Thursday, December 3, 2020

في السياسة الخارجية الأميركية

 


  تشرين الثاني 2020

مقال سياسي: في السياسة الخارجية الأميركية

 

رياض طبارة

هناك خطأ شائع بأن سياسة أميركا الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط، لا تتغير بين إدارة وأخرى لأن أميركا هي بلد المؤسسات التي تؤمًن استمرارية السياسة. صحيح أن ركيزتي السياسة الأميركية، تجاه هذه المنطقة على الأقل، مساندة إسرائيل عسكريا وحماية النفط العربي، لم تتغير كثيراً في العقود الماضية ولكن استمراريتها لا يعود إلى عمل المؤسسات بل إلى اعتبارات أخرى. فمساندة إسرائيل تعود، بالدرجة الأولى، إلى أهمية اللوبي الإسرائيلي في الانتخابات الأميركية إذ برهنت الأيام بأن معاداة هذا اللوبي من قبل المرشحين لمناصب منتخبة يشكل، في معظم الأحيان، انتحارا سياسيا ولذا فهو اضطراري ولو على مضض، أما حماية البترول فهي لضرورته الاقتصادية، بالأخص لحلفاء أميركا في أوروبا وشرق أسيا.

سياسة أميركا الخارجية تتأثر بشكل كبير بأفكار وممارسات رئيس الجمهورية نظراً لصلاحياته الكبيرة في هذا المجال. هذا صحيح خاصة إذا كان مجلس الشيوخ إلى جانبه، كما هو الحال بالنسبة للرئيس دونالد ترامب، أو حتى إذا لم يكن ذلك، فمن خلال تمكن الرئيس من فرض سياساته، ولو بمحدودية أكبر، من خلال "أوامر تنفيذية" (Executive Orders)، كما كان الحال بالنسبة للرئيس السابق باراك أوباما خلال فترته الرئاسية الثانية.
هناك في تاريخ الولايات المتحدة السياسي تغيرات جذرية في السياسة الأميركية بين رئيس جمهورية وآخر كما حصل مثلا بين سياسة الجمهوري هربرت هوفر الاقتصادية المحافظة (الرأسمالية الفجة) التي أدت إلى الكساد الاقتصادي الكبير(
The Great Depression) الذي بدأ في آخر عشرينات القرن الماضي وبين خليفته الديموقراطي فرانكلن روزفلت الذي أدخل بعض الأفكار الاشتراكية في سياسة ما سمي بـ "الصفقة الجديدة" ( the New Deal) مثل التأمين ضد البطالة، والضمان الاجتماعي للمسنين والمعوقين وغيرها من إجراءات غيرت طبيعة الرأسمالية الأميركية منذ ذلك الحين.
لكن التقلبات في السياسة الأميركية التي صاحبت التغيير في رئاسة الجمهورية الأميركية، خاصة في مجال السياسة الخارجية، لم تكن يوماً، بحجمها وكثافتها التي شهدناها في العقود القليلة الماضية وما زلنا.
فأميركا في عهد أوباما، على سبيل المثال، كانت نشطة في كل المنظمات الدولية بينما هي اليوم، تحت إدارة ترامب، معادية لفكرة التجمعات المتعددة الأطراف، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي. أميركا في عهد ترامب، انسحبت من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وأعلمت منظمة الصحة العالمية بانها ستنسحب السنة القادمة، كما هددت مرارا بالانسحاب من منظمة التجارة العالمية. بالمقابل، فالرئيس المنتخب جو بايدن صرح بأن أميركا في عهده، الذي سيبدأ في كانون الثاني من سنة 2021، ستعود إلى هذه المنظمات وتفعّل علاقاتها الإيجابية مع الاتحاد الأوروبي.
بالنسبة لإيران فإدارة أوباما أمضت سنوات من المفاوضات للوصول، سنة 2015، إلى الاتفاق النووي الإيراني، بين إيران و"الدول الخمس زائد واحد" ودفعت مجلس الأمن لتبني قرارا مؤيدا لها، لينسحب ترامب منه سنة 2018 ومن ثم يعود إليها بايدن السنة القادمة بحسب تصريحاته الأخيرة.
هذا التخبط في السياسة الخارجية الأميركية لا يفقد اميركا مصداقيتها الدولية فحسب، بل يجعل الرهان على ما ستكون عليه في الأمد الطويل صعب جداً.
سياسة إدارة بايدن الخارجية ستقلب سياسة ترامب رأساً على عقب في معظم الأحيان.
أولاً: سيعيد بايدن أميركا إلى المشاركة في المنظمات الدولية التي انسحب ترامب منها وإلى الاتفاقات الدولية مثل اتفاق باريس حول المناخ.
ثانياُ: سيحاول بايدن، قدر الإمكان العودة إلى الاتفاقات الإقليمية والثنائية التي انسحب منها ترامب. أقول قدر الإمكان لأن العودة إلى بعضها لن يكون سهلا. المثال الأكبر هو في منطقة شرق آسيا حيث انسحبت أميركا من الاتفاق التجاري (
TPP)" الذي كانت تهيمن عليه، وأسست الصين اتفاقاً أوسع (RCEP)، يستثني أميركا، تسيطر عليه الصين واليابان.
الشيء نفسه بالنسبة للقضية الفلسطينية. فبايدن، والحزب الديموقراطي الذي ينتمي إليه، يريدان العودة إلى الشرعية الدولية وقد أعلنا مراراً عدم مساندة محاولات إسرائيل ضم الأراضي الفلسطينية. ولكن العودة عن الكثير من الإجراءات التي اتخذها ترامب لصالح إسرائيل، كالاعتراف بالقدس كعاصمتها، صعب الرجوع عنها حتى لو أراد بايدن ذلك. خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، على سبيل المثال، أعلن معظم المرشحين الديموقراطيين، بما في ذلك بايدن، أنهم لم يكونوا مؤيدين لإجراء ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ولكنهم في الوقت ذاته أعلنوا أنهم لن يعيدوها إلى تل أبيب إذا انتخبوا. قد يخفف بايدن من تهالك السياسة الأميركية لخدمة إسرائيل، بخاصة شقها الليكودي، أ كما كان الحال في عهد أوباما مثلاُ، ولكن انحياز أميركا لإسرائيل لن يتغير في المستقبل المنظور.
ثالثاً: الحدث المهم أيضاً بالنسبة للشرق الأوسط سيكون عودة أميركا إلى الاتفاق النووي الإيراني. شروط هذه العودة غير واضحة اليوم ولكنها قد تشمل، على الأقل بنظر الأميركيين، تمديد القيود على البرنامج النووي الإيراني إلى أجل بعيد المدى، وتحجيم برنامج إيران الصاروخي، وتغيير تعاملها مع دول الجوار، مقابل رفع العقوبات عنها وعودتها تدريجياُ إلى كنف المجتمع الدولي. هذه خطوط عريضة ولكن الشيطان، كما يقولون دوماً، يكمن في التفاصيل.
رابعاً: بالنسبة للبنان فتعامل إدارة بايدن معه لن تتغير كثيراً. مساعدات أميركا الأمنية والإنسانية ستبقى غالباً على حالها: المساعدة الأمنية تذهب بمعظمها إلى لجيش اللبناني والمساعدات الإنسانية تذهب بمعظمها إلى المنظمات غير الحكومية. في الأمد القصير ستبقى أميركا مساندة للمبادرة الفرنسية مع إصرارها على حكومة ليس لحزب الله وحلفائه تأثيراً كبيراً فيها، كما الإصرار على انهاء عملية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، إذا لم تكن قد تمت إلى حينه. أما موقف أميركا من حزب الله في بشكل عام، فسيتطور حسب تطور الاتفاق النووي الِإيراني الجديد، بخاصة البند المتعلق بعلاقة إيران بدول الجوار.

