السّفير
لماذا
يموت المشاهيرُ فقراءَ
رياض
طباره
Riad Tabbarah
20-01-2015
20-01-2015
English summary at end
عندما توفيت المطربة صباح هبّ الشعب
اللبناني للاشتراك في جنازتها وانطلقت مسيرات الرقص والغناء في الشوارع لأنها، كما
قال البطريرك الراعي، «تركت خلفها رسالة الفرح». كما نعتها كل وسائل الاعلام
المحلية والدولية بما في ذلك محطات التلفزيون العالمية أمثال الــ سي إن إن
والجزيرة والــ بي بي سي (التي اعطتها لقب «ديفا ــ أي بريمادونا ــ الموسيقى»)
وغيرها معلنة أن الفرح رافق صباح الى مثواها الاخير. غير ان صباح التي «ملأت لبنان
ومصر والعالم العربي غناءً وبهجةً وإطلالات فنية، مسرحية وسينمائية، قضت أعوامها
الاخيرة نزيلة فندق بعد أن اضطرت إلى بيع منزلها وأملاكها». يتساءَل المرء أين
كانت هذه الحشود عندما كانت صباح وحيدة في غرفتها؟
ولكن صباح ليست لوحدها بين مشاهير الغناء
أو الفنانين العرب الذين أمضوا السنين الاخيرة من حياتهم فقراء ووحيدين. الكل يذكر
ليلى مراد المطربة الكبيرة والنجمة السينمائية التي مثلت الى جانب عمالقة السينما
المصرية أمثال محمد عبد الوهاب ويوسف وهبي وأنور وجدي وغيرهم خلال العقود المحيطة
بمنتصف القرن الماضي. ليلى مراد تعرضت آخر حياتها لشائعات تتعلق بأصولها اليهودية،
ثبت عدم صدقيتها، ولكنها برغم ذلك أمضت سنواتها الاخيرة فقيرة ووحيدة ومعزولة حتى
وفاتها سنة 1995. وبعد ثلاث سنوات بدأ تكريمها ابتداءً بمنحها شهادة تقدير في
مهرجان القاهرة السينمائي الى إنتاج مسلسل عن حياتها سنة 2009. وهناك الكثير من
كبار الفنانين العرب الذين ماتوا فقراء، منهم فريد الاطرش الذي كان يسكن في آخر
حياته في بيت مستأجر «ورصيده في البنك لا يتعدى الجنيهات القليلة». وكذلك عملاقا
السينما المصرية يوسف وهبي وأمينة رزق اللذين امضيا سنواتهما الاخيرة على معاش
تقاعدي يبلغ 32 جنيهاً في الشهر. أضف اليهم اسماعيل ياسين الذي أضحك الملايين
بأفلامه والذي توفي مفلساً فقيراً تاركاً لابنه ديوناً مالية كبيرة. ورفيق ياسين
في أفلامه، «الشاويش عطيه» رياض القصبجي، الذي لم يترك وراءه ما يكفي لمراسم دفنه
ما اضطر بعض أصدقائه للمساعدة، وعبد السلام النابلسي ومريم فخرالدين وغيرهم
وغيرهم.
وفاة كبار الفنانين مفلسين هو ليس طبعاً
حكراً على العرب. فهناك الكثير من الفنانين الاميركيين مثلاً الذين عاشوا حياة في
غاية النجاح والبحبوحة ولكنهم ماتوا في حالة من الفقر والوحدة. أذكر هنا فقط بعض
الذين أعجبت بهم شخصياً في الماضي أمثال جودي غارلند الممثلة والمغنية والراقصة
التي رقصت مع فْريد أستير الذي وصفها بانها «اعظم فنانة في العالم». هذه الفنانة
الكبيرة التي عملت بنجاح في الفن لأكثر من 40 سنة، ماتت حزينة مدمنة على الخمرة
والمخدرات وفي فقر كبير ولم تكن قد تجاوزت بعد الـ47 عاماً من العمر. ومن منّا،
نحن الذين كنا في سن المراهقة في خمسينيات القرن الماضي، لم يكن ولو لمدة وجيزة
عاشقاً للمثلة هيدي لامار الملقبة «أجمل فتاة في أوروبا» أقلّه بعد ان شاهدها تمثل
دور دليله في فيلم شمشون ودليله مع فيكتور ماتور. هذه المرأة التي حصلت على
الملايين من أدوارها السينمائية في هوليوود «لم تترك لعائلتها سوى ألذكريات».
وللذين أقلّ سناً أذكر المغني ذا الشهرة العالمية سامي دايفس جونيور الذي باع
الملايين من ألبوماته الموسيقية وغنى في أشهر الاماكن حول العالم مات وعليه ديوناً
كثيرة، بما في ذلك ديون للدولة الاميركية، ولم يترك لعائلته أي شيء يذكر سواها.
