الخميس، ٢٨ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٦
روسيا في سورية... حكاية الأهداف والحدود
English summary at end
رياض طباره
عندما تسلّم الرئيس فلاديمير بوتين حكم
روسيا، أراد أن يعيد إليها مجدها أيام الاتحاد السوفياتي الذي وُصِف انهياره بـ
«أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين». محاولاته الأولى كانت في سبيل إنشاء
الاتحاد الأوراسي ليضم كل الجمهوريات التي، مع الاتحاد الروسي الحالي، كانت تشكل
الاتحاد السوفياتي. المواجهة التي حصلت في أوكرانيا أوصلته إلى العقوبات
الاقتصادية المؤلمة التي فرضتها الدول الغربية على بلده.
توقف الحلم الأوراسي موقتاً بعد أن وصلت الأمور إلى حافة الهاوية، وجاء دور تأمين موطئ قدم في البحر المتوسط الذي يعتبر ضرورياً لروسيا كدولة عظمى. كانت للاتحاد السوفياتي في ذروته أربع دول صديقة، بل حليفة حول المتوسط: الجزائر وليبيا ومصر وسورية. لم يعد لروسيا اليوم سوى القاعدة البحرية الصغيرة قرب طرطوس التي ورثتها من الاتحاد السوفياتي، لذلك فلا مجال للتخلي عنها بل يجب تثبيت موطئ القدم هذا وتوسيعه إذا أمكن.
القوة الوحيدة التي تستطيع الوقوف في وجه
هذا التوجه هي طبعاً الولايات المتحدة. لكن أميركا كانت تحاول الخروج من حربين
مكلفتين وغير محسومتين، في العراق وأفغانستان، عندما تولى رئاستها باراك أوباما
الذي وعد حينذاك أن يسحب جيوشه من هاتين الدولتين. كانت الثورة اندلعت في سورية في
آذار (مارس) 2011، وتحولت إلى ثورة مسلحة بعد نحو أربعة أشهر، لكن الرئيس أوباما
سحب جيشه من العراق في آخر العام نفسه قبل أن يقضي بالكامل، بمساعدة عشائر الصحوة،
على ما كان يسمّى حينذاك «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق»، إذ كان ما زال لدى
التنظيم حوالى 700 مقاتل. الفوضى في سورية سمحت للتنظيم بإعادة ترتيب صفوفه بقيادة
أبو بكر البغدادي. بقي أوباما يتفادى التدخُّل في سورية لأربع سنوات على رغم نصائح
كبار معاونيه وأجهزة استخباراته بضرورة حل النزاع في سورية قبل أن يدخل تنظيم
«القاعدة» إليها ويتمدّد فيها. خلال هذه المدة، أعلن أبو بكر البغدادي «الدولة
الإسلامية في العراق والشام (داعش)» في نيسان (أبريل) 2013، ومن ثم «الخلافة» في
حزيران (يونيو) 2014.
لم يغيِّر أوباما موقفه إلا بعد نشر الفيديو حول ذبح الصحافي الأميركي جايمس فولي في 19 آب (أغسطس) 2014، وانقلاب الرأي العام الأميركي لمصلحة التدخُّل، فبدأ، مع تحالف شبه صوري، شن غارات على مواقع «داعش» في سورية والعراق. كان من ضمن الخطة التي أعلنها تدريب سوريين لمحاربة «داعش»، ولكن من دون التعرُّض لجيش النظام السوري. فشلت الخطة في تدريب الكوادر الفاعلة فصُرف النظر عنها بعد سنة بينما نجح التنظيم في هذه الأثناء، على رغم غارات التحالف، بالتوسع، ليصبح لديه ما يقدّر بمئة ألف مقاتل وليحتل مساحة تقارب مساحة بريطانيا يقطنها أكثر من 10 ملايين نسمة.
في هذه الأثناء، بدأت العمليات الإرهابية
الكبيرة في أوروبا وأميركا، إما من جانب التنظيم مباشرة أو بوحي منه، ما نشر الرعب
في هذه الدول. تزامن ذلك مع تدفُّق مئات الآلاف من المهجّرين السوريين والعراقيين
وغيرهم إلى أوروبا مخترقين حدودها. وبما أن الغالبية الساحقة من المهجّرين هم من
المسلمين، تفاقمت الإسلاموفوبيا وزادت من اضطراب هذه الدول إلى حد الهستيريا في
بعض الأحيان، كما شهد مثلاً بعض الحملات الانتخابية الحالية في الولايات المتحدة،
أو النجاح المفاجئ لبعض الأحزاب المتزمتة في الانتخابات الأوروبية.