 

http://farah.kamaljoumblatt.com/

Wednesday, August 26, 2020

A sudden Burst of Interest in Lebanon

 


Aug. 26, 2020 | 09:05 AM

A sudden burst of interest in Lebanon

Riad Tabbarah

 



 

The wide emotional response to the horrible explosion that took place on Aug. 4 in the port of Beirut was interpreted, by many Lebanese, as evidence that the presumed informal economic siege, placed on Lebanon by the international community since the formation of the Hezbollah-dominated government last January, has been lifted. What more proof does one need, it is said, than the rapid succession of high level European and American dignitaries visiting the country, including the president of France, Emmanuel Macron, presumably on behalf of the European community, and American undersecretary of state, David Hale, each spending several days in the country? According to this view, economic assistance to the near-collapsed economy of Lebanon will soon follow.

This is what many Lebanese wish is happening. But reality, unfortunately, is somewhere else. Lebanon has been under pressure, for many years, to undertake major political and fiscal reform in order to qualify for assistance from the international community. These demands have been met locally with a solid wall of corruption. The substance of the message delivered by the stream of high-level envoys remains substantively unchanged.

The present generous assistance is solely humanitarian and will go either to the Lebanese Army or to organizations of the civil society, because donors have no trust in the country’s political class. The long-awaited economic and fiscal assistance is available, as in the past, only when the necessary reforms are undertaken, and a credible government is formed to implement them.