قد يقول البعض إن هذا لربما هو قدر
المغنين والممثلين لأسباب خاصة بهم ولكن الكثير من المبدعين الآخرين في مجالات
الفن الأخرى وفي قرون أخرى ماتوا بالحالة نفسها. فإن غوغ الرسام الهولندي من القرن
التاسع عشر والذي بيعت أحدى لوحاته سنة 1990 بــ 82.5 مليون دولار (ما يـعادل
اليوم حوالي 150 مليون دولار) لم يبع خلال حياته سوى لوحة واحدة وكان يتكل على
أخيه لمعيشته. هذا الرسـام الكبــير مـات فقـيراً لا يملك شيئا سوى رسـومه وكـــان
يشتــكي من عدم قدرته على بيعها قائلاً: «إنني لا أستطيع أن أغيّر الحقيقة بأن
رسومي لا تباع. ولكن سيأتي يوم سيدرك الناس فيه أنها تســاوي أكـثر من ثمن الدهان
المستعمل فيها». أما زميله وصديقه الرسام الفرنسي تولوز لوتريك الذي خلد برسومه
حياة المسرح في باريس، وخاصة الـ مولان روج، فهو الآخر مات يشكو من الكآبة، مدمنا
على الشراب، بحالة فقر مدقع ومريضا بالسيفيليس.
أسباب خاصة
أسباب خاصة
فرانز شوبرت الموسيقي الكلاسيكي الشهير
مات شاباً في ثلاثينيات العمر كما فان غوغ، وكما هذا الاخير لم يجد تقديراً
لأعماله خلال حياته حيث كانت أعمال بيتهوفن وباخ تطغى على كل ما حولها. حفلته
الموسيقية الاولى والاخيرة كانت ناجحة سمحت له أخيراً أن يشتري بيانو خاصاً به.
ولكن صحته كانت في تراجع سريع فمات بعد أقل من ثمانية أشهر قبل أن يستطيع أن يجني
ثمار نجاحه.
هناك الكثير أيضاً من الكتّاب الكبار
العالميين ماتوا فقراء أو مطمورين . إدغار ألن بو الكاتب والشاعر المعروف الذي
بيعت الملايين من كتبه بعد وفاته حاول في حياته أن يعيش من أدبه ولم يفلح فمات
فقيراً. أوسكار وايلد مؤلف قصة «صورة دوريان غراي» الشهيرة والعديد من القصص
والتمثيليات المعروفة عاش سنين حياته الاخيرة في باريس يدور في طرقها وينفق القليل
مما لديه من مال على الخمرة وكان يقول لأصدقائه إنه سيموت كما عاش بأكثر من قدرته (beyond his means) وهكذا كان.
هذا غيض من فيض، فالكثير الكثير من الكبار ماتوا فقراء وحيدين. فصباح هي واحدة من هؤلاء الكبار الذين أعطوا العالم سروراً وبهجة ولم يستطيعوا أن يكملوا الطريق الى آخرها ليموتوا بالوقار والجلال الذي يستحقون. لكل واحد منهم قصته الخاصة وأسبابه الخاصة. صباح انفقت الكثير من الثروة التي جمعتها على أقربائها وأصدقائها من دون حسيب أو رقيب. جودي غارلند كانت مزواجة تزوجت خمس مرات وطلقت أربع مرات وانتهت مدمنة على الخمرة والمخدرات. هيدي لامار هي الاخرى كانت مزواجة، تزوجت وطلقت ست مرات، كان كل طلاق يكلفها مبالغ كبيرة من المال. فان غوغ وشوبرت وإدغار ألن بو ماتوا فقراء لأن الناس لم تقدر قيمة اعمالهم خلال حياتهم. تولوز لوتريك ولد مريضاً بمرض في عظامه مما جعله قصيراً لا يتجاوز طوله متراً و 54 سنتمتراً ما قد يكون أحد أسباب كآبته، وكان يمضي الكثير من وقته مع المومسات فمات كئيباً ومريضاً بالسيفيليس. أوسكار وايلد مات فقيراً لأنه كان ينفق من دون حساب ويعيش بمستوى يتجاوز إمكاناته المادية.