أوروبا مرتعدة من الإرهاب وترزح تحت وطأة
الهجرة التي لا تعرف كيف تتعامل معها، وأميركا من دون استراتيجية ناجحة أو مقنعة
في محاربة «داعش»، شكّلتا التقاطع المثالي لتدخُّل روسيا آخر أيلول (سبتمبر)
الماضي في الحرب القائمة في سورية. السبب المعلن كان مساندة النظام ومحاربة
الإرهاب وعلى رأسه تنظيم «داعش». مساندة النظام لأن سقوطه قد يحرم روسيا من موطئ
القدم الأخير لها في البحر المتوسط، ومحاربة التنظيم لتطمين أوروبا المرتعدة
وأميركا المترددة، لذلك لم يلق هذا التدخُّل أية مقاومة من هذه الدول.
لا شك في أن الهدف الرئيسي للتدخل
الروسي، أقلّه حتى اليوم، هو تثبيت موطئ القدم في سورية والتأكد من استدامته.
الإشارة الأولى إلى ذلك هي القواعد
المستحدثة في منطقة الساحل السوري. فبإضافة إلى توسيع القاعدة البحرية في طرطوس،
هناك قاعدتان جديدتان هما في طور البناء شمال اللاذقية، إضافة إلى قاعدة شعيرات
قرب حمص التي شارفت على الاكتمال. وفي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي صرّح الجنرال
أندريه كارتوبولوف، نائب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، لجريدة
«كومولسكايا برافدا»، أن القيادة تدرس إنشاء «قاعدة تشمل مكونات بحرية وجوية
وأرضية».
الإشارة الثانية هي الاتفاق بين
الحكومتين الروسية والسورية الموقّع في 26 آب الماضي الذي يؤمّن الوجود، إلى أجل
غير مسمى، للقوات المسلحة الروسية في سورية وحريتها واستقلاليتها الكاملة، كما
يمنع الدولة السورية من الدخول إلى المواقع العسكرية الروسية المستحدثة إلا بإذن
من المسؤولين الروس.
أضف إلى هاتين الإشارتين أن القصف الروسي
حتى اليوم يتركز على منطقة واحدة ما بين حمص والحدود التركية شمالاً، حيث لا وجود
واسعاً لتنظيم «داعش»، وهو نادراً ما يشمل معاقل التنظيم في محافظة الرقة أو
شرقها. هناك أيضاً تقارير من مصادر عدة ذات صدقية بأن بعض هذه الضربات الجوية
يستهدف مدنيين، ما كثف الهجرة إلى خارج هذه المنطقة. ويعتبر الكثيرون أن هدف القصف
واستهدافاته هو السيطرة الكاملة على المنطقة الممتدة من جنوب دمشق مروراً بالحدود
اللبنانية وصعوداً إلى الشمال في محاذاة نهر العاصي لتشمل حمص وحماة حتى الحدود
التركية. إن تحقيق السيطرة على هذه المنطقة، ستكون له ميزتان أســــاسيتان: من جهة
تعزيز القوة التفاوضية الروسية مع الغرب بخصوص الحل النهائي، ومن جهة أخرى إجبار
الغرب على الانضمام إلى روسيا في ائتلاف لمحاربة «داعش»، إذ لن يكون هناك وجود
فاعل على الأرض سوى لروسيا والنظام من جهة، و «داعش» وأخواته من جهة أخرى.
وأياً يكون الهدف، فمن الواضح أن على
روسيا أن تحققه بسرعة أي خلال أشهر قليلة إذا أمكن. السبب الرئيسي هو أن الاقتصاد
الروسي يئن اليوم تحت وزرين متزامنين: العقوبات الاقتصادية الغربية وانخفاض سعر
النفط. فعندما بدأت العقوبات الاقتصادية في آذار ونيسان 2014، كان سعر برميل النفط
نحو المئة دولار. ولكن، بعد شهرين انهارت الأسعار فانخفض سعر البرميل بسرعة ليصل
اليوم إلى 28 دولاراً. قطاع النفط، تجب الإشارة، يشكل ما بين 15 و20 في المئة من
الناتج المحلي الروسي وأكثر من 50 في المئة من موازنة الدولة و70 في المئة تقريباً
من الصادرات الروسية. أما الأرباح الناتجة من صناعة النفط والغاز ومشتقاتهما فتشكل
نحو 98 في المئة من مجمل أرباح القطاع الخاص الروسي وفق صحيفة «موسكو تايمز»
الأسبوعية. ونتيجة لكل ذلك، انخفض سعر صرف الروبل من نحو 35 روبل للدولار في أوائل
علم 2014 إلى أكثر من 80 للدولار عند كتابة هذه السطور، وتضاعف تضخم الأسعار من 6
في المئة إلى ما بين 12 و17 في المئة، وانخفض نمو الناتج المحلي من 1,3 في المئة
عام 2013 إلى ناقص 3,8 في المئة العام الماضي وفق التقديرات الأخيرة.
