Thursday, January 29, 2015

Charlie Hebdo and post legal France شارلي إبدو وفرنسا ما بعد القانون








الخميس، ٢٩ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٥
فرنسا ما بعد «القانون»

English summary at end

رياض طبارة

غريب كم يتشابه ردّا الفعل الأميركي (مباشرة بعد اعتداء 9 أيلول - سبتمبر) 2011، والفرنسي (بعد الاعتداء الأخير على جريدة شارلي إيبدو). في كلتا الحالتين، حصلت حملة اعتقالات عشوائية لمسلمين واتخذت إجراءات أقل ما يقال فيها أنها تتجاهل حريات تؤمنها الدساتير الديموقراطية.

خلال أسبوع من حصول الهجوم على الجريدة في 7 كانون الثاني (يناير) كانت السلطات الفرنسية اعتقلت أكثر من مئة شاب مسلم بتهم غير محددة في معظم الأحيان. وبموجب قوانين لمحاربة الإرهاب أبرمت منذ سنة 1986، كان آخرها قانون وضع في تشرين الثاني (نوفمبر) من السنة الماضية، تمت محاكمة بعضهم، وإصدار أحكام سجن بحقهم خلال أيام. من هؤلاء، وفق «نيويورك تايمز»، شاب تونسي الأصل له من العمر 28 سنة كان ماراً أمام دائرة شرطة وقام بالصراخ تجاه المركز متحدياً الشرطة قائلاً: «لقد قتلوا شارلي فضحكت كثيراً. في الماضي قتلوا بن لادن وصدام حسين ومحمد مراح والكثير من إخوتي. لو لم يكن لدي أم وأب لكنت تدربت في سورية»، فتم اعتقاله ومحاكمته. قبلت المحكمة دفاع محاميه بأنه كان ثملاً وتحت تأثير حشيشة الكيف، وأنه يشكو من مشاكل عقلية، لذا حكمت عليه بستة أشهر سجن فقط. هناك حالات أخرى مشابهة، وفق الصحيفة نفسها، تم فيها الاعتقال والمحاكمة وإصدار الحكم بالسجن لسنوات وذلك خلال ثلاثة أيام فقط.

«اجراءات غير عادية»

من جهة أخرى، أعلن رئيس الوزراء مانويل فالس عن «إجراءات غير عادية» ستكلف 425 ألف يورو لمراقبة 3000 شخص داخل فرنسا (هم فرنسيون بغالبيتهم) وإصدار تشريعات لتطوير المراقبة في كل أشكالها، بما في ذلك شبكات التواصل الاجتماعي. ويقول برونو لومير، كبير مستشاري وزير الداخلية الفرنسي، لـ «واشنطن بوست» أن السلطات وضعت أربعين جامعاً تحت المراقبة المشددة لكي يتحرك الأمن بسرعة عند معرفته أن أحد الأئمة يعتمد خطاباً متطرفاً في وعظه. وصرح رئيس الوزراء الفرنسي بأن إدارته ستؤسس قاعدة بأسماء الذين دينوا بتهم إرهاب، أو ينتمون إلى «مجموعة إرهابية مقاتلة» ما سيمكّن الدولة من إجبارهم على الإعلان عن أي تغيير في مكان إقامتهم أو عن النية بسفرهم إلى الخارج. وهو سينظر في إحياء قانون «الإهانة الوطنية» الذي تسانده المعارضة، والذي عُمل به مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية لبضع سنوات ضد المتعاملين مع الاحتلال النازي، ويسمح هذا القانون بسحب حق المتهمين بالاقتراع أو الترشح لمراكز رسمية. ويتخوف كثرٌ من الناشطين في مجال حقوق الإنسان في فرنسا، من أن تسنّ الدولة في النهاية قوانين مشابهة لـ «باتريوت آكت» الأميركي الذي فتح الباب للتجاوزات على حقوق المواطن التي تتّبعها الحكومة الأميركية حالياً، خصوصاً المراقبة المكثفة على تحركات مواطنيها والتنصت على كل أنواع تواصلهم والاعتقال المؤبد من دون محاكمة، وأموراً أخرى أصبحت معروفة وموضع محاربة وإن غير مجدية من جانب الناشطين في مجال حقوق الإنسان وآخرين.
فرنسا هي الأقرب للوصول إلى الحالة الأميركية بين دول أوروبا الغربية، علماً أن أوروبا كلها تبدو ذاهبة في هذا الاتجاه، فالقانون الفرنسي الذي يسمح بمحاكمات مستعجلة كالتي ذكرنا هو حكر عليها وغير موجود في الدول الأوروبية الأخرى. والقانون الذي أقر في أواخر السنة الماضية لمكافحة الإرهاب، يسمح للنيابة العامة بأن تعتقل أي شخص تتهمه بـ «التآمر من أجل الإرهاب» لمدة ثلاث سنوات رهن التحقيق، كما تسمح باستجوابه عند اعتقاله من دون حضور محامٍ للدفاع عنه. ومثل هذا القانون، وفق «واشنطن بوست»، غير موجود في أية دولة أوروبية أخرى. كما أن سهولة الإبعاد، خصوصاً بالنسبة إلى الإسلاميين، هي الأكبر في فرنسا أيضاً. ففرنسا أبعدت في السنوات الأخيرة مثلاً عشرات الأئمة بتهمة التشجيع على الكراهية أو التطرف الديني، من بينهم إمام من أصول تركية أنكر أن مسلمين اشتركوا في هجومي 9 أيلول 2001 في الولايات المتحدة. ويسمح القانون الفرنسي، خلافاً لقوانين معظم الدول الغربية بسحب جنسية المدانين من حاملي جنسيتين إذا كانوا قد حصلوا على الجنسية الفرنسية خلال 15 سنة أو أقل.

