Thursday, September 5, 2024

On Presidential Debates

 



 

الإثنين 02 أيلول 2024

افكار حول المناظرات السياسية التلفزيونية

دراسات

رياض طبارة

للمناظرات الرئاسية والقيادية، تاريخ طويل وقد استعملت كوسيلة للتعريف بالمرشحين منذ العهدين الإغريقي والروماني وعهود عابرة أخرى. ولكن ما قبل الإنترنت والبث الفضائي ليس كما بعدهما. ففي العهود الماضية كانت مئات من الناس في مدينة تتجمع حول المناظرين للمشاهدة والإستماع أما اليوم فالمشاهدين والمستمعين يعَدّون بالملايين، ومن جميع أنحاء العالم.

المناظرات السياسية هذه، والتي أصبحت تقليداً في معظم بلاد الغرب، بدأت حديثا نسبياً. في فرنسا مثلا كانت أولاها سنة 1974 بين فرنسوا ميتران وجيسكار ديستان وفي إنجلترا سنة 2010 بين رؤساء الأحزاب جوردن براون و دايفيد كاميرون ونيك كلايغ. وفي سنة 2014 حصلت أول مناظرة على مستوى الإتحاد الأوروبي ككل، جمعت المرشحين لمنصب رئاسة المفوضية الأوروبية. ولكن أشهرهذه المناظرات وأقدمها وأكثرها مشاهدة هي المناظرة الرئاسية الأميركية. أولى هذه المناظرات، ولربما أوسعها صيتاً، جرت سنة 1960 بين جون كندي وريتشارد نكسون وأصبحت، بعد مدة، تقليداً راسخاً في الانتخابات الرئاسية الأميركية كل أربع سنوات. عدد مشاهدي المناظرات الرئاسي الأميركية، على شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي حول العالم، يعد بالملايين، وقد بلغ، بالنسبة للمناظرة الأخيرة بين جو بايدن ودونالد ترامب، أكثر من 51 مليون نسمة إضافة إلى مستمعي الإذاعات. العدد الأكبر للمشاهدين، حتى اليوم، يعود للمناظرة بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب سنة 2016 والذي بلغ 84 مليون نسمة. أما إذا أخذنا نسبة المشاهدين والمستمعين لإجمالي عدد السكان بالإعتبار، فلربما تكون الصدارة لمناظرة 1960.

تبين هذه الأرقام مدى أهمية هذه المناظرات بالنسبة لعامة الناس، خاصة وأنها قلبت الأوراق في بعض الأحيان لصالح أحد المرشحين كما سنرى لاحقاً. السؤال هنا ما هي العوامل المؤثرة في هذه المناظرات؟ قبل الجواب على هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى أن فارق نسبة الأصوات بين الرابح والخاسر في الانتخابات الرئاسية الأميركية لا يتعدى عادة بضعة نقاط ولذلك فتحول نسبة ضئيلة من الناخبين من مرشح لآخر تكفي لقلب النئائج.

العوامل المؤثرة في المناظرات ليست، بالمقام الأول، مواقف المرشحين من القضايا المطروحة على الساحة السياسية في حينه، إقتصادية كانت أم إجتماعية أو سياسية. فالمناظرات تأتي متأخرة نسبياُ في الحملات الانتخابية الأميركية بعد أن تكون مواقف المرشحَين وحزبَيهما من كل هذه القضايا أصبحت معروفة لدى الناخبين وقد ردداها مراراً وتكراراً من خلال وابل من الإعلانات السياسية، والمقابلات الإذاعية والتلفزيونية، والمهرجانات الحاشدة. ما يؤثرعلى المشاهدين بوجه التحديد، كما أظهرب التجارب هي، بشكل أساسي، أمور تتعلق إيجاباُ بشخصية المرشح ومنظره، وسلبياً بأخطاء يرتكبها خلال المناظرة.

ففي مناظرة 1960 مثلاً، كان نيكسون قبلها يتفوق على كينيدي في الإستطلاعات بـ 6 نقاط، أي بفارق كبير. وصل نيكسون الى المناظرة يعاني من المرض ولم يكن قد حلق ذقنه ذاك الصباح ورفض أن يخضع للماكياج العادي قبل الظهور على الشاشة. عرض عليه المخرج تأجيل اللقاء فرفض. بالمقابل كان كينيدي حليقاً وكان قد أمضى بضعة أسابيع يتشمس لتسمير بشرته، كما خضع لعملية ماكياج سريعة من قبل فريقه قبل المقابلة. ظهر نيكسون في المقابلة متعباً وهزيلاً بينما ظهر كينيدي كشاب نشط جذاب. يجمع المعلقون على أن فارق المنظر بين المرشحين كان السبب الأساسي في قلب نتائج الاستطلاعات التلفزيونية في اليوم التالي للمناظرة لصالح كينيدي، بينما بقي الفارق نفسه لصالح نيكسون في استطلاعات اليوم التالي الخاصة بالمستمعين للإذاعات.

في بعض المناظرات انقلبت الأمور لصالح أحد المرشحين بسبب كلمة أو جملة قالها المرشح الآخر. فعلى سبيل المثال، في انتخابات سنة 2012، التي تمت المواجهة فيها بين ميت رومني وباراك أوباما، حصلت بينهما مناظرتان، ربح الأولى رومني بوضوح، بحسب استطلاعات الرأي. في المناظرة الثانية، وجواباً  على سؤال عن الفارق في الدخل بين النساء والرجال قال رومني "لدي حافظات أوراق مليئة بالنساء المرشحات لمناصب حكومية" ما اعتبر إهانة للنساء ترددت بشكل كثيف على وسائل التواصل الاجتماعي، وشكلت، حسب معظم المراقبين، السبب الرئيسي في انقلاب الأمور لصالح أوباما.

حتى روح النكتة التي يتمتع بها المرشح تلعب دوراً ً في هذه المناظرات. ففي انتخابات سنة 1984 التي تمت فيها المواجهة بين رونالد ريغان ووالتر موندايل، كان عمرريغان (73 عاماً)، أكبر مرشح للرئاسة عمراً في تاريخ أميركا حتى حينه، عقبة كبيرة في وجه انتخابه، أمام موندايل البالغ من العمر 56 عاماً فقط. في بداية ذلك العام كانت نسبة المساندة الشعبية لريغان قد انخفضت إلى 35 بالمئة. في المناظرة الرئاسية تلك السنة، كان الجميع ينتظر كيف سيدافع ريغان عن عمره المتقدم. وعندما جاء دوره بالكلام قال ريغان:"أريدكم أن تعلموا جميعاً انني لن أجعل من مسألة العمر قضية في هذه الانتخابات. لن أستغل صغر سن منافسي وخبرته المحدودة لإسباب سياسية." ربح