في وقت سابق من هذا الشهر (في 11 كانون
الثاني - يناير) تكلم الرئيس بوتين في مقابلة طويلة مع صحيفة «بيلد» الألمانية حول
هذا الموضوع قائلاً: «إن العقوبات تضر روسيا بقوة... [لكن] الضرر الأكبر سببه
حالياً التراجع في أسعار الطاقة. نحن نعاني من خسارة خطيرة في مواردنا من النفط
والغاز التي نستطيع جزئياً [فقط] أن نعوضها من جهات أخرى».
لا شك في أن الرئيس بوتين يحسب حساب ما
حصل في الثمانينات في عهد الرئيس رونالد ريغان، عندما انهارت أسعار النفط بسبب
سياسة ريغان الاقتصادية والمالية. انخفض سعر برميل النفط من 85 دولاراً عام 1981
عند تسلُّم ريغان الرئاسة إلى 28 دولاراً عند انتهاء عهده بعد ثماني سنوات، ما
أوصل الخزينة الروسية إلى حافة الإفلاس، وما ساعد بالتالي على انهيار الاتحاد
السوفياتي عام 1991. وعندما أكمل سعر النفط انخفاضه ووصل عام 1998 إلى حدود الـ16
دولاراً، اضطرت روسيا للتخلف عن سداد الديون الداخلية والخارجية. معظم الخبراء في
سوق النفط اليوم يعتقدون أن سعر برميل النفط سيكمل تراجعه، وبعض منهم ينتظر أن يصل
خلال هذا العام إلى 20 دولاراً أو أقل، خصوصاً بعد أن دخلت إيران سوق النفط بقوة
بعد رفع العقوبات ذات الصلة عنها.
إطالة الحرب تضاعف أيضاً الخطر على
التدخل الروسي ولهذا أيضاً جذور تاريخية. ففي السنوات الأخيرة من حرب الاتحاد
السوفياتي في أفغانستان التي دامت من 1979 إلى 1989، كان المجاهدون على وشك
الانهيار عندما قامت أميركا، بقيادة الرئيس ريغان أيضاً، بتسليمهم أسلحة
استراتيجية وتدريبهم عليها، ما أعاد التوازن على الأرض وجعل الرئيس ميخائيل غورباتشوف
يقتنع بأن تلك الحرب أصبحت تشكل مستنقعاً للاتحاد السوفياتي يشبه المستنقع الذي
وقعت فيه أميركا في حربها في فييتنام، إضافة إلى وزر الحرب على مالية الدولة
المنهكة كما ذكرنا، فانسحب عام 1989 من أفغانستان، ما ساهم أيضاً في تفكك الاتحاد
السوفياتي بعد سنتين.
إلا أن الرئيس بوتين، كبير الخبراء في نفسية أوباما، يعلم أن أوباما ليس ريغان. فعقيدة ريغان كانت «الاحتواء» وهو أن يلاحق الاتحاد السوفياتي أين ما كان في مواجهة، ومساعدة أعدائه لإنهاكه أو التغلب عليه. هكذا، فعل بنجاح في أنغولا عام 1989 ضد التدخل السوفياتي الكوبي، وكذلك في كمبوديا ضد التدخل الفييتنامي في العام نفسه وطبعاً في أفغانستان. أما أوباما فعقيدته هي الانسحاب من العالم قدر الإمكان وعند الاضطرار «القيادة من الخلف»، وهو بالتالي لا يشكل خطراً محدقاً على التدخل الروسي في سورية. لكن عهد أوباما سيصل إلى نهايته آخر هذا العام، والكل يعلم أن ما بعد أوباما ليس كما في عهده، كان من كان رئيس أميركا المقبل، فأوباما الذي أخذ رقاص الساعة من أقصى اليمين في التدخل الخارجي في عهد بوش الابن، إلى أقصى اليسار، سيخلفه من سيعيد هذا الرقاص إما إلى الوسط إذا كان ديموقراطياً، أو إلى اليمين ثانيةً إذا كان جمهورياً، وفي الحالين ستعود أميركا إلى قيادة الغرب، من الأمام هذه المرة.