ازدواجية معايير

ولعل أسوأ ما في القوانين الفرنسية، والأوروبية في شكل عام، هو ازدواجيتها في ما يتعلق بحرية التعبير. فصور شارلي إيبدو المسيئة للنبي محمد (صلّى الله عليه وسلم) وللأديان في شكل عام، والتي، إضافة، إلى أنها تخدش المشاعر بسوقيتها وخشونتها، مسموحة تحت شعار حرية التعبير، بينما هناك قوانين تتعلق بالمحرقة اليهودية في ظل النازية تمنع حتى نشر البحث العلمي حولها. كما أن هناك قوانين تتعلق بما يسمى «معاداة السامية» تسمح بمعاقبة أي شخص يتكلم عن اليهود في شكل انتقادي، فقانون غيسو (Gayssot) الذي أقر سنة 1990 يمنع أي كلام حول المحرقة يشكك بوجودها ويستعمل كلمات كـ «المفترضة» (présumé) أو «المزعومة» (allégué) أو ما شابه للكلام عنها أو عن حجمها. وهذا الحظر لا يطبق على الحالات المشابهة لأن القانون مستمد من محاكمات القيادات النازية في نورمبورغ بعد الحرب العالمية الثانية، فعندما حصلت محاولة قانونية سنة 2012 لوضع الإبادة الجماعية بحق الأرمن ضمن هذا القانون رفضها المجلس الدستوري الفرنسي على أنها تخالف الدستور الفرنسي لأنها تتعارض مع حرية التعبير.

ويطبق هذا القانون بصرامة كبيرة ومن دون تمييز. فمن المحاكمات الشهيرة في هذا المجال محاكمتا جان ماري لو بين، سنتي 1987 و1997، عندما كان نائباً ورئيساً للجبهة الوطنية الفرنسية، وكان خلال المحاكمة الأولى نائباً في البرلمان الفرنسي والبرلمان الأوروبي، وحُكم عليه بغرامة تعادل مئتي ألف دولار في المرة الأولى، وخمسين ألف دولار في المرة الثانية مع مصاريف أخرى، لأنه قلل من قيمة المحرقة بقوله أنها هامشية في سياق الحرب العالمية الثانية. المحاكمة الثانية جاءت نتيجة محاولته تفسير كلامه عن هامشية المحرقة في تاريخ الحرب العالمية الثانية بقوله: «ليس هناك أي تقليل من أهمية الحدث أو احتقار له. فإذا نظرت إلى كتاب من ألف صفحة عن الحرب العالمية الثانية، حيث قتل 50 مليون شخص، فمعسكرات الاعتقال (لليهود) لا تغطي أكثر من صفحتين، وغرف الغاز 10 أو 15 سطراً، وهذا ما يسمّى تفصيلًا». وهناك سلسلة محاكمات البروفيسور في جامعة ليون، روبير فوريسون الذي كان نشر مقالتين في صحيفة «لو موند» الفرنسية، المحترمة في الأوساط الأكاديمية، يشكك فيهما في نواح مهمة من مسألة المحرقة وكذلك في صحة «مذكرات آن فرانك» وفي المعاناة المزعومة خلال الحرب العالمية الثانية لـ «إلي ويزل» الحاصل على جائزة نوبل، والأستاذ المختص بأمور المحرقة. حوكم فوريسون مرات عدة آخرها سنة 1995، وطرد من مركزه في جامعة ليون وغُرّم مرات عدة. وخلال كل ذلك تم الاعتداء عليه جسدياً مراراً، وكاد يتوفى نتيجة أحدها سنة 1989، وتم تحديد المعتدين الذين كانوا ينتمون إلى منظمة تدعى «أبناء ذاكرة اليهود»، ولكن لم يُلقَ القبض على أي شخص. وأخيراً لا بد من ذكر الفيلسوف الفرنسي الذي اعتنق الإسلام، روجيه غارودي الذي حوكم سنة 1998 بسبب كتابه «الأساطير المؤسِّسة للسياسة الإسرائيلية» وغرم بما يعادل 40000 دولار.

