والإنسانية لما يعانون في ملاحقة الرقم الصحيح غير المسيّس، قائلاً إنّ لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي لم يتواجد فيه تعداد سكاني منذ عام 1932، وذلك خوفاً من أن يسأل التعداد عن الطائفة والمذهب. بيد أنه يوضح بأنّ معظم التعدادات السكانية في العالم لا تسأل عن هذا الأمر، إذْ بالإمكان تقدير هذا العدد علمياً بطريقة غير مباشرة عن طريق المسوحات بالعيّنة (Sample Surveys)، ومن دراسات أخرى عن الخصوبة والوفيات والهجرة. ويؤكد بأنه قام بتطبيق آخر وسائل تقدير عدد السكان في لبنان استناداً إلى مسوحات ودراسات جرت مؤخراً، وتبين له أنّ العدد الفعلي للبنانيين المقيمين في لبنان هو 3.6 ملايين نسمة.
وبالنسبة لفوضى استخدام الأرقام، يشدد طبارة على خطأ تقدير مستوى البطالة استناداً الى المجموع العام للسكان (من دون استثناء الكبار والأطفال)، مؤكداً أنه من الضروري أن يتم تقدير هذه النسبة استناداً الى مجموع القوى العاملة فقط (الناشطين القادرين على العمل). وبالتالي، فإن النسبة الأصح في لبنان للبطالة هي 12 في المئة. كما يشير الى ضرورة القيام بمسوحات البطالة شهرياً، خصوصاً بعد تزايد النزوح السوري الى لبنان ودول المنطقة الأخرى. وهو يعتبر أنّ لبنان والمنطقة عموماً سيواجهان مشكلة إعالة المسنين مع ازدياد نسبهم في البلدان العربية، وبالتالي ستصبح قضية ضمان الشيخوخة قضية رئيسية وسيؤدي ذلك إلى حاجة للمزيد من الخدمات الطبية.
في الفصل الثاني من الكتاب، يتطرق طبارة الى موضوع الهجرة إلى الخارج وأسبابها وتداعياتها. فيقول إنّ هجرة الشبان اللبنانيين إلى الخارج مؤخراً بداعي الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990) أدّت الى خلل في التوازن بين أعداد الجنسين في لبنان، فزادت نسبة الإناث وارتفعت نسبة العزوبية بينهن. ولكن تبعت ذلك هجرة أنثوية بعد ارتفاع نسبة تعليم الإناث وتفاقم الحاجات المادية للعائلات.
ويشير أنّ دراسة مفيدة أجرتها الجامعة
اليسوعية في لبنان قدّرت حجم الهجرة السنوية من لبنان في مطلع الألفية الثانية الى
ما بين 35 - 55 ألف شخص سنوياً. وأشارت هذه الدراسة أنّ السبب الرئيسي للهجرة كان
السعي نحو العمل اللائق (الأجر العادل، الديمومة والحماية) وهذا الدافع شكل 80 في
المئة من أسباب الهجرة في مقابل 20 في المئة للدافع الأمني. كما أشار الى أنّ نسبة
مرتفعة من المهاجرين هم من الشباب الجامعيين أصحاب الكفاءات، وغالبيتهم تقول بأنها
لا ترغب بالعودة الى بلدها.
ومن المفارقات الأخرى التي يمكن للإحصاءات الصحيحة أن توضحها، الفكرة القائلة أنّ معظم المهاجرين اللبنانيين المقيمين في الخارج هم من الطوائف المسيحية. يشير طبارة الى دراسات أوضحت أنّ أعلى نسبة بين اللبنانيين في الخارج استناداً الى لوائح الشطب الانتخابية في لبنان هي بين السنّة المسلمين (48 في المئة) تتبعها نسبة الشيعة المسلمين (45 في المئة) ثم الموارنة المسيحيين (39 في المئة). بالتالي، فإن اقتراع المغتربين اللبنانيين سيكون (مبدئياً) في مصلحة خيارات المذاهب الإسلامية. ويذكر الكاتب أنّ مجموع اللبنانيين من الطوائف كافة خارج لبنان قد يصل إلى مليون نسمة. لكن هذا الأمر يتوقف على طريقة تعريف اللبناني في الخارج (الجيل الأول أو الثاني أو الثالث، أو إذا كان مسجّلاً وما زال يملك أوراقه الثبوتية أو لا، وفي أي بلدان يسكن، ولأي مدة).
