Wednesday, October 31, 2018

الانتخابات النصفية 2018



الأربعاء 31 تشرين الأول 2018


الانتخابات النصفيّة الأميركية وتبعاتها

تجرى الانتخابات النصفية الأميركية في 6 تشرين الثاني المقبل، ينتخب فيها الأميركيون، كل أعضاء مجلس النواب (الكونغرس) الـ435 وثلث أعضاء مجلس الشيوخ الـ 100 (33 مقعداً هذه المرة زائداً مقعدين خاليين). وتجرى انتخابات موازية، أهمها انتخاب حكام 36 ولاية، ومجلسي نواب وشيوخ الولايات في غالبيّتها. تجدر الإشارة إلى أنّ ولاية النائب في الكونغرس سنتين، وحاكم الولاية 4 سنوات وعضو مجلس الشيوخ 6 سنوات. كل ولاية لها عضوان في مجلس الشيوخ بينما عدد النواب يتوقف على عدد المقيمين في الولاية الذي يتحدّد كل 10 سنوات حسب تعداد السكان.
في كل الانتخابات النصفية تقريباً يخسر الحزب الذي ينتمي إليه رئيس الجمهورية مقاعد في مجلس النواب. هذه المرة لن تشكّل استثناءً. السؤال هو كم؟
خسر الديمقراطيون عدداً كبيراً في الانتخابات النصفية سنة 2010 (بعد سنتين من انتخاب أوباما) وأصبح الجمهوريون غالبيّة. يحتاج الديمقراطيون في الانتخابات المقبلة لـ 23 مقعداً إضافياً في مجلس النواب لكسب الغالبيّة.
تدل آخر إحصاءات «مركز 538» وهو من المراكز الأكثر صدقيّة في استطلاع نتائج الانتخابات، أنّ احتمال فوز الديمقراطيين بالغالبيّة هو 85 بالمئة، مقابل 15 بالمئة للجمهوريين.
أما في مجلس الشيوخ، فعلى رغم أنّ كلّ ما يحتاجه الديمقراطيون مقعدين إضافيّين، فإنّ هدفهم يبدو صعباً. «مركز 538» يقدّر نسبة نجاحهم بـ 17 بالمئة.
أما على مستوى الولايات، فيُجمع المستطلعون على أنّ الديمقراطيّين سيفوزون بغالبية الحكام والمجالس المحلّية. أهمية هذه الانتخابات أنها تسمح للرابح برسم حدود الدوائر الانتخابية التي يمثلها أعضاء الكونغرس في ولاياتهم وتغييرها بشكل يعطي الحزب الأكثري أفضلية في الانتخابات النيابية. إعادة رسم الدوائر الانتخابية لهذا الهدف يُسمّى (gerrymandering).
ماذا لو ربح الديموقراطيون الغالبيّة في مجلس النواب دون مجلس الشيوخ، كما تفيد غالبية الاستطلاعات؟ للجواب على هذا السؤال يجب معرفة ماهي صلاحيات كل من المجلسين.
مهمّة مجلس النواب الأساسيّة التشريع، وفرض الضرائب، والموافقة على الموازنة العامة. الأهم بالنسبة لترامب هو صلاحية الكونغرس في إحالة رئيس الجمهورية (وكبار المسؤولين الفيديراليين) الى المحاكمة في مجلس الشيوخ (Impeachment)، ما يتطلب أصوات نصف النواب زائداً واحداً.
أما مهمة مجلس الشيوخ فهي التصديق على المعاهدات التي يعقدها الرئيس، والموافقة على تعيينات كبار المسؤولين (مثلاً الوزراء والسفراء)، ومحاكمة الرئيس وكبار الموظفين الذين أحالهم مجلس النواب إلى المحاكمة، وتتطلّب الإدانة موافقة ثلثي الأعضاء.
لعلّ أخطر نتيجة لتغييرٍ محتمَل في غالبية الكونغرس لصالح الديمقراطيين، هي إمكانية إحالته إلى المحاكمة من قبل كونغرس ذات غالبية ديمقراطية. إلّا أنه من غير الممكن، في هذه الحالة، الوصول إلى الإدانة، وبالتالي إجبار ترامب على التنحّي، إلّا بثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، وهذا لن يحصل إلّا إذا وافق عدد كبير من الأعضاء الجمهوريين على الإدانة، ما هو مستبعد طبعاً، أقلّه راهناً.
الجدير بالذكر هو أنّ نتائج تحقيق المدّعي الخاص روبرت مولر، في إمكانية حصول تواطؤ بين الروس وترامب لإيصال الأخير إلى الرئاسة، وفي احتمال عرقلته للعدالة، وأمور أخرى، من المنتظر أن تظهر بعد إعلان نتائج الانتخابات، فإذا جاءت لغير مصلحة الرئيس فهذا سيعطي دفعاً إضافياً للديمقراطيين لإحالة ترامب للمحاكمة.