السخرية من الأنبياء ومن أي شخص آخر سوى اليهود، حتى لو كانت مقزِّزة بخشونتها، مسموحة في فرنسا تحت شعار حرية التعبير. لكن الكوميدي الأفريقي المسلم ديودونّيه مبالا مبالا الذي يسخر من اليهود وعاداتهم هو معادٍ للسامية، لذلك اعتُقل أكثر من أربعين مرة في السنين الماضية، وهو الآن يواجه محاكمة بسبب قوله على موقعه على «فايسبوك»: «إن التظاهرات التي شهدناها تعاطفاً مع شارلي إيبدو تشبه بسحرها الانفجار الكوني الكبير (Big Bang). «الليلة بالنسبة إليّ أشعر بأنني شارلي كوليبالي» جامعاً بين الجريدة وأحد الإرهابيين، الذين قتلوا في المواجهات.

ولعلَّ الأسوأ من الازدواجية في هذا المجال هو خيار فرنسا، كما أميركا من قبلها، الحل الأمني للإرهاب وإهمال التعامل مع الأسباب الكامنة وراءه، فقد اختارت الحكومة الفرنسية زيادة أعداد الشرطة ودعم المراقبة والتنصت وسنّ قوانين تحدٍّ من حرية مواطنيها والمقيمين على أراضيها، إضافة طبعاً إلى كلمات خشبية روتينية عن أن الإسلام بريء من هذا الإرهاب. غير أننا لو نظرنا إلى خلفية الإرهابيين الثلاثة المتورطين في العملية لوجدنا أنهم يأتون من مناطق فقيرة ومهمشة كضواحي باريس وليون وغيرهما من المدن الفرنسية الكبرى، حيث مستوى البطالة يتجاوز العشرين في المئة، أي أكثر من ضعف المعدل العام، ويبلغ بين الشباب حوالى 40 في المئة. هذه المجتمعات المسلمة في غالبيتها تعيش في أفقر بيئة في فرنسا، حيث نصف المقيمين غير حاصل على شهادة ثانوية وحيث يتعرض الشباب إلى مضايقات مستمرة من رجال الأمن. المجتمع الفرنسي ينظر إليهم كخوارج.

استطلاع «لوموند»

في استطلاع نشر في «لوموند» سنة 2013، أجاب 26 في المئة من الفرنسيين فقط بأن الإسلام ينسجم مع المجتمع الفرنسي، مقابل 89 في المئة حصل عليها الدين الكاثوليكي و70 في المئة الدين اليهودي. لأربع عشرة سنة بقيت الفتيات المسلمات يُطرَدْنَ من المدارس لوضعهن الحجاب على رؤوسهن، بينما يسمح بلباس الرأس اليهودي (أليرمولك) والصليب، إلى أن جاء الرئيس شيراك سنة 2003، بحل أقل تمييزاً من خلال قانون يمنع لباس الرأس الديني للجميع (ليس هناك لباس رأس ديني للمسيحيين واليهوديات لا يلبسن أليرمولك) والسماح فقط بشارات حول العنق (كصليب صغير أو نجمة داود أو كف فاطمة). التمييز العنصري ضد هذه المجتمعات الإسلامية وتهميشها دفعا رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس المعروف بتشدده ضد الإسلاميين، إلى التكلم بعد الهجوم عن «وجود تفرقة عنصرية (أبارتايد) في فرنسا بأبعاد جغرافية محلية، واجتماعية وإثنية»، ثم تكلم عن وجود تمييز يومي لأن «اسم عائلة الشخص غير مناسب أو لأن لون بشرته غير مطلوب أو لأن الشخص هو امرأة». ويعلق قيادي من الناشطين المسلمين في فرنسا: «إن فرنسا في حاجة إلى قوانين ضد التمييز وليس إلى قوانين ضد الإرهاب».

