الثلاثاء - 28 آذار 2023
ألنهار
عودة العلاقات بين السعودية وإيران: خلفيتها ومحتواها
رياض طبارة[1]
بدأت المحادثات
بين الدول الخمس زائد واحد مع إيران حول برنامجها النووي سنة 2003 واستغرقت 13
عاماً للوصول إلى اتفاق وقّعه عن أميركا الرئيس باراك أوباما في تموز سنة 2015. لم
يكن الاتفاق شعبياُ في الكونغرس الِأميركي، حتى بين الديموقراطيين، أي حزب أوباما
نفسه. كانت حجة المعترضين أن الاتفاق غير كامل وغير متكافئ. أهم الإعتراضات كانت
ثلاثة: أولاً أن الاتفاق ينتهي سنة 2030،
ما سيسمح لإيران بمعاودة نشاطاتها النووية بعد ذلك، وثانياُ أنه لايشمل أي لجم
لبرنامج إيران الصاروخي والباليستي، الذي يعتبره المعترضون بخطورة البرنامج النووي
وثالثاً، وبالأخص، أن الاتفاق لا يلحظ أي حظر على ما يعتبرونه أنشطة إيران في دعم
الإرهاب، ودعم الميليشيات المتحالفة معها في المنطقة، كالحوثيين في اليمن، والحشد
الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان أي باختصار ما سمي علاقة إيران بدول الجوار.
واعتبر المعترضون أن رفع العقوبات المتعلقة ببرنامجها النووي سيعطي إيران مليارات
من الدولارات ما سيسمح لها بزيادة دعمها للميليشيات المذكورة وزيادة أنشطتها
الإرهابية. وقّع أوباما الاتفاق رغم ذلك، ورفع عن إيران العقوبات المتعلقة
ببرنامجها النووي في كانون الثاني سنة 2016، وكانت حجته أن هذه النواقص المهمة
ستشكل مراحل لاحقة للاتفاق النووي. انتهت ولاية أوباما الأخيرة بعد سنة ولم يحصل
أي اتفاق جديد رغم محاولاته ولكن ضرورة توسيع الاتفاق ليشمل البنود الثلاثة
المذكورة بقي سياسة الإدارة الأميركية حتى يومنا هذا.
سياسة ترامب، وريث أوباما في منصب الرئاسة
الأميركية، كانت أن انسحبت أميركا من الاتفاق في أيار سنة 2018 وإعادت العقوبات، وزادت
عليها عقوبات أكثر إيذاءً ضمن سياسة سمّيت سياسة "الضغوط القصوى" (maximum
pressure) تهدف إلى جلب إيران إلى طاولة المفاوضات ضعيفة، ومستعدة أن تقبل
بشروط أميركا في توسيع الاتفاق. ولكن إيران لم ترضخ. حاول الرئيس
جو بايدن منذ انتخابه في كانون الثاني سنة 2021 العودة الى االمفاوضات دون جدوى
حتى اليوم إذ بقيت عقدة توسيع الاتفاق هي المعضلة الِأساسية.
خلال
السنوات الثلاث التي تلت انسحاب أميركا من الاتفاق، وفي ظل ارتفاع في درجة التوتر
في المنطقة، خاصة بين إيران والمملكة العربية السعودية، تطورت قناعة لدى الدول
الغربية المعنية بأن موضوع علاقة إيران بدول الجوار، بما في ذلك دعمها للميليشيات
العاملة في هذه الدول، لا يحل بغياب تمثيل ما لهذه الدول في المحادثات حول
الموضوع. طرحت يومها فكرة مشاركة المملكة العربية السعودية في اجتماعات فيينا ولكن
الفكرة لم تجد الرضا المطلوب بسبب معارضة
إيران وعدم حماسة بعض الدول المفاوضة. في النهاية، وبعد أخذ ورد تقرر فصل
المفاوضات إلى شقين: الشق الدولي في فيينا يعنى بالامور المتعلقة بالبرنامج النووي
الإيراني تحضره الدول السبع المعنية وشق إقليمي يبحث بعلاقة إيران بدول الجوار
ولاسيما وضع الميليشيات المدعومة والممولة من قبلها. وهكذا كان. ففي نيسان 2021
أعلن "فجأة" عن بدء محادثات مباشرة بين المملكة وإيران في بغداد.
هذان
المساران من المفاوضات، المسار الدولي والمسار الإقليمي، هما تؤمان، منفصلان من
حيث المحتوى ومتناغمان من حيث التوقيت، ومن الصعب أن يصل أحدهما إلى نهايته دون أن
يكون الثاني وصل أيضاً الى نهايته أو أشرف عليها. بمعنى آخر، لن ترفع العقوبات عن
إيران قبل أن يحصل اتفاق على دور الميليشيات المتحالفة معها.
لذلك
فاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإيران ليس سوى خطوة أولى في المسار
الإقليمي لا بد أن تتبعها خطوات أخرى. فالمحادثات المتقطعة بين البلدين خلال السنة
الماضية ستصبح، بعد تبادل السفراء، محادثات رسمية برعاية الصين ومتابعة المجتمع
الدولي.