ماذا سيحصل خلال هذا العام الحرج؟ هل
ستتمكن روسيا من تحقيق أهدافها بالسرعة المطلوبة أم إن حربها ستطول إلى أن تتغلب
الاعتبارات الاقتصادية فتنسحب عند ذلك؟ هل سيجيء من يسلّح المعارضة بأسلحة
استراتيجية فيحقق الستاتيكو على الأرض ويحول الحرب إلى مستنقع سوري وفييتنام أخرى
أم إن عملية السلام ستصل إلى خواتيمها قبل ذلك ما سيسمح لروسيا بتثبيت أقدامها في
سورية؟ من سيكون رئيس الولايات المتحدة في أوائل العام المقبل وكيف سيتعامل مع
الأزمة السورية إذا طالت إلى ذلك الحين؟ أسئلة لا أحد سوى الوقت يستطيع الإجابة
عنها.
* سفير لبنان في واشنطن
سابقاً.
Russia in
Syria: Its goals and limitations
Putin’s dream of returning Russia to its glorious days of
the Soviet Union and Tsarist Russia began with attempts at the establishment of
a Eurasian Union from Belarus to Kazakhstan and ran into Western economic
sanctions following his intervention in Ukraine.
His second move in that dream was to secure a foot in the
Mediterranean where the Soviet Union had at least four allies (Algeria, Libya,
Egypt and Syria). Present day Russia had only a small naval base in Syria left
there from the Soviet days.
Putin found his chance when the American intervention in
Syria failed to achieve its stated goal to “degrade and ultimately destroy”
ISIS, the terrorist attacks, planned or inspired by ISIS, reached the heart of
Europe and the refugees from the Middle East broke the European barriers in the
hundreds of thousands. A frightened Europe and a frustrated America made the
Russian intervention possible without a major reaction from the West.
Irrespective of the stated purpose of the intervention of
fighting ISIS and terrorism, Russia’s real purpose was to establish a long term
military, if not permanent, foothold in Syria and the warm waters of the
Mediterranean Sea.
One indication of that are the major military bases being
established in the Coastal area of the country. Four of those have either been
established or are at advanced states of completion. Another indication is the
treaty, indefinite in time, signed by Russia and the Syrian government giving
the former complete freedom to establish military bases in Syria closed even to
the Syrian government except by authorization from the Russian military. Add to
this, the pattern of Russian bombing which is concentrated in the western part
of the country which does not have major presence of ISIS, but only rebels some
of whom are supported by the Americans, in addition to the fact that civilians
opposed to the Syrian government have been also targeted causing mass
emigration. Clearing this major population area would give the Russians a
stronger negotiating position regarding the future of Syria, and would create a
situation where the major parties to the conflict would be only them and ISIS
which will force the West to ally itself with them.
It is clear that Russia has to achieve its military goals in
a relatively short period of time, mainly because of its deteriorating economy
due to the Western sanctions and, more particularly, to the falling price of
oil, from around $100 to the barrel in 2014 to around $28 presently. The oil
sector, it will be recalled, constitutes between 15 and 20% of Russian GDP,
some 50 % of the government budget, and around 70% of all exports. And,
according to the Moscow Times, it constitutes also some 98% of all the profits
made by the Russian private sector. As a result, the exchange rate of the Ruble
fell from 35 to the U.S. dollar in 2014 to more than 80 to the dollar now. In
the meantime, inflation rate rose from 6% to between 12 and 17%, and the GDP
growth fell from a positive 1.3% in 2013 to minus 3.8% last year.
Earlier this month Mr. Putin admitted in an interview to a
German newspaper that the sanctions and the fall in oil prices are “strongly
harmful to the Russian economy” and cause a “dangerous loss of resources that
cannot be made up by other sources except partially.” Mr. Putin no doubt
remembers how the previous dramatic fall in oil prices in the 1980s contributed
strongly to the dissolution of the Soviet Union in 1991 and a default in debt
payments in 1998.
A long war also carries the danger of American intervention
similar to that by president Reagan in the late 1980s in the Soviet war in
Afghanistan which ended in creating a quagmire situation for the soviet army
there similar to the American’s in Vietnam and led to a hasty withdrawal by
Gorbachev which many believe also contributed to the fall of the Soviet Union.
Putin, who is considered a specialist in Obama’s psychology, knows of course
that Obama who wants to lead the West from behind is not Reagan who was intent
on the “containment” of the Soviet Union, but knows also that what comes after
Obama next November U.S. elections is not the same as Obama either. A democrat
will bring bag the pendulum to the center while a Republican to the right but
both will take back the leadership of the West, this time from the front.
No comments:
Post a Comment