حرية التعبير لا تتجزأ ولا تحتمل الازدواجية في المعايير، فما يُطبّق بالنسبة إلى اليهود يجب أن يُطبّق بالنسبة إلى فئات المجتمع الأخرى، بمن في ذلك المجموعة الدينية الثانية في فرنسا من حيث العدد. وحرية التعبير لها حدود، فكما قال أحد كبار القضاة الفيديراليين الأميركيين «إن حريتك في تحريك يدك يحدّها وجود وجهي في طريقها». التحدي الكبير هنا هو إيجاد الحدود المثلى التي تجمع بين حماية المجتمع والحفاظ على حرياته. إن السبيل الأنجع لمحاربة الإرهاب هو معالجة أسبابه وليس الذهاب حصراً في معالجة نتائجه أمنياً، ومن خلال قوانين تحدّ من الحريات. ما زالت أميركا تحارب الإرهاب بهذه الطريقة منذ أربع عشرة سنة توصلت خلالها إلى ما اعتبرته قمة النجاح بقتل أسامة بن لادن، وأعلنت مراراً أن الحرب على الإرهاب أشرفت على نهايتها الناجحة، وأنفقت تريليونات الدولارات على بنية تحتية أمنية غير مسبوقة، بينما الإرهاب ما زال يزداد ويقوى. هل ستتعلم فرنسا هذا الدرس أم إنها، كما يظهر حتى اليوم، ماضية في النهج الأميركي نفسه؟ أميركا خسرت بذلك الكثير من حرياتها وأصبحت كما وصفها نعوم تشومسكي «أميركا ما بعد القانون». هل سنرى بعد شارلي إيبدو «فرنسا ما بعد القانون»؟

* سفير لبنان في واشنطن سابقاً


English summary:

 


France Beyond the Law

Riad Tabbarah[1]

The immediate reaction of France to the Charlie Hebdo attack resembles the American reaction after 9/11: a mass arrest of Muslim youths (more than 100 in one week in France) and the enactment of laws that violate democratic constitutions. According to French Prime Minister Valls and other officials, the “unusual measures”, will cost 425 thousand Euros and will include substantial increase in the police force, the continuous monitoring of 3000 persons in France. 40 Mosques will also be monitored so that the security forces will intervene anytime the Imam makes what is considered extremist statements. Many French human rights activists and others fear that France will eventually enact a law similar to the infamous American Patriot Act.

France has already gone some ways in that direction more than other European countries. A law enacted last year, for example, permits the authorities to keep a person accused of conspiracy to commit terrorism in jail for three years to complete the investigation and has already banished scores of imams in the past few years including a Trukish Iman who denied that 9/11 was undertaken by Muslims.

There are obvious double standards in this regard, for French (and many European laws), while they accept extremely vulgar attacks on religious symbols as appears regularly in the newspaper Charlie Hebdo, they forbid even doubting the Holocaust or even using the words alleged or presumed in writing about it. This law applies only to the Jewish holocaust so when, in 2012, a legal attempt was made to include under it the Armenian genocide the French Constitutional Council ruled that this would be in violation of the Constitution because it conflicts with the right of speech. This law is strictly applied. Mr. Jean Marie Le Pen, the French Deputy was fined twice for saying that the holocaust is a detail in the history of the Second World War. Professor Robert Faurisson of University of Lyon was tried several times under this law for his research on the matter and beaten up several times. In one of these incidents he almost died and it was established that the thugs belonged to a Jewish militant organization but no one was arrested. While making fun of the Prophets is acceptable under French law, making fun of Jews is forbidden under the law against anti-Semitism as  proven by the more than 40 arrests of the comedian Dieudonne M’bala M’bala (see him on You Tube).

