Thursday, March 24, 2016

Russian Withdrawal in Syria and Plan B ألأنسحاب الروسي في سورية وخطة باء




٢٠١٦لخميس، ٢٤ مارس/ آذار 


     


















الانسحاب الروسي ... أسبابه وتداعياته وضغوط «الخطة باء» في سورية
English summary at end
السبب الرئيسي لدخول فلاديمير بوتين في المعمعة السورية كان تأسيس موطئ قدم لروسيا على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، ففي أوج قوة الاتحاد السوفياتي، الذي نعت بوتين انهياره بـ «أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين»، كان له حلفاء يحيطون بالمتوسط من الجزائر إلى ليبيا إلى مصر وسورية. بقايا النفوذ الروسي تبددت عندما انتهى عهد القذافي على يد أميركا وحلفائها ولم يبق لبوتين في المنطقة سوى قسم من مرفأ طرطوس مخصص لتموين وتصليح السفن الروسية ورثه من الاتحاد السوفياتي بموجب اتفاقية وُقّعت مع الحكومة السورية سنة 1971. موطئ قدم فاعل وطويل الأمد في مياه المتوسط الدافئة أصبح أحد ركائز حلم بوتين بإعادة عزة روسيا ودورها كقوة يحسب لها حساب على المسرح الدولي. ولذلك اغتنم الرئيس الروسي الفرصة المناسبة: أوروبا تئن تحت ثقل النازحين من الشرق والجنوب، وأميركا المترددة فاشلة في محاربتها «داعش»، للدخول عسكرياً إلى سورية بحجة محاربة الإرهاب من دون أي اعتراض يذكر من أميركا وحلفائها.

دخلت روسيا مستعجلة إنهاء مهمتها خلال بضعة أشهر، ليس لمحاربة الإرهاب كما تصور الأميركيون وحلفاؤهم، بل لمساندة القوات الحكومية وحلفائها في السيطرة على منطقة تمتد من جنوب دمشق إلى حلب، تكون هي موطئ القدم وتعطي روسيا كلمة فاصلة في مستقبل سورية في أي مفاوضات لاحقة مع الأميركيين. كان على روسيا الوصول إلى هذا الهدف بأسرع وقت ممكن، وذلك لسببين رئيسيين: الأول هو أن اقتصادها منهك بسبب العقوبات الغربية عليها (خصوصاً منعها من الاستدانة من النظام المصرفي الأوروبي الأميركي) وبدرجة أكبر بسبب انهيار سعر النفط، المورد الرئيسي لاقتصادها (أكثر من 15 في المئة من الناتج المحلي) ولموازنة حكومتها (أكثر من 50 في المئة من مداخيلها) علماً أن كلفة الحرب بالنسبة إلى الروس تُقدَّر بثلاثة ملايين دولار يومياً، أي أكثر من بليون دولار سنوياً على رغم محاولاتهم، قدر الإمكان، استعمال أسلحة قديمة غير ذكية ورخيصة، ما سبب الارتفاع الهائل في إصابات المدنيين. السبب الثاني هو التخوف الكبير من أن تلجأ أميركا إلى إدخال أسلحة نوعية، خصوصاً تلك المضادة للطائرات فتغرق روسيا في حرب طويلة لا تستطيع تحمّلها، كما فعلت أميركا في عهد الرئيس رونالد ريغان في ثمانينيات القرن الماضي بالنسبة إلى الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، بينما كان اقتصاد الاتحاد يئن كما اليوم تحت ضغوط انخفاض سعر النفط، ما اضطر غورباتشوف في حينه إلى الانسحاب مكسوراً من تلك الحرب، تلاها انهيار الاتحاد السوفياتي بعد سنتين من الانسحاب، ومن ثم إعلان روسيا عدم تمكُّنها من سداد ديونها سنة 1998
.
بعد أكثر من خمسة أشهر على دخولها المعترك السوري وجدت روسيا نفسها وقد حقّقت القسم الأساسي لمهمتها، بينما تحقيق القسم الآخر يتطلب وقتاً طويلاً وبالتالي أصبح يشكل خطراً محدقاً. القسم الذي تحقّق هو موطئ القدم في قسم رئيسي من المنطقة المستهدفة وهو القسم الساحلي المحيط باللاذقية وطرطوس، إضافة إلى مناطق أخرى في ريف دمشق وفي منطقة حلب وغيرها. لتمكين هذا الموطئ أسّست روسيا فيه بضع قواعد عسكرية، الأولى بحرية تمثّلت بتوسيع قاعدة طرطوس والأخرى جوية وبرية كالتي في حميميم قرب اللاذقية والشعيرات قرب حمص.