ويؤكد طبارة أنّ معدل حجم الأسرة في لبنان انخفض من 5.4 أفراد (سنة 1970) إلى 4.1 في العام 2009، وما زال على تراجع. كما أنّ معدل سن الزواج ارتفع بين الرجال من 29 سنة العام 1970، الى 32 سنة العام 2007. ومعدل زواج النساء ارتفع من 23 إلى 28 سنة في الفترتين نفسيهما. وقد تأثرت الأسرة، منذ الحرب الأهلية اللبنانية (سنتي 75 ـ 90) بالازدياد المتسارع للطلاق خصوصاً بعد العام 2004. ونسبة المطلّقات تبلغ حوالي مرتين نسبة المطلّقين، إذ أنّ الرجل المطلّق يعاود الزواج بنسبة أكبر من المرأة المطلّقة.
ويذكر طبارة أنّ الدراسات المموّلة دولياً تركّز على المواضيع التي تهم الدول الأوروبية والأجنبية. فمع عدم وجود ما يزيد عن 85 ـ 110 إصابات بـ»الإيدز» (فقدان المناعة) سنوياً في لبنان، رُصدت مبالغ كبيرة للدراسات حول هذا المرض. فيما لم يُركّز بما فيه الكفاية على أحد الأسباب الرئيسية للوفاة في لبنان وهي حوادث السير، التي ارتفعت من 478 إصابة قاتلة عام 2008 الى 657 وفاة في عام 2014، لتصبح ثالث أهم سبب للوفاة في لبنان بعد أمراض القلب والسكتة الدماغية (الفالج). والسبب كثرة المركبات على الطرقات وعدم التقيد بقوانين السير وعدم صيانة الطرق والتطوير في تجهيزاتها وعدم مراقبة السرعة بفعالية.
ويختتم طبارة كتابه قائلاً إنّ على الدول العربية، ولبنان خصوصاً، الاهتمام ليس فقط بالمشاكل القائمة حالياً تنموياً واقتصادياً بل المشاكل الآتية في المستقبل، وبالتالي عليها التركيز في دراساتها التنموية على القضايا الأساسية في هذا المجال وليس فقط القضايا التي تهمّ المنظمات الدولية والدول المانحة.
ولعل هذا الوضع كان أفضل عندما كان للبنان وزارة للتصميم أشرفت على دعم جهود الاختصاصيين المحليين والدوليين لمعالجة القضايا الملحّة في المنطقة عموماً، وفي لبنان خصوصاً خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
رياض طبارة، «لبنان: مشكلات إنمائية وإنسانية بالأرقام»، 149 صفحة، شركة الشرق الأوسط لتوزيع المطبوعات (MM0)، آب 2016، لبنان.
http://assafir.com/Article/519364
ندّد الدكتور رياض طبارة، سفير لبنان السابق في واشنطن والاختصاصي في الدراسات الإحصائية والسكانية، ببعض التقارير التي تصدرها منظمة الأمم المتحدة حول قضايا أساسية في بلدان الشرق الأوسط مما يسبب استنتاجات خاطئة حول هذه القضايا ويؤدي إلى مواقف غربية سلبية تؤذي صورة العالم العربي وتشوّه الحقيقة، وقد تتبعها سياسات منحازة تجاه المنطقة.