يركّز الجمهوريون في دعاياتهم الانتخابية على قضية الهجرة التي تستقطب غالبيّةً من البيض قلقة من انحسار دورها. فنسبة «البيض غير اللاتين» من مجموع السكان، انخفضت في الولايات المتحدة من حوالى 90 بالمئة في خمسينات القرن الماضي إلى حوالى 60 بالمئة اليوم، وسيصبحون أقلّية كباقي الأقلّيات بعد أقل من عشرين سنة.
الأنكى من ذلك بالنسبة لهؤلاء هو انتخاب رئيس جمهورية (أوباما) بأقلية من أصوات البيض (41 بالمئة سنة 2012) ما يعني أنّ البيض لن تكون لهم الكلمة الفصل في الانتخابات على المستوى الوطني، كما كان الحال منذ إعلان الاستقلال سنة 1776.
في السياق نفسه، يؤكّد ترامب على سياسته لمنع المهاجرين اللاتين من المجيء إلى الولايات المتحدة، وطرد المهاجرين غير الشرعيين، وبناء حائط على طول الحدود الجنوبية الأميركية، كل ذلك لشدّ عصب مؤيّديه من البيض. وساعدته في ذلك قافلة من سبعة آلاف شخص انطلقت من أميركا الوسطى إلى الحدود الأميركية. ويصف ترامب هؤلاء بـ «جحافل من المجرمين» متوعّداً بإرسال الجيش للتصدي لهم.
التحسّن الاقتصادي الأميركي الذي حققته إدارة ترامب، بدأ يفقد من أهميته، فثماره لم تظهر للطبقة الوسطى وما دون، بل للشركات الكبرى والطبقة الميسورة. لذا وعد ترامب بخفض الضرائب على هذه الطبقة قبل الانتخابات وأسعار بعض الأدوية.
أضف إلى ذلك، تاريخياً، يفقد الاقتصاد أهمّيته الانتخابية عندما يكون منتعشاً، وتكبر أهميته عندما يتراجع. ويبقى النموّ الاقتصادي مرتفعاُ نسبياً (أكثر من 3 بالمئة) ما يعمل لصالح الجمهوريين.
في مواجهة هذه الأمور المربحة للجمهوريين، يركّز الفريق الآخر على أمور له فيها اليد الطولى وعلى رأسها النظام الصحّي، والمساواة وحقوق الأقلّيات والمثليّين وغيرهم، وعلى اتّهام الجمهوريين، وعلى رأسهم ترامب، باحتقار النساء وعدم الدفاع عنهم بما يخصّ التحرّش الجنسي والعنف الأُسري والمجتمعي، علماً أنّ ترامب متّهمٌ شخصياً بالتحرّش الجنسي.
لقد صوّت 54 بالمئة من النساء لهيلاري كلينتون مقابل 42 بالمئة لترامب. وصوّت 58 بالمئة من البيض لترامب مقابل 37 بالمئة لكلينتون. ويتوقع الفريقان أن تشهد الانتخابات المقبلة انقساماً أكبر بين الفريقين (البيض والنساء). فبالنسبة للنساء مثلاً تشير الاستطلاعات إلى أنّ حصة الديمقراطيين من أصوات النساء قد تصل إلى 80 بالمئة.
وبما أنّ خطوط التماس جامدة فمن المنتظر أن تتأثر نتائج الانتخابات بكثافة مشاركة البيض والنساء، ولا يأمل المرشّحون في استقطاب مساندين من الفريق الآخر.
وأخيراً ماذا سيكون تأثير نتائج هذه الانتخابات على لبنان والمنطقة؟
أولاً: لن يكون تأثير كبير إذا بقيت أو تغيّرت الغالبية في مجلس النواب، لأنّ صلاحيات المجلس هي أصلاً داخلية لا تؤثر في السياسة الخارجية.
ثانياً: ما يهمّ لبنان والمنطقة هو موقف واشنطن من إيران و»حزب الله» والعقوبات المحتملة عليهما ولا فارق بين مواقف الحزبين بهذا الشأن.
ثالثاً: حتى لو أزيح ترامب تحت وطأة تحقيقات مولر، والتحوّل المحتمل للغالبية في الكونغرس لصالح الحزب الديمقراطي، فسيحلّ مكانه نائبه مايك بنس الأكثر تطرّفاً ضدّ إيران.
أما بالنسبة للعقوبات على «حزب الله» فالحزبان متفقان، على ألّا تمسّ هذه العقوبات اقتصادَ لبنان واستقرارَه الأمني، أقلّه في المستقبل المنظور