It is unfortunate that France has chosen the security solution to terrorism as did America before it with bad results. The three culprits in the Charlie Hebdo case come from some of the poorest suburbs of large cities in France where half of the residents do not have a high school diploma and where the unemployment rate is more than twice the national average reaching more than 40 per cent among youth. In a poll published in Le Monde in 2013 only 26 per cent of French believed that Islam is compatible with French society against 89 per cent for Catholics and 70 per cent for Jews. Prime Minister Valls, who is known for his anti-Islamist stand, said after the Charlie Hebdo attack that France practices “apartheid” against Muslims.

Freedom of speech is indivisible and what applies to some has to be applied to all. But it also has limits. The primordial question is how to find the proper balance between protecting the society and not violating the rights of the individual. Dealing efficiently with terrorism cannot be exclusively through security measures but has to deal with its causes. America has used the security approach for fourteen years already and terrorism has flourished. Noam Chomsky described the “national security state” that America has become as “Post-legal America.” Will we see soon a post-legal France too?



[1] Former Ambassador of Lebanon to the United States

Tuesday, January 20, 2015

Why Do Famous People Die Poor? لماذا يموت المشاهير ققراء؟

السّفير

لماذا يموت المشاهيرُ فقراءَ
رياض طباره


                 


 Riad Tabbarah
20-01-2015

English summary at end 

عندما توفيت المطربة صباح هبّ الشعب اللبناني للاشتراك في جنازتها وانطلقت مسيرات الرقص والغناء في الشوارع لأنها، كما قال البطريرك الراعي، «تركت خلفها رسالة الفرح». كما نعتها كل وسائل الاعلام المحلية والدولية بما في ذلك محطات التلفزيون العالمية أمثال الــ سي إن إن والجزيرة والــ بي بي سي (التي اعطتها لقب «ديفا ــ أي بريمادونا ــ الموسيقى») وغيرها معلنة أن الفرح رافق صباح الى مثواها الاخير. غير ان صباح التي «ملأت لبنان ومصر والعالم العربي غناءً وبهجةً وإطلالات فنية، مسرحية وسينمائية، قضت أعوامها الاخيرة نزيلة فندق بعد أن اضطرت إلى بيع منزلها وأملاكها». يتساءَل المرء أين كانت هذه الحشود عندما كانت صباح وحيدة في غرفتها؟

ولكن صباح ليست لوحدها بين مشاهير الغناء أو الفنانين العرب الذين أمضوا السنين الاخيرة من حياتهم فقراء ووحيدين. الكل يذكر ليلى مراد المطربة الكبيرة والنجمة السينمائية التي مثلت الى جانب عمالقة السينما المصرية أمثال محمد عبد الوهاب ويوسف وهبي وأنور وجدي وغيرهم خلال العقود المحيطة بمنتصف القرن الماضي. ليلى مراد تعرضت آخر حياتها لشائعات تتعلق بأصولها اليهودية، ثبت عدم صدقيتها، ولكنها برغم ذلك أمضت سنواتها الاخيرة فقيرة ووحيدة ومعزولة حتى وفاتها سنة 1995. وبعد ثلاث سنوات بدأ تكريمها ابتداءً بمنحها شهادة تقدير في مهرجان القاهرة السينمائي الى إنتاج مسلسل عن حياتها سنة 2009. وهناك الكثير من كبار الفنانين العرب الذين ماتوا فقراء، منهم فريد الاطرش الذي كان يسكن في آخر حياته في بيت مستأجر «ورصيده في البنك لا يتعدى الجنيهات القليلة». وكذلك عملاقا السينما المصرية يوسف وهبي وأمينة رزق اللذين امضيا سنواتهما الاخيرة على معاش تقاعدي يبلغ 32 جنيهاً في الشهر. أضف اليهم اسماعيل ياسين الذي أضحك الملايين بأفلامه والذي توفي مفلساً فقيراً تاركاً لابنه ديوناً مالية كبيرة. ورفيق ياسين في أفلامه، «الشاويش عطيه» رياض القصبجي، الذي لم يترك وراءه ما يكفي لمراسم دفنه ما اضطر بعض أصدقائه للمساعدة، وعبد السلام النابلسي ومريم فخرالدين وغيرهم وغيرهم.