برغم أنّ طبارة تسلّم في الماضي مناصب رفيعة في الأمم المتحدة والمؤسسات المرتبطة بها، قبل وبعد أن يصبح سفيراً، فإنه اتهم بعض دراسات المنظمة الدولية بأنها شوّهت مستوى تعليم المرأة في البلدان العربية ولبنان وأظهرت الرجال يتقدمون ويزيدون على النساء بنسب عالية في هذا المجال في كل الأعمار بسبب التمييز ضد الإناث. ففي كتاب صدر له مؤخراً بعنوان: «لبنان: مشكلات إنمائية وإنسانية بالأرقام» أكد أنّ مستوى تعليم المرأة أصبح شبه متساوٍ مع الرجل في فئة الشباب في لبنان وأنّ نسبة الأمية بين النساء انخفضت من 48 في المئة عام 1970 إلى 8 في المئة عام 2015 كما تهاوت الفوارق بين الجنسين في نسب التعليم في دول عربية أخرى.
وأضاف أنّ عدد الإناث في الجامعات في لبنان يفوق عدد الرجال بـ 12 في المئة، وعدد المتخرجات يفوق المتخرجين بـ 14 في المئة. ومع مرور الزمن، أصبحت اختصاصات الإناث تتكاثر في بعض المهن التي كانت تُعتبر في الماضي مهناً ذكورية كالهندسة والطب وإدارة الأعمال والمصارف.
واعتبر أنّ الدول العربية عموماً، ولبنان بينها، تترك للمنظمات الدولية حريّة زائدة في تقرير أولويات التنمية دون رقيب أو حسيب في بعض الأحيان نتيجة لإحصاءات دولية خاطئة. كما أنّ الدول المانحة تُعطي الأولويات لأرقام دراسات هذه المنظمات الدولية عند تقديم مساعداتها بينما تختار هذه المنظمات بعض القضايا الأقل أهمية بالنسبة للدول المعنية.
يفتتح طبارة كتابه الذي يهديه إلى زملائه الباحثين في القضايا الإنمائية، قائلاً أنّ لبنان البلد الوحيد في العالم الذي لم يتواجد فيه تعداد سكاني منذ عام 1932 وذلك خوفاً من أن يسأل التعداد عن الطائفة والمذهب. بيد أنه يوضح أنّ معظم التعداد السكاني في العالم لا يشير إلى هذا الأمر إذْ بالإمكان تقدير العدد علمياً بطريقة غير مباشرة عن طريق المسوح بالعيّنة (Sample Surveys) ومن دراسات أخرى عن الخصوبة والوفيات والهجرة. ويؤكد بأنه قام بتطبيق آخر وسائل تقدير عدد السكان في لبنان استنادأ إلى عدة مسوحات ودراسات جرت مؤخراً وتبين له أنّ العدد الفعلي لسكان لبنان المقيمين هو 3،6 مليون نسمة.
وبالنسبة لفوضى استخدام الأرقام يشدد على خطأ تقدير مستوى البطالة استناداً إلى المجموع العام للسكان (من دون استثناء الكبار والأطفال) مؤكداً أن من الضروري أن يتم تقدير النسبة استناداً إلى مجموع القوى العاملة فقط (الناشطين القادرين على العمل) وبالتالي، فإن النسبة الأصح في لبنان للبطالة هي 12 في المئة. كما يشير إلى ضرورة القيام بمسوح البطالة شهرياً خصوصاً بعد تزايد النزوح السوري إلى لبنان ودول المنطقة الأخرى.
ويعتبر أنّ لبنان والمنطقة عموماً سيواجهان مشكلة إعالة المسنين مع ازدياد نسبهم في وبالتالي ستصبح قضية ضمان الشيخوخة قضية رئيسية وستؤدي إلى حاجة للمزيد من الخدمات الطبية وخصوصاً لبعض الأمراض التي تصيب المسنين أكثر من غيرهم ولإنشاء عددٍ إضافي من دور الرعاية للمسنين وهذه الأمور تتطلب سياسات مالية جديدة.