ومن أجل استدامة هذا الموطئ وقّعت روسيا في آب (أغسطس) الماضي اتفاقاً مع الحكومة السورية لمدة غير محددة (باستطاعة أي جهة إيقافه بعد إنذار شهر وهذا بالطبع غير وارد في المستقبل المنظور) يعطي القوات المسلحة الروسية حرية مطلقة في نطاق قواعدها العسكرية ويمنع الدولة السورية من دخول المواقع إلا بإذن من المسؤولين الروس.

أما الخطر المحدق فيتمثل بما سمّاه الأميركيون والسعوديون وغيرهم «الخطة باء»، تتفعّل إذا ما فشل وقف الأعمال العدائية، أو إذا بدأت روسيا قضم مناطق لمصلحة القوات الحكومية تدريجاً خلال الهدنة. هذه الخطة التي أشار إليها وزير الخارجية الأميركي جون كيري في شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ في 23 شباط (فبراير) الماضي، عندما قال إن هناك نقاشاً هاماً داخل الإدارة الأميركية حول الخطة باء، إذا فشل وقف الأعمال العدائية، وهي تشمل إجراءات من الجيش الأميركي لمساعدة المعارضة بهدف إضعاف الرئيس الأسد ولربما إسقاطه. بعد ذلك بقليل، صرح «مسؤول (أميركي) رفيع المستوى» لتلفزيون «سي بي أس» بأن الخيارات المطروحة تشمل إجراءات ذات طبيعة عسكرية هدفها جعل هجمات النظام على المدنيين والمعارضة المسلحة التي تساعدها أميركا أصعب، علماً أن أميركا كانت سمحت بإدخال صواريخ «تاو» المضادة للدبابات، ما تسبّب بمجزرة دبابات تابعة للنظام في محافظة إدلب وأجبرها على التراجع.

شكك كثيرون في استعداد وجدية أوباما في تطبيق الخطة باء، هو المتردّد بطبيعته من جهة، ويعلن دوماً عن تخوّفه من أن تقع الأسلحة النوعية في أيدي «القاعدة» أو «داعش» من جهة أخرى. هذا ما يفسر استعداد السعودية لإرسال قوات خاصة ضمن الخطة باء نفسها، بحسب وزير خارجيتها عادل الجبير، وهذه القوات يترك لها حصرياً استعمال هذه الأسلحة. وبالفعل وصلت هذه القوات الخاصة إلى قاعدة إنجرليك في جنوب تركيا للاشتراك في الخطة باء إذا حصل خرق لوقف الأعمال العدائية بحسب الوزير الجبير. أضف إلى ذلك التنبيهات المتواصلة من القيادات الأوروبية ومن مجلس حلف الأطلسي «النــــاتو» إلى بوتين شخصياً للتوقف عن استهداف المعارضة المعتدلة وتحــويل ضرباته الجوية إلى مراكز «داعش»، ما يعرقل المخطط الروسي بتأمين المنطقة التي يريد تأمينها.