وفاة كبار الفنانين مفلسين هو ليس طبعاً حكراً على العرب. فهناك الكثير من الفنانين الاميركيين مثلاً الذين عاشوا حياة في غاية النجاح والبحبوحة ولكنهم ماتوا في حالة من الفقر والوحدة. أذكر هنا فقط بعض الذين أعجبت بهم شخصياً في الماضي أمثال جودي غارلند الممثلة والمغنية والراقصة التي رقصت مع فْريد أستير الذي وصفها بانها «اعظم فنانة في العالم». هذه الفنانة الكبيرة التي عملت بنجاح في الفن لأكثر من 40 سنة، ماتت حزينة مدمنة على الخمرة والمخدرات وفي فقر كبير ولم تكن قد تجاوزت بعد الـ47 عاماً من العمر. ومن منّا، نحن الذين كنا في سن المراهقة في خمسينيات القرن الماضي، لم يكن ولو لمدة وجيزة عاشقاً للمثلة هيدي لامار الملقبة «أجمل فتاة في أوروبا» أقلّه بعد ان شاهدها تمثل دور دليله في فيلم شمشون ودليله مع فيكتور ماتور. هذه المرأة التي حصلت على الملايين من أدوارها السينمائية في هوليوود «لم تترك لعائلتها سوى ألذكريات». وللذين أقلّ سناً أذكر المغني ذا الشهرة العالمية سامي دايفس جونيور الذي باع الملايين من ألبوماته الموسيقية وغنى في أشهر الاماكن حول العالم مات وعليه ديوناً كثيرة، بما في ذلك ديون للدولة الاميركية، ولم يترك لعائلته أي شيء يذكر سواها.

قد يقول البعض إن هذا لربما هو قدر المغنين والممثلين لأسباب خاصة بهم ولكن الكثير من المبدعين الآخرين في مجالات الفن الأخرى وفي قرون أخرى ماتوا بالحالة نفسها. فإن غوغ الرسام الهولندي من القرن التاسع عشر والذي بيعت أحدى لوحاته سنة 1990 بــ 82.5 مليون دولار (ما يـعادل اليوم حوالي 150 مليون دولار) لم يبع خلال حياته سوى لوحة واحدة وكان يتكل على أخيه لمعيشته. هذا الرسـام الكبــير مـات فقـيراً لا يملك شيئا سوى رسـومه وكـــان يشتــكي من عدم قدرته على بيعها قائلاً: «إنني لا أستطيع أن أغيّر الحقيقة بأن رسومي لا تباع. ولكن سيأتي يوم سيدرك الناس فيه أنها تســاوي أكـثر من ثمن الدهان المستعمل فيها». أما زميله وصديقه الرسام الفرنسي تولوز لوتريك الذي خلد برسومه حياة المسرح في باريس، وخاصة الـ مولان روج، فهو الآخر مات يشكو من الكآبة، مدمنا على الشراب، بحالة فقر مدقع ومريضا بالسيفيليس.
أسباب خاصة

فرانز شوبرت الموسيقي الكلاسيكي الشهير مات شاباً في ثلاثينيات العمر كما فان غوغ، وكما هذا الاخير لم يجد تقديراً لأعماله خلال حياته حيث كانت أعمال بيتهوفن وباخ تطغى على كل ما حولها. حفلته الموسيقية الاولى والاخيرة كانت ناجحة سمحت له أخيراً أن يشتري بيانو خاصاً به. ولكن صحته كانت في تراجع سريع فمات بعد أقل من ثمانية أشهر قبل أن يستطيع أن يجني ثمار نجاحه.

هناك الكثير أيضاً من الكتّاب الكبار العالميين ماتوا فقراء أو مطمورين . إدغار ألن بو الكاتب والشاعر المعروف الذي بيعت الملايين من كتبه بعد وفاته حاول في حياته أن يعيش من أدبه ولم يفلح فمات فقيراً. أوسكار وايلد مؤلف قصة «صورة دوريان غراي» الشهيرة والعديد من القصص والتمثيليات المعروفة عاش سنين حياته الاخيرة في باريس يدور في طرقها وينفق القليل مما لديه من مال على الخمرة وكان يقول لأصدقائه إنه سيموت كما عاش بأكثر من قدرته (beyond his means) وهكذا كان.
هذا غيض من فيض، فالكثير الكثير من الكبار ماتوا فقراء وحيدين. فصباح هي واحدة من هؤلاء الكبار الذين أعطوا العالم سروراً وبهجة ولم يستطيعوا أن يكملوا الطريق الى آخرها ليموتوا بالوقار والجلال الذي يستحقون. لكل واحد منهم قصته الخاصة وأسبابه الخاصة. صباح انفقت الكثير من الثروة التي جمعتها على أقربائها وأصدقائها من دون حسيب أو رقيب. جودي غارلند كانت مزواجة تزوجت خمس مرات وطلقت أربع مرات وانتهت مدمنة على الخمرة والمخدرات. هيدي لامار هي الاخرى كانت مزواجة، تزوجت وطلقت ست مرات، كان كل طلاق يكلفها مبالغ كبيرة من المال. فان غوغ وشوبرت وإدغار ألن بو ماتوا فقراء لأن الناس لم تقدر قيمة اعمالهم خلال حياتهم. تولوز لوتريك ولد مريضاً بمرض في عظامه مما جعله قصيراً لا يتجاوز طوله متراً و 54 سنتمتراً ما قد يكون أحد أسباب كآبته، وكان يمضي الكثير من وقته مع المومسات فمات كئيباً ومريضاً بالسيفيليس. أوسكار وايلد مات فقيراً لأنه كان ينفق من دون حساب ويعيش بمستوى يتجاوز إمكاناته المادية.