ومن المفيد الإشارة إلى أنّ طبارة في هذا الكتاب يدرج جداول ورسوم إحصائية حديثة وأنّ كل فصل من فصوله يبدأ بأسئلة وأجوبة عن المادة الموجودة فيه تحت عنوان: هل تعلم؟
وفي الفصل الثاني، يتطرق طبارة إلى موضوع الهجرة وأسبابها وتداعياتها. فيقول أنّ هجرة الشبان اللبنانيين إلى الخارج مؤخراً بداعي الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) أدّت إلى خلل في التوازن بين أعداد الجنسين في لبنان، فزادت نسبة الإناث وارتفعت نسبة العزوبية بينهن. ولكن تبعت ذلك هجرة أنثوية بعد ارتفاع نسبة تعليم الإناث وتفاقم الحاجات المادية للعائلات.
ويشير أنّ دراسة مفيدة أجرتها الجامعة اليسوعية في لبنان قدّرت حجم الهجرة السنوية في مطلع الألفية الثانية إلى ما بين 35-55 ألف شخص. وأشارت أنّ السبب الرئيسي للهجرة كان السعي وراء العمل اللائق (الأجر العادل، الديمومة والحماية) وهذا الدافع شكل 80٪ من أسباب الهجرة في مقابل 20٪ للدافع الأمني.
كما أشار إلى أنّ نسبة مرتفعة من المهاجرين هم من الشباب الجامعيين أصحاب الكفاءات، وغالبيتهم تقول بأنها لا ترغب في العودة إلى بلدها.
ويعتبر طبارة أنّ هجرة اللبنانيين لها حسناتها وسيئاتها. فحسناتها تكمن في التحويلات المالية للعائلات المحتاجة في البلد الأم ومن سيئاتها إخفاق الدولة والشركات في خلق فرص العمل للشباب في البلد الأم وترك الكبار في السن وحيدين من دون حنان الأسرة ورعايتها بسبب غياب الأولاد.
ومن المفارقات الأخرى التي يمكن للإحصاءات الصحيحة أن توضحها، الفكرة القائلة أنّ معظم المهاجرين اللبنانيين المقيمين في الخارج هم من الطوائف المسيحية. يشير طبارة إلى دراسات أوضحت أنّ أعلى نسبة بين اللبنانيين في الخارج استناداً إلى لوائح الشطب الانتخابية في لبنان هي بين السنّة المسلمين (48 في المئة) تتبعها نسبة الشيعة المسلمين (45 في المئة) ثم الموارنة المسيحيين (39 في المئة). وبالتالي، فإن اقتراع المغتربين اللبنانيين سيكون (مبدئياً) في مصلحة خيارات المذاهب الإسلامية.
ويذكر أنّ مجموع اللبنانيين من كل الطوائف خارج لبنان قد يصل إلى مليون نسمة. ولكن هذا الأمر يتوقف على طريقة تعريف اللبناني في الخارج (الجيل الأول أو الثاني أو الثالث، أو إذا كان مسجّلاً وما زال يملك أوراقه الثبوتية أو لا، وفي أي بلدان يسكن، ولأي مدة).
ويؤكد أنّ معدل حجم الأسرة في لبنان انخفض من 5،4 أفراد (سنة 1970) إلى 4،1 في عام 2009، وما زال على تراجع. كما أنّ معدل سن الزواج ارتفع بين الرجال من 29 سنة عام 1970 إلى 32 سنة عام 2007. ومعدل زواج النساء ارتفع من 23 إلى 28 سنة في الفترتين نفسهما. وقد تأثرت الأسرة، منذ الحرب الأهلية اللبنانية (سنتي 75- 90) بالازدياد المتسارع للطلاق خصوصاً بعد عام 2004. ونسبة المطلقات تبلغ حوالي مرتين نسبة المطلقين، إذ أنّ الرجل المطلق يعاود الزواج بنسبة أكبر من المطلقة.
ويشير الكتاب إلى أنّ توقعات الحياة عند الولادة ارتفعت في لبنان من 67 سنة إلى 71 سنة من عام 75-90. وأصبحت الآن حوالي 80 سنة (77 سنة للرجال و81 للنساء).