هذا غيض من فيض، فالكثير الكثير من الكبار ماتوا فقراء وحيدين. فصباح هي واحدة من هؤلاء الكبار الذين أعطوا العالم سروراً وبهجة ولم يستطيعوا أن يكملوا الطريق الى آخرها ليموتوا بالوقار والجلال الذي يستحقون. لكل واحد منهم قصته الخاصة وأسبابه الخاصة. صباح انفقت الكثير من الثروة التي جمعتها على أقربائها وأصدقائها من دون حسيب أو رقيب. جودي غارلند كانت مزواجة تزوجت خمس مرات وطلقت أربع مرات وانتهت مدمنة على الخمرة والمخدرات. هيدي لامار هي الاخرى كانت مزواجة، تزوجت وطلقت ست مرات، كان كل طلاق يكلفها مبالغ كبيرة من المال. فان غوغ وشوبرت وإدغار ألن بو ماتوا فقراء لأن الناس لم تقدر قيمة اعمالهم خلال حياتهم. تولوز لوتريك ولد مريضاً بمرض في عظامه مما جعله قصيراً لا يتجاوز طوله متراً و 54 سنتمتراً ما قد يكون أحد أسباب كآبته، وكان يمضي الكثير من وقته مع المومسات فمات كئيباً ومريضاً بالسيفيليس. أوسكار وايلد مات فقيراً لأنه كان ينفق من دون حساب ويعيش بمستوى يتجاوز إمكاناته المادية.
لكل قصته. وليس بين هذه القصص قاسم مشترك
سوى أن أصحابها هم من المشاهير. ولكن هناك أيضاً الملايين من غير المشاهير نجحوا
في حياتهم وماتوا فقراء. منهم رجال أعمال ومفكرون وكتاب ومهنيون وأناس عاديون
نجحوا في مرحلة من مراحل حياتهم وفشلوا في آخرها فلم تدم لهم النعم. فهذه ليست
حالة خاصة بالمشاهير. قصص المشاهير نعرفها بسبب شهرة أصحابها وليس لأنها قصص غير
عادية. إنها قصص روتينية تحدث كل يوم ملايين من المرات في جميع أنحاء العالم ولا
نسمع بها لعدم شهرة أصحابها. ليس هناك قاسم مشترك بين كل هؤلاء الناس، أمشاهير
كانوا أم من غير المشاهير، سوى لربما أن هذه هي سنّة الحياة.
:Summary
Why Do Famous People Die Poor
When Sabah, the famous
Lebanese singer and actress, died, the whole Middle East rose to salute her
great achievements. CNN called her the “Diva of Music.” But Sabah died in a
hotel room where she was spending her last days, lonely and poor
But Sabah wasn’t the
only Arab artist to die poor. Some of the most famous did too, including Leila
Mourad who was also a very famous singer
and actress in her days as well as Farid al Attrash, one of the all-time greats
among Arab composers and singers, the two giants of the Egyptian theater and
movies, Youssef Wehbi and Amina Rizk, and the king of film comedy Ismail Yassin
and his partner Riad Kassabji.
Famous artists dying
poor does not apply only to Arab artists. Many American and European artists
died poor and lonely. Judy Garland who acted in movies for over 40 years and
was dubbed by Fred Astair, with whom she danced in musical, as the “greatest
artist in the world,” died dejected and addicted to drugs and alcohol. Who
among those of us who were teenagers in the fifties didn’t fall in love with
Hedy Lamarr, the actress who was called “the most beautiful girl in Europe”, at
least after seeing her in the role of Delilah next to Victor Mature. Fewer perhaps
know that she died broke. For the slightly younger generation, we could mention
Sammy Davis Junior whose albums sold in the millions and who also died indebted
to many including the U.S. government. Too many artists fell in this category
to try to mention here.
But this is not only
the fate of artists. Vincent van Gogh, the 19th Century painter
whose one of his self-portraits was sold in 1990 for $82.5 million and who used
to complain that his paintings do not sell, died poor and dejected. He was
joined in this fate by his friend the French paiter Toulouse Lautrec who made
famous the night life of Paris, especially the Moulin Rouge. Franz Schubert had
one successful concert in his life that allowed him to buy his own piano but
died eight months later. These great artists were joined in their fate by great
writers like Oscar Wilde who used to tell his friends that he will die like he
lived “beyond his means.”
Each one of these
greats had his own story. Sabah spent her money on her extended family and
friends. Hedy Lamarr married and divorced six times each time costing her a
part of her fortune. Van Gogh and Schubert died poor because their work was not
appreciated during their lifetime. Lautrec had congenital bone problems which
probably caused his very short stature (1.5 meters) and spent great deal of
time with prostitutes and died of depression and Syphilis.
So each one of these
greats had his particular story. Nothing in common among them except that they
were all famous. But there are millions of non-famous people who also made
fortunes during their lives and died poor and dejected but we do not hear of
their stories because they are not famous. So there is nothing in common among
all these people, whether famous or not famous, except perhaps that this is one
of the rubrics of life.
Riad Tabbarah
No comments:
Post a Comment