لكل قصته. وليس بين هذه القصص قاسم مشترك سوى أن أصحابها هم من المشاهير. ولكن هناك أيضاً الملايين من غير المشاهير نجحوا في حياتهم وماتوا فقراء. منهم رجال أعمال ومفكرون وكتاب ومهنيون وأناس عاديون نجحوا في مرحلة من مراحل حياتهم وفشلوا في آخرها فلم تدم لهم النعم. فهذه ليست حالة خاصة بالمشاهير. قصص المشاهير نعرفها بسبب شهرة أصحابها وليس لأنها قصص غير عادية. إنها قصص روتينية تحدث كل يوم ملايين من المرات في جميع أنحاء العالم ولا نسمع بها لعدم شهرة أصحابها. ليس هناك قاسم مشترك بين كل هؤلاء الناس، أمشاهير كانوا أم من غير المشاهير، سوى لربما أن هذه هي سنّة الحياة.


   :Summary
Why Do Famous People Die Poor

When Sabah, the famous Lebanese singer and actress, died, the whole Middle East rose to salute her
 great achievements. CNN called her the “Diva of Music.” But Sabah died in a hotel room where she was spending her last days, lonely and poor


But Sabah wasn’t the only Arab artist to die poor. Some of the most famous did too, including Leila Mourad  who was also a very famous singer and actress in her days as well as Farid al Attrash, one of the all-time greats among Arab composers and singers, the two giants of the Egyptian theater and movies, Youssef Wehbi and Amina Rizk, and the king of film comedy Ismail Yassin and his partner Riad Kassabji.

Famous artists dying poor does not apply only to Arab artists. Many American and European artists died poor and lonely. Judy Garland who acted in movies for over 40 years and was dubbed by Fred Astair, with whom she danced in musical, as the “greatest artist in the world,” died dejected and addicted to drugs and alcohol. Who among those of us who were teenagers in the fifties didn’t fall in love with Hedy Lamarr, the actress who was called “the most beautiful girl in Europe”, at least after seeing her in the role of Delilah next to Victor Mature. Fewer perhaps know that she died broke. For the slightly younger generation, we could mention Sammy Davis Junior whose albums sold in the millions and who also died indebted to many including the U.S. government. Too many artists fell in this category to try to mention here.

But this is not only the fate of artists. Vincent van Gogh, the 19th Century painter whose one of his self-portraits was sold in 1990 for $82.5 million and who used to complain that his paintings do not sell, died poor and dejected. He was joined in this fate by his friend the French paiter Toulouse Lautrec who made famous the night life of Paris, especially the Moulin Rouge. Franz Schubert had one successful concert in his life that allowed him to buy his own piano but died eight months later. These great artists were joined in their fate by great writers like Oscar Wilde who used to tell his friends that he will die like he lived “beyond his means.”

Each one of these greats had his own story. Sabah spent her money on her extended family and friends. Hedy Lamarr married and divorced six times each time costing her a part of her fortune. Van Gogh and Schubert died poor because their work was not appreciated during their lifetime. Lautrec had congenital bone problems which probably caused his very short stature (1.5 meters) and spent great deal of time with prostitutes and died of depression and Syphilis.

So each one of these greats had his particular story. Nothing in common among them except that they were all famous. But there are millions of non-famous people who also made fortunes during their lives and died poor and dejected but we do not hear of their stories because they are not famous. So there is nothing in common among all these people, whether famous or not famous, except perhaps that this is one of the rubrics of life.

Riad Tabbarah