وهنا يذكر طبارة أنّ الدراسات المموّلة دولياً تركّز على المواضيع التي تهم الدول الأوروبية والأجنبية. فمع عدم وجود ما يزيد عن 85 ـ 110 إصابات بـ»الإيدز» (فقدان المناعة) سنوياً في لبنان فقد رُصدت مبالغ كبيرة للدراسات حول هذا المرض. فيما لم تركّز بما فيه الكفاية على أحد الأسباب الرئيسية للوفاة في لبنان وهي حوادث السير، التي ارتفعت من 478 إصابة قاتلة عام 2008 إلى 657 وفاة في عام 2014 لتصبح ثالث أهم سبب للوفاة في لبنان بعد أمراض القلب والسكتة الدماغية (الفالج). والسبب كثرة المركبات على الطرقات وعدم التقيد بقوانين السير وعدم صيانة الطرق والتطوير في تجهيزاتها وعدم مراقبة السرعة بفعالية.
ويتوقّع نهوضاً في الاقتصاد بسرعة عندما تستقرّ الحالة الأمنية في لبنان والمنطقة.
ويشير إلى أنّ نسبة البطالة في لبنان أو في أي بلد عربي تتأثر لدى الازدياد الكبير في نسبة استخدام العمال الأجانب. وبالتالي، من الضروري تشجيع الاستثمارات التي تخلق فرصاً للعمل لأبناء البلد. ومن أجل تحقيق ذلك، المطلوب إجراء إحصاء شامل وكامل لطالبي الوظيفة في كل بلد عربي (بما فيه لبنان) للتأكد من نوعية اختصاصاتهم وتطلعاتهم.
ومن المشاكل الرئيسية التي يشير إليها طبارة في الفصل التاسع (الأخير) أنّ أجور العاملين في لبنان بين عامي 1990 و 2015 لم ترتفع بنسبة ارتفاع أسعار السلع الضرورية للعيش، وأنّ معظم اللبنانيين يعتبرون مداخيلهم ليست كافية لسد حاجاتهم الأساسية من مأكل، وملبس، وطبابة، ومدارس وجامعات لأولادهم. كما أنّ المستوى الأدنى للأجور بقي 675 ألف ليرة لبنانية شهرياً من سنة 2012 إلى سنة 2016، بينما ارتفعت أسعار السلع بنسب متفاوتة جداً، وهذا سيفاقم الأزمة الاجتماعية وقد يزيد الهجرة وعدم الاستقرار السياسي في لبنان.
ويختتم طبارة كتابه قائلاً أنّ على الدول العربية، ولبنان خصوصاً، الاهتمام ليس فقط بالمشاكل القائمة حالياً تنموياً واقتصادياً بل الآتية في المستقبل، وبالتالي عليها التركيز في دراساتها التنموية على القضايا الأساسية في هذا المجال وليس فقط القضايا التي تهمّ المنظمات الدولية والدول المانحة.
ولعل هذا الوضع كان أفضل عندما كان للبنان وزارة للتصميم أشرفت على دعم جهود الاختصاصيين المحليين والدوليين لمعالجة القضايا الملحّة في المنطقة عموماً، وفي لبنان خصوصاً خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي.
غير أنّ هذه الوزارة أُلغيت واستُبدلت بمجلس الإنماء والإعمار الذي له توجّهات مختلفة أخرى. وبالتالي، أصبحت المنطقة وبينها لبنان في وضع إهمال نسبي للأمور التنموية، وانتقل التركيز إلى القضايا الأخرى.
رياض طبارة
حول مشكلات لبنان الإنمائية والإنسانية: دراسات الأمم المتحدة شوّهت الأرقام
والاستنتاجات الاحصائية في الشرق الأوسط ولبنان
سمير ناصيف
ندّد الدكتور رياض طبارة، سفير لبنان السابق في واشنطن والاختصاصي في الدراسات الإحصائية والسكانية، ببعض التقارير التي تصدرها منظمة الأمم المتحدة حول قضايا أساسية في بلدان الشرق الأوسط مما يسبب استنتاجات خاطئة حول هذه القضايا ويؤدي إلى مواقف غربية سلبية تؤذي صورة العالم العربي وتشوّه الحقيقة، وقد تتبعها سياسات منحازة تجاه المنطقة.