مؤشرات
عدة تؤكد بأن البند الرئيسي في هذه المحادثات هو علاقة إيران بدول الجوار ودور
الميليشيات المتحالفة معها. أول هذه المؤشرات ظهرت في نص الأتفاق الثلاثي المعلن.
فبعد المقدمة التي تم فيها شكر الأطراف المعنية، وخاصة العراق والصين، وفي الفقرة
الأولى التي تبعتها مباشرة، تعلن الأطراف الثلاثة إن الاتفاق يشمل تبادل السفراء
خلال مدة أقصاها شهرين كما "يشمل التأكيد على احترام سيادة الدول وعدم التدخل
في الشؤون الداخلية للدول." هذا النص ملفت لأنه يتخطى الاحترام المتبادل بين
الدولتين صاحبتي العلاقة، كما تجري العادة
في الاتفاقات الثنائية، الى "سيادة الدول" بشكل عام كما يضع احترام
سيادة الدول هذه في الجملة نفسها التي تعلن استئناف العلاقات الدبلوماسية التي هي
السبب الرئيسي للإعلان ولا يتم ذكر أي شيء آخر يشمله الاتفاق.
وفي إطلالته المتلفزة في 10 آذار، أي مباشرة بعد
إعلان الاتفاق الثلاثي، قال السيد حسن نصرالله، أمين عام حزب الله، في إشارة واضحة
الى موضوع المحادثات السعودية الإيرانية المنتظرة، "إن ثقتنا كبيرة بأن
الاتفاق لن يكون على حسابنا ولا حساب اليمن ولا على حساب المقاومة لأننا نثق بأن
أحد طرفيه، أي الجمهورية الإسلامية في إيران، لا يخلع صاحبه."
لا شك
أن المحادثات بين الدولتين ستكون على مستوى عال وستبدأ سريعاً كما يستدل من دعوة
الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، بعد أيام قليلة من إعلان الاتفاق، للرئيس
الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة المملكة وترحيب الأخير بهذه الدعوة. كما أن جدّية
المحادثات ستكون أكثر من تلك التي سادت المحادثات بين الدولتين التي سبقتها، أي
قبل توقيع الاتفاق، وهذا ما تؤكده تصريحات الجانبين وخاصة تصريح وزير المالية
السعودي محمد الجدعان بأنه سيكون هناك استثمارات سعودية في إيران وأنها قد تأتي "سريعاً جدأً."
ولكن،
هل ستتغير علاقة إيران بدول الجوار (اليمن، البحرين، العراق، وسوريا ولبنان)
ويتغير بالتالي دور الميليشيات في هذه الدول وينخفض مستوى التوتر الداخلي فيها؟
وعلى ماذا ستحصل إيران بالمقابل عدى عن رفع العقوبات الغربية عنها؟ بالنسبة لليمن
هناك دلائل إيجابية: اتفاق مبدئي حول تبادل الأسرى بين الحوثيين والنظام وأنباء
دبلوماسية أميركية مصدرها جريدة وول ستريت جورنال بأن ايران مستعدة لإيقاف
المساعدات العسكرية للحوثيين. ولكن كل هذا لا يبنى عليه سوى أن باب النقاش حول هذا
الموضوع قد فتح على مصراعيه.
كل الدول المعنية رحبت بهذا الاتفاق سوى إسرائيل. حتى أميركا،
التي قيل أنها ممتعضة من كون الاتفاق حصل برعاية الصين، أكدت بأنها ترحب به. أما
إسرائيل فهي تعمل منذ مدة وبجهد كبير لضم االسعودية الى اتفاقات إبراهيم، الى جانب
البحرين والامارات والمغرب، في إطار حلف إقليمي جديد ضد إيران. الاتفاق الثلاثي
خرب عليها إمكانية مثل هذا التحالف، أقله في الستقبل
المنظور، ما شكل صفعة لها ووضع نتنياهو في موقع حرج تجاه المعارضة، حتى اليمينية منها. يقول
رئيس الوزراء الإسرائيل السابق يائير لابيد إن هذا الاتفاق يشكل "انهيارا
للجدار الدفاعي الإقليمي الذي بدأنا ببنائه ضد إيران" ورئيس الوزراء الأسبق،
نفتالي بينيت، اليميني المتطرف، يصف الاتفاق بأنه "نصر سياسي لإيران... وفشل
ذريع لحكومة نتنياهو." أما حكومة نتنياهو، التي أطلق عليها بعض الإعلام
الأميركي إسم "حكومة الكراهية،" والتي تضم متهمين ومدانين قضائيا
ومتهورين سياسياً، فقد كثفت تهديداتها بضرب النظام النووي الإيراني وجر أميركا الى
حرب جديدة. إسرائيل تشكل المطبة الأكثر خطورة في طريق المباحثات السعودية الإيرانية
القادمة.