ولعل القشة التي قضمت ظهر البعير هي إسقاط طائرة ميغ 21 تابعة للنظام السوري في منطقة حماه قبل يومين من إعلان بوتين نية روسيا سحب معظم قواتها من سورية، ما جعل النظام يوقف طلعات طيرانه في المنطقة. الطائرة أُسقطت بصاروخ ستينغر أميركي الصنع، ولكن، هذا لا يعني بالضرورة أنه أدخل إلى سورية بإذن أميركي. المهم في الأمر هو أن مثل هذا السلاح يذكّر بوتين بما حصل في أفغانستان لجيش الاتحاد السوفياتي في الثمانينيات ويعني بالنسبة إليه خطراً محدقاً إضافياً. السبب الرئيسي لانسحاب الروس المفاجئ إذاً هو كلفة الحرب لبلد على شفير الإفلاس مترافقاً مع خطر الغرق في مستنقع طويل الأمد بسبب الخطة باء. في الوقت نفسه فإن بوتين كان حقق إلى حد كبير هدفه بخلق موطئ قدم في منطقة البحر المتوسط، واستطاع أن يخرج من تدخله بشكل منتظم وخلال وقف لإطلاق النار وليس بشكل عشوائي كما حصل للسوفيات في أفعانستان في أواخر الثمانينيات. وهو اليوم يستطيع أن يفاوض من موقع أقوى مع الأميركيين حول النظام السوري القادم الذي يؤمن له استدامة هذا الموقع، وقد أصبح باستطاعته، عسكرياً على الأقل، أن يرفع من مستوى قوته في سورية بسرعة كما أعلن، نظراً إلى وجود القواعد العسكرية هناك، ولو أن عليه أن يحتسب الكلفة المادية بتأنٍّ وحذر. تحذيرات بوتين في هذا المجال هي لردع المعارضة المسلحة أكثر منها محاولة قلب ميزان القوى على الأرض وكسر النظام.
لهذه الأسباب خرج الروس من سورية في هذا التوقيت.

الأسباب الأخرى التي ركز عليها الكثيرون من المحللين هي أسباب ثانوية تنبع أصلاً من هذا السبب الرئيسي. أحد الأسباب المحتملة التي يتكرر ذكرها أن هدف التدخُّل الروسي كان لمنع سقوط الرئيس الأسد، ولكن الحالة على الأرض لم تكن توحي بسقوط الأسد بل كانت حالة توازن قوى جاء التدخل الروسي ليقلبها لمصلحة النظام. قيل أيضاً إن أحد أسباب التدخُّل الروسي كان الخلاف مع النظام السوري حول ما قال الرئيس الأسد إنه لن يفاوض حتى تحرير سورية بكاملها. طبعاً هذا يتعارض مع الهدف الروسي ويدخل روسيا في المستنقع الذي تخشاه، لكن خلافاً كهذا ليس سبباً لانسحاب روسيـــا من مــوقع ذي أهـــمية استراتيجية، وكان كافياً أن يقوم السفير الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين بتوضيح أن تصريحات الأسد في هذا المجال لا تنسجم مع الجهود الروسية لإنهاء الصراع، يتبعها أوامر من بوتين إلى وزير خارجيته سيرغي لافروف بإنجاح العملية التفاوضية. لعل النظرية الأكثر واقعية، ولو أنها هي الأخرى مستبعدة، هي أن هناك اتفاقاً ضمنياً روسياً أميركياً مفاده أن العصا التي لوّح بها الأميركيون من خلال الخطة باء لربما تشمل أيضاً جزرة ستظهر لاحقاً من خلال تخفيف محتمل للعقوبات الأوروبية الأميركية على روسيا، ولكن، حتى لو صح هذا الظن مبدئياً، فإن الوقت لم يحن بعد لمثل هذا القرار.