برغم أنّ طبارة تسلّم في الماضي مناصب رفيعة في الأمم المتحدة والمؤسسات المرتبطة بها، قبل وبعد أن يصبح سفيراً، فإنه اتهم بعض دراسات المنظمة الدولية بأنها شوّهت مستوى تعليم المرأة في البلدان العربية ولبنان وأظهرت الرجال يتقدمون ويزيدون على النساء بنسب عالية في هذا المجال في كل الأعمار بسبب التمييز ضد الإناث. ففي كتاب صدر له مؤخراً بعنوان: «لبنان: مشكلات إنمائية وإنسانية بالأرقام» أكد أنّ مستوى تعليم المرأة أصبح شبه متساوٍ مع الرجل في فئة الشباب في لبنان وأنّ نسبة الأمية بين النساء انخفضت من 48 في المئة عام 1970 إلى 8 في المئة عام 2015 كما تهاوت الفوارق بين الجنسين في نسب التعليم في دول عربية أخرى.
وأضاف أنّ عدد الإناث في الجامعات في لبنان يفوق عدد الرجال بـ 12 في المئة، وعدد المتخرجات يفوق المتخرجين بـ 14 في المئة. ومع مرور الزمن، أصبحت اختصاصات الإناث تتكاثر في بعض المهن التي كانت تُعتبر في الماضي مهناً ذكورية كالهندسة والطب وإدارة الأعمال والمصارف.
واعتبر أنّ الدول العربية عموماً، ولبنان بينها، تترك للمنظمات الدولية حريّة زائدة في تقرير أولويات التنمية دون رقيب أو حسيب في بعض الأحيان نتيجة لإحصاءات دولية خاطئة. كما أنّ الدول المانحة تُعطي الأولويات لأرقام دراسات هذه المنظمات الدولية عند تقديم مساعداتها بينما تختار هذه المنظمات بعض القضايا الأقل أهمية بالنسبة للدول المعنية.
يفتتح طبارة كتابه الذي يهديه إلى زملائه الباحثين في القضايا الإنمائية، قائلاً أنّ لبنان البلد الوحيد في العالم الذي لم يتواجد فيه تعداد سكاني منذ عام 1932 وذلك خوفاً من أن يسأل التعداد عن الطائفة والمذهب. بيد أنه يوضح أنّ معظم التعداد السكاني في العالم لا يشير إلى هذا الأمر إذْ بالإمكان تقدير العدد علمياً بطريقة غير مباشرة عن طريق المسوح بالعيّنة (Sample Surveys) ومن دراسات أخرى عن الخصوبة والوفيات والهجرة. ويؤكد بأنه قام بتطبيق آخر وسائل تقدير عدد السكان في لبنان استنادأ إلى عدة مسوحات ودراسات جرت مؤخراً وتبين له أنّ العدد الفعلي لسكان لبنان المقيمين هو 3،6 مليون نسمة.
وبالنسبة لفوضى استخدام الأرقام يشدد على خطأ تقدير مستوى البطالة استناداً إلى المجموع العام للسكان (من دون استثناء الكبار والأطفال) مؤكداً أن من الضروري أن يتم تقدير النسبة استناداً إلى مجموع القوى العاملة فقط (الناشطين القادرين على العمل) وبالتالي، فإن النسبة الأصح في لبنان للبطالة هي 12 في المئة. كما يشير إلى ضرورة القيام بمسوح البطالة شهرياً خصوصاً بعد تزايد النزوح السوري إلى لبنان ودول المنطقة الأخرى.
ويعتبر أنّ لبنان والمنطقة عموماً سيواجهان مشكلة إعالة المسنين مع ازدياد نسبهم في وبالتالي ستصبح قضية ضمان الشيخوخة قضية رئيسية وستؤدي إلى حاجة للمزيد من الخدمات الطبية وخصوصاً لبعض الأمراض التي تصيب المسنين أكثر من غيرهم ولإنشاء عددٍ إضافي من دور الرعاية للمسنين وهذه الأمور تتطلب سياسات مالية جديدة.