What changed, besides the bluntness of the message regarding the political corruption in the country, are the high levels of the visitors and the intensity of their visits. Macron’s visit came on Aug. 6, two days after the explosion, (his foreign minister, Jean-Yves Le Drian, had been in Beirut some two weeks earlier and made forceful statements for reform). Macron’s schedule of meetings included a walk in one of the ruined streets of Beirut where he promised the people that humanitarian assistance will go directly to them, not through an untrustworthy government. He called for an expanded list of reforms, reaching all the way to “a new political order,” and promised to come back early September to check on progress. Hale, on the other hand, spent most of his time in meetings with representatives of civil society, politicians outside government and plain people in the streets of Beirut. He openly and repeatedly expressed no confidence in the government. He will be soon followed by the Assistant Secretary of State for Near Eastern Affairs, David Schenker. In the meantime, the U.S. Ambassador to Lebanon, Elizabeth Richard, and ambassadors of Saudi Arabia and other Gulf states have been unusually active transmitting the same message: the need for reform and an end to corruption.

This hyperactivity of foreign diplomacy is obviously different from past diplomatic activities. It is no more to deliver advice or warning. It is to deliver an ultimatum. This is raw political pressure.

But why are Europe, America and their allies in the region so interested in saving Lebanon? How far will they go in this rescue operation?

France has of course a long relationship with Lebanon. It basically created “Greater Lebanon” a hundred years ago and considered it as its foothold in the region. It is the most Francophone country in the Middle East, a fact that is particularly cherished by the French, and many dual Lebanese citizens are French. But the more immediate interest of France is to keep the million and a half Syrian refugees residing in Lebanon in place until their return to Syria, and to avoid a mass flight to Europe, as happened a few years ago. A collapse of the Lebanese economy that may well be followed by social unrest or chaos would certainly make such a flight more possible, even likely.

The United States has also interest in keeping Lebanon stable. In addition to the painful experience it had during the previous chaos during Lebanon’s Civil War (blowing of the US Embassy, the loss of more than 250 American military personnel to a truck bomb), America has at least two principal worries regarding a potential social collapse of Lebanon: The resurgence of Daesh (ISIS) in the north of the country and the instability in the south that may draw Israel into a war. Using this opportunity to draw the maritime borders between Lebanon and Israel would be the icing on the cake.

The interest of France and the United States is thus limited to preventing Lebanon from falling into the abyss. Helping the Lebanese achieve economic development and prosperity, as many Lebanese expected, as a result of the outpour of sympathy, is not on the menu. But even this modest goal may prove difficult to achieve in the face of the impregnable wall of political corruption in the country.

Macron realized early that France does not have the necessary weapons to pierce this wall. Only America has. He, therefore, personally called President Donald Trump and invited him to participate in the virtual meeting that he organized after he returned from his visit to Lebanon. He finally succeeded in bringing the United States more directly into this rescue effort, with the visit of David Hale to Lebanon as a first step.

Yes. Only America has the effective weapons to prod the Lebanese political elite to undertake a minimum of reform that would insure the country’s survival. Only America can impose or intensify painful economic sanctions and only it has the ultimate weapon that most Lebanese politicians fear: to be placed on the blacklist, either because of corruption under the Magnitsky Act or for other reasons, which implies confiscation of wealth outside Lebanon, limiting freedom of travel and other painful punishment.

But will the United States go this far? Will it use the arsenal at its disposal? We will find out shortly.

Riad Tabbarah is a former ambassador of Lebanon in the United States.

http://www.dailystar.com.lb/Opinion/Commentary/2020/Aug-26/510785-a-sudden-burst-of-interest-in-lebanon.ashx



Thursday, June 18, 2020

قانون قيصر وتبعاته






قانون "قيصر" وتبعاته

رياض طبارة

18 حزيران 2020

"قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين 2019" وضعه الكونغرس الأميركي، بمساندة الحزبين الجمهوري والديموقراطي، سنة 2014. وبعد أخذ وردّ، دمج هذا القانون مع قانون الدفاع لسنة 2020 الذي وقّعه الرئيس دونالد ترامب في كانون الأول الماضي، على أن يُصبح نافذاً في 17 حزيران (أمس). يترك القانون مسألة تطبيق مواده لرئيس الجمهورية كما يرى ما تدعوه الحاجة، وينتهي العمل بالقانون بعد خمس سنوات من اليوم. لن يبدأ إذاً تطبيق القانون مباشرة، بل سيكون بمثابة سيف ديموقليس المُصلت على النظام السوري والمتعاونين معه.