وعلى رغم أنه ما زال من المبكر التكهُّن بمفاعيل الانسحاب، فيظهر أن ما بعد الانسحاب الروسي لن يكون كما قبله. فلقد أصبح هناك اليوم مستويان من المفاوضات: مفاوضات جنيف بين الهيئة العليا للمعارضة وممثلي النظام من جهة، ومفاوضات بين أميركا وروسيا بشخصي وزيري خارجيتهما كيري ولافروف من جهة أخرى.
المفاوضات الأخيرة استراتيجية، يفترض أن تقرّر إلى حد كبير طبيعة النظام السوري المقبل وكيف سيأخذ بالاعتبار المصالح الأميركية (الإسرائيلية) من جهة والمصالح الروسية من جهة أخرى، خصوصاً موطئ القدم الآنف الذكر، وقد تم إرسال أول بالون اختبار في هذا الاتجاه من خلال الكلام الروسي والأميركي العَرَضي عن النظام الفيديرالي لسورية. المفاوضات في جنيف في المقابل هي إجرائية ستحدد طبيعة المرحلة الانتقالية، وستقوم بوضع الدستور والخطوات التطبيقية التي تساند وتتماشى مع القرارات الاستراتيجية. الدور الإيراني أصبح ثانوياً إلى حد كبير، ستتكفل روسيا الدفاع عنه في مفاوضاتها، وستتوقف طبيعته إلى حد ما على نقطة لأي إيران ستكون الغلبة في المفاوضات، إيران المتشددين أم إيران المعتدلين، علماً أن التاريخ اليوم يظهر وكأنه لمصلحة الأخيرين. على كل حال، فالحل النهائي، بشقيه الاستراتيجي والإجرائي، ليس للمستقبل القريب.

 * سفير لبنان في واشنطن سابقاً.


English Summary

The main reason for Putin’s entry into the midst of the Syrian crisis was to establish a foothold on the
 shores of the warm waters of the Mediterranean. In the days of the Soviet Union, the Soviet allies ringed the Mediterranean from Algeria to Libya to Egypt to Syria. When Russia intervened in Syria some 5 months ago, it had only a pier in Tartus harbor on the Syrian cost where it repaired its ships. The grand dreams of  Putin required a major foothold there

The Russian intervention had to be short for two reasons: First economic, since the economy of
 Russia is reeling under the dual effects of the Western sanctions and the major decline in oil prices (The oil sector constitutes more than 15 percent of Russia’s GDP and more than 50 percent of the government’s revenues and the war was costing Russia more than a billion dollars on yearly basis). When it actually withdrew, Russia had already established a major, if only a partial, foothold mainly on the Syrian coastal area. This was represented mainly in three major military bases hastily established there supported by an agreement with the Syrian government giving Russia the right to keep its bases virtually indefinitely

But the withdrawal and adherence to the cessation of hostilities by the Russians were backed by “plan B” that John Kerry explained before the Foreign Relations Committee of the Senate recently. The plan would include military assistance to the opposition reminiscent of the action taken by President Reagan in the late 1980s with regard to the Soviet invasion of Afghanistan when he gave strategic arms to the Mujahedeen that re-established the status quo in the field and threatened to lengthen the war by many years. Then like now the Soviet Union was suffering from a major decline in oil prices which prompted President Gorbachev to withdraw his troops hastily. The Soviet Union was dismantled in 1991 two years after the withdrawal and few years later it defaulted on its debts. Putin never forgot this and was determined to avoid it

The hesitation of Obama to give the opposition strategic arms from fear that it falls into the hands of extremists was remedied by the offer of the Saudis to send special forces who will be in charge of these arms. These forces have already reached the Incirlik base in Turkey, under plan B as repeatedly 
indicated by Adel al Jubeir, the Saudi foreign minister

The negotiations to resolve the Syrian crisis were thus re-activated, this time at two active levels: On the strategic level between the United States and Russia and at the operational level by the Syrian authorities and the opposition.  The two are interrelated. The strategic level will determine, in broad lines, the nature of future Syria which will have to take into account the interests of Russia (mainly maintaining the foothold) and of the United States (and Israel). The other level negotiations will need to establish the type of government that will oversee the transition and write the new constitution that will support the strategic agreement of the major powers. The early stages of these two-pronged negotiations have shown that this will be a difficult and a long process

No comments:

Post a Comment