ومن المفيد الإشارة إلى أنّ طبارة في هذا الكتاب يدرج جداول ورسوم إحصائية حديثة وأنّ كل فصل من فصوله يبدأ بأسئلة وأجوبة عن المادة الموجودة فيه تحت عنوان: هل تعلم؟
وفي الفصل الثاني، يتطرق طبارة إلى موضوع الهجرة وأسبابها وتداعياتها. فيقول أنّ هجرة الشبان اللبنانيين إلى الخارج مؤخراً بداعي الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) أدّت إلى خلل في التوازن بين أعداد الجنسين في لبنان، فزادت نسبة الإناث وارتفعت نسبة العزوبية بينهن. ولكن تبعت ذلك هجرة أنثوية بعد ارتفاع نسبة تعليم الإناث وتفاقم الحاجات المادية للعائلات.
ويشير أنّ دراسة مفيدة أجرتها الجامعة اليسوعية في لبنان قدّرت حجم الهجرة السنوية في مطلع الألفية الثانية إلى ما بين 35-55 ألف شخص. وأشارت أنّ السبب الرئيسي للهجرة كان السعي وراء العمل اللائق (الأجر العادل، الديمومة والحماية) وهذا الدافع شكل 80٪ من أسباب الهجرة في مقابل 20٪ للدافع الأمني.
كما أشار إلى أنّ نسبة مرتفعة من المهاجرين هم من الشباب الجامعيين أصحاب الكفاءات، وغالبيتهم تقول بأنها لا ترغب في العودة إلى بلدها.
ويعتبر طبارة أنّ هجرة اللبنانيين لها حسناتها وسيئاتها. فحسناتها تكمن في التحويلات المالية للعائلات المحتاجة في البلد الأم ومن سيئاتها إخفاق الدولة والشركات في خلق فرص العمل للشباب في البلد الأم وترك الكبار في السن وحيدين من دون حنان الأسرة ورعايتها بسبب غياب الأولاد.
ومن المفارقات الأخرى التي يمكن للإحصاءات الصحيحة أن توضحها، الفكرة القائلة أنّ معظم المهاجرين اللبنانيين المقيمين في الخارج هم من الطوائف المسيحية. يشير طبارة إلى دراسات أوضحت أنّ أعلى نسبة بين اللبنانيين في الخارج استناداً إلى لوائح الشطب الانتخابية في لبنان هي بين السنّة المسلمين (48 في المئة) تتبعها نسبة الشيعة المسلمين (45 في المئة) ثم الموارنة المسيحيين (39 في المئة). وبالتالي، فإن اقتراع المغتربين اللبنانيين سيكون (مبدئياً) في مصلحة خيارات المذاهب الإسلامية.
ويذكر أنّ مجموع اللبنانيين من كل الطوائف خارج لبنان قد يصل إلى مليون نسمة. ولكن هذا الأمر يتوقف على طريقة تعريف اللبناني في الخارج (الجيل الأول أو الثاني أو الثالث، أو إذا كان مسجّلاً وما زال يملك أوراقه الثبوتية أو لا، وفي أي بلدان يسكن، ولأي مدة).
ويؤكد أنّ معدل حجم الأسرة في لبنان انخفض من 5،4 أفراد (سنة 1970) إلى 4،1 في عام 2009، وما زال على تراجع. كما أنّ معدل سن الزواج ارتفع بين الرجال من 29 سنة عام 1970 إلى 32 سنة عام 2007. ومعدل زواج النساء ارتفع من 23 إلى 28 سنة في الفترتين نفسهما. وقد تأثرت الأسرة، منذ الحرب الأهلية اللبنانية (سنتي 75- 90) بالازدياد المتسارع للطلاق خصوصاً بعد عام 2004. ونسبة المطلقات تبلغ حوالي مرتين نسبة المطلقين، إذ أنّ الرجل المطلق يعاود الزواج بنسبة أكبر من المطلقة.