يسمح القانون لرئيس الجمهورية باستهداف الحكومات والشركات والأشخاص الذين يتعاملون أو يُموّلون، بشكل مباشر أو غير مباشر، نظام الأسد، أو يساعدون النظام في حملاته العسكرية، بعقوبات اقتصادية ومالية، وبمقاطعة أميركا التعامل معهم. لم تعُد السياسة الأميركية المعلنة تُطالب بتنحية الأسد، ولكنّ للقانون أهدافاً نهائية تؤدي الى رفع العقوبات:

1
ـ إيقاف الحملة الجوية السورية الروسية.

2
ـ السماح بالمساعدات الإنسانية في المناطق التي تسيطر عليها القوات السورية أو الروسية أو الإيرانية.

3
ـ الإفراج عن جميع السجناء السياسيين.

4
ـ الالتزام بالمعاهدات المُتعلّقة بالأسلحة البيولوجية والنووية والكيمائية.

5
ـ تسهيل العودة الطوعية للنازحين.

6ـ إنشاء عملية حقيقية للمساءلة والمصالحة الوطنية.

العقوبات الاقتصادية الأميركية ليست بالطبع جديدة على الحكومة السورية، بل هي بدأت منذ سنة 1979، عندما وضعت أميركا سوريا على لائحة الدُول الراعية للإرهاب. منذ ذلك الحين، وهناك عقوبات تحدّ من التجارة السورية الدولية، ومن بيع البترول، إضافة الى عقوبات على أشخاص أمنيين وأصحاب أعمال. ولكنّ العقوبات الجديدة المشمولة بقانون "قيصر" تُوسّع دائرة العقوبات الى حكومات وشركات وأشخاص يتعاونون، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، مع الحكومة السورية، من دون تفصيل كبير في ما تعنيه هذه الكلمات، ما يُعطي رئيس الجمهورية الأميركية مساحة كبيرة للتحرّك في هذا المجال. القانون الجديد لن يكون له تأثير كبير على الحكومات والشركات الأوروبية، لأن تعاملها مع الحكومة السورية محدود جداً والدول الأوروبية مُشاركة، على كل حال، في بعض العقوبات على سوريا. كيف ستتعامل روسيا مع القانون الجديد؟ هذا موضع تساؤل، ولكنّه لا شك سيُكثف المفاوضات الجارية بين أميركا وروسيا بشأن سوريا، ولو أننا سنشهد مُواجهات كلامية بينهما في المُستقبل المنظور. التأثير الأساسي خارج سوريا سيكون على دول المنطقة. الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، فتحت علاقات مع سوريا منذ مدّة، تُوجت بزيارات متبادلة لرجال أعمال من الدولتين. وهناك أخبار موثقة عن مُستثمرين سعوديين وكويتيين أسّسوا شركات مع نظرائهم السوريين في مجالات عدة.

غير أن التأثير الأكبر سيكون على لبنان طبعاً.

أولاً: ماذا سيكون تأثير القانون الجديد على النازحين السوريين؟ المتفائلون، خصوصاً بعض المُعلّقين الأميركيين، يعتبرون أن قانون "قيصر" سيضع ضغوطاً كبيرة على الحكومة السورية لإعادة النازحين، أقلّه كترضية للأميركيين الذين وضعوا هذه العودة الطوعية والآمنة لهؤلاء كشرط أساسي في قانون "قيصر" لرفع العقوبات.

ثانياً: لا شك أن قانون قيصر سيُعيق البدء بإعادة إعمار سوريا، ما سيُحبط الكثير من الشركات اللبنانية التي تأمل في المشاركة بهذه العملية، وقد بدأ بعضها بالتحضير الفِعلي لها.

ثالثاً: الضغوطات المالية على الليرة السورية كثّفت تهريب الدولارات الى سوريا وكان من اللافت التطابق البياني للعملة اللبنانية. يحاول البنك المركزي اللبناني ضبط هذه العملية ولكن مدى نجاحه ما زال غير مؤكّد.

رابعاً: يقول بعض المُعلّقين الأميركيين القريبين من الإدارة الأميركية، إن العقوبات لا بدّ وأن تطال بعض الشخصيات والأحزاب اللبنانية. وبحسب هؤلاء، فقد تستبعد الإدارة الأميركية، على الأقلّ في المراحل الأولى، شخصيات رسمية لبنانية من الصفّ الأول، أو حتى المُلتصقين بها، ولكنها قد تشمل سياسيين من الصفّ الثاني، ومسؤولين رئيسيين في أحزاب قريبة تقليدياً من سوريا، تترافق مع تكثيف العقوبات على "حزب الله".