Monday, October 8, 2018

لا تتلاعبوا بأرقام البطالة






الاثنين 8 تشرين الأول 2018

لا تتلاعبوا بأرقام البطالة

رياض طبارة




السنة الفائتة، نشرت «الجمهورية» مقالة لي بعنوان «معلومات وإحصاءات رسمية بدون رقيب» (20 كانون أول 2017) عرضت فيها بعض الأرقام الرسمية المتضاربة، بخاصة تلك المتعلقة في مجال القوى العاملة والبطالة.

بالنسبة الى مستوى البطالة لسنة 2016 مثلاً، تراوح معدل البطالة، بحسب الأرقام الرسمية، ما بين 10 بالمئة (مديرية الإحصاء المركزي) و25 إلى 33 بالمئة (وزير العمل في حينه) ووصلت، في أحد تصريحات الوزير نفسه، إلى مليون عاطل عن العمل، ما يعني 66 بالمئة من القوى العاملة. الأنكى هو أنه ليس بين هذه الأرقام رقماً واحداً مبنيا على مسح ميداني للبطالة، إذ ان آخر مسح رسمي حصل سنة 2009. (قام البنك الدولي، في أيلول 2017، بمسح ميداني جدي للبطالة في شمال لبنان، حيث التجمع الأكبر للنازحين السوريين، إضافة إلى كون المنطقة متخلفة اقتصاديا، توصل فيه إلى أن مستوى البطالة هناك يبلغ 9 بالمئة). هذا التلاعب بالأرقام، في مجال البطالة، التي تعتبر/ في معظم بلدان العالم ركيزة أساسية في وضع السياسات الاقتصادية والمعيشية، غير مبرر، ولو لأهداف شعبوية. لم يتغير الحال، بالطبع، منذ ذلك الحين بل، بالعكس، كثرت الارقام الرسمية المسيسة للبطالة لتصل إلى ممثلي القطاع الخاص.

في هذه المقالة سأشرح ما هو التحديد العلمي للبطالة، وما هي أنواعها، وكيف يتم قياسها، لأصل في النهاية إلى ماهية مكونات سياسة المحاربة المطلوبة واهميتها.

تعريفات البطالة

العاطل عن العمل، في التحديد المعمول به عالمياً، هو، بشكل عام، كل شخص بالغ من العمر 15 سنة وما فوق وتنطبق عليه ثلاث مواصفات: أولا، أن يكون لا يعمل. ثانيا، يبحث جديا عن عمل. وثالثا، مستعد للبدء بالعمل خلال مدة قصيرة إذا ما عرض عليه عمل مناسب.
هذا التعريف المعمول به دولياً، والذي يهدف إلى تسهيل المقارنات بين الدول، يحدّد البحث الجدي عن عمل، بتقديم طلب للعمل، أو بوضع إعلان في جريدة أو ما شابه
يُجمع الإحصائيون على أن هذا التعريف، وإن كان ذات منفعة في عملية المقارنة بين الدول، ليس كافيا لوضع سياسات ناجعة في محاربة البطالة داخل الدولة، ولذا أدخلوا تعديلات عليه للاستعمال المحلي أهمها اثنان: الأول هو أن يشمل تعريف العاطل عن العمل أيضاً كل الأشخاص الذين يبحثون عن عمل لكنهم لم يفعلوا ذلك خلال الشهر السابق للمسح، لأنهم يئسوا أو اعتبروا أنهم عملوا المستطاع («المحبطون»). والثاني هو أن يشمل التعريف أيضاً الأشخاص الذين يعملون بشكل متقطع أو الذين يعملون بدوام جزئي لعدم وجود عمل بدوام كامل («المهمشون").  الفارق بين أرقام البطالة بحسب هذه التحديدات الثلاثة قد يكون كبيراً جدا، خاصة عندما تطول مدة البطالة

أنواع البطالة

هناك ثلاثة أنواع رئيسية للبطالة. النوع الأول هو أن يكون هناك عاطل عن العمل وهناك وظيفة تتناسب مع مؤهلاته ولكن الطلب والعرض لا يلتقيان إلا بعد مدة طويلة يتم خلالها مسح البطالة، وهذا النوع من البطالة يسمى «البطالة الاحتكاكية.» النوع الثاني هو أن يكون هناك عاطل عن العمل وهناك وظيفة متاحة ولكن مؤهلات طالب الوظيفة لا تتماشى مع متطلبات العمل، كأن يكون هناك طلب على عمل أستاذ مدرسة بينما طالب العمل دون الشهادات المطلوبة، وهذه الحالة تسمى «البطالة التقنية». الحالة الثالثة، وقد تكون الأهم، هي «البطالة البنيوية أي أن يكون عدد العاطلين عن العمل يتجاوز عدد الفرص المتاحة.
بعد هذا العرض المقتضب لأبعاد مسألة البطالة ما هي مكونات السياسة الشاملة الكفيلة بمحاربة البطالة بشكل عقلاني وفعال، خاصة في لبنان؟ 

سياسات البطالة

الخطوة الأولى في مثل هذه السياسة الحصول على المعلومات الإحصائية الضرورية لمعرفة من هم العاطلون عن العمل وما هو نوع البطالة الذي ينطبق على كل مجموعة من العاطلين عن العمل. مسوحات القوى العاملة قد تجري كل سنة أو سنتين، أما مسوحات البطالة فيجب أن تجرى مرة كل ثلاثة أشهر على الأكثر، لأن مستويات البطالة تختلف بين فصل وآخر من السنة. كما يجب أن يمول هذا البرنامج من موازنة الدولة بشكل روتيني لا يعتمد على حسنة من المنظمات الدولية لتمويله كما هو الحال اليوم

ولأن سياسة الدولة في محاربة البطالة تختلف بحسب نوع البطالة وخصائص كل مجموعة من العاطلين عن العمل، يجب أن تعالج كل أنواع البطالة الرئيسية. فإذا كانت البطالة «احتكاكية»، فالمشكلة الأساسية تكمن في عدم فعالية سوق العمل الذي يختصر بمدى فعاليته مدة البحث عن عمل التي تبلغ حاليا في لبنان أكثر من سنة. سياسة تحسين فعالية سوق العمل تحتوي مثلاً على تشجيع وكالات التوظيف، بما في ذلك المؤسسة الوطنية للاستخدام. الطرق الِأخرى لتفعيل سوق العمل تشمل معارض للتوظيف، داخل وخارج المدارس والجامعات، ومنشورات دورية متخصصة وغيرها.

البطالة التقنية تتطلب بدورها إعادة تأهيل في كثير من الأحيان، بهدف تطوير قدرات العاطلين عن العمل لتتناسب مع المتطلبات المستجدة في سوق العمل.

أما البطالة البنيوية فإنها تتطلب خلق فرص عمل إضافية وهذا يحصل من خلال زيادة الاستثمارات في البلد ورفع نسبة النمو الاقتصادي. إنما يجب الأخذ بالاعتبار هنا بأن الطلب على اليد العاملة يختلف بحسب نوع الاستثمار. بعض هذه الاستثمارات يتطلب يداُ عاملة مكثفة أكثر من من غيره كما أن بعض الاستثمارات قد يتطلب يداُ عاملة غير متوافرة محلياُ فيتم استيرادها من الخارج. وهذا ما حصل مثلاً خلال فورة الإعمار التي قامت بعد الحرب اللبنانية والتي نتج عنها، قسراً إلى حد ما، استيراد ما يقارب النصف مليون عامل من الخارج، معظمهم من السوريين

بالمقابل، نحن نعيش في بلد لا يعلم كم هو عدد سكانه ولا عدد قواه العاملة ومستوى البطالة فيه والمشكلات الإنسانية الأخرى، وحيث أرقام البطالة وجهة نظر تتأثر بالموقع السياسي للمسؤول الذي يصرح بها، ترتفع عند الذين يريدونها مرتفعة لهدف شعبوي وتنخفض عند الذين يريدون تلميع صورة البلد في الخارج والداخل، بينما لا يوجد هناك مسح للقوى العاملة أو البطالة منذ ما يقارب العشر سنوات. شعبوبة الأرقام، خاصة في ما يتعلق بالسكان والعاملين ومشاكلهم، وصلت إلى القطاع الخاص وأصبحت الناس لا تصدق، حتى الأرقام الصحيحة، وهي قليلة أصلاً. المهم أيضاً أن نعلم أن سياسة محاربة البطالة يجب أن تأخذ بالاعتبار ضرورة أن تشمل التحسين في أداء سوق العمل، والتدريب، ومواءمة أفضل بين المخرجات التعليمية ومتطلبات سوق العمل، وسياسات تفضيلية للاستثمارات التي تستعمل كثافة اليد العاملة المحلية وتتعامل بذكاء مع مشكلات «المهمشين» و«المحبطين» من العاطلين عن العمل.