ويشير الكتاب إلى أنّ توقعات الحياة عند الولادة ارتفعت في لبنان من 67 سنة إلى 71 سنة من عام 75-90. وأصبحت الآن حوالي 80 سنة (77 سنة للرجال و81 للنساء).
وهنا يذكر طبارة أنّ الدراسات المموّلة دولياً تركّز على المواضيع التي تهم الدول الأوروبية والأجنبية. فمع عدم وجود ما يزيد عن 85 ـ 110 إصابات بـ»الإيدز» (فقدان المناعة) سنوياً في لبنان فقد رُصدت مبالغ كبيرة للدراسات حول هذا المرض. فيما لم تركّز بما فيه الكفاية على أحد الأسباب الرئيسية للوفاة في لبنان وهي حوادث السير، التي ارتفعت من 478 إصابة قاتلة عام 2008 إلى 657 وفاة في عام 2014 لتصبح ثالث أهم سبب للوفاة في لبنان بعد أمراض القلب والسكتة الدماغية (الفالج). والسبب كثرة المركبات على الطرقات وعدم التقيد بقوانين السير وعدم صيانة الطرق والتطوير في تجهيزاتها وعدم مراقبة السرعة بفعالية.
ويتوقّع نهوضاً في الاقتصاد بسرعة عندما تستقرّ الحالة الأمنية في لبنان والمنطقة.
ويشير إلى أنّ نسبة البطالة في لبنان أو في أي بلد عربي تتأثر لدى الازدياد الكبير في نسبة استخدام العمال الأجانب. وبالتالي، من الضروري تشجيع الاستثمارات التي تخلق فرصاً للعمل لأبناء البلد. ومن أجل تحقيق ذلك، المطلوب إجراء إحصاء شامل وكامل لطالبي الوظيفة في كل بلد عربي (بما فيه لبنان) للتأكد من نوعية اختصاصاتهم وتطلعاتهم.
ومن المشاكل الرئيسية التي يشير إليها طبارة في الفصل التاسع (الأخير) أنّ أجور العاملين في لبنان بين عامي 1990 و 2015 لم ترتفع بنسبة ارتفاع أسعار السلع الضرورية للعيش، وأنّ معظم اللبنانيين يعتبرون مداخيلهم ليست كافية لسد حاجاتهم الأساسية من مأكل، وملبس، وطبابة، ومدارس وجامعات لأولادهم. كما أنّ المستوى الأدنى للأجور بقي 675 ألف ليرة لبنانية شهرياً من سنة 2012 إلى سنة 2016، بينما ارتفعت أسعار السلع بنسب متفاوتة جداً، وهذا سيفاقم الأزمة الاجتماعية وقد يزيد الهجرة وعدم الاستقرار السياسي في لبنان.
ويختتم طبارة كتابه قائلاً أنّ على الدول العربية، ولبنان خصوصاً، الاهتمام ليس فقط بالمشاكل القائمة حالياً تنموياً واقتصادياً بل الآتية في المستقبل، وبالتالي عليها التركيز في دراساتها التنموية على القضايا الأساسية في هذا المجال وليس فقط القضايا التي تهمّ المنظمات الدولية والدول المانحة.
ولعل هذا الوضع كان أفضل عندما كان للبنان وزارة للتصميم أشرفت على دعم جهود الاختصاصيين المحليين والدوليين لمعالجة القضايا الملحّة في المنطقة عموماً، وفي لبنان خصوصاً خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي.
غير أنّ هذه الوزارة أُلغيت واستُبدلت بمجلس الإنماء والإعمار الذي له توجّهات مختلفة أخرى. وبالتالي، أصبحت المنطقة وبينها لبنان في وضع إهمال نسبي للأمور التنموية، وانتقل التركيز إلى القضايا الأخرى.
رياض طبارة: «لبنان: مشكلات إنمائية
وإنسانية بالأرقام»
شركة الشرق الأوسط لتوزيع المطبوعات، لبنان
2016
149 صفحة.
شركة الشرق الأوسط لتوزيع المطبوعات، لبنان
2016
149 صفحة.
ألإثنين 3 تشرين الثاني 2016
No comments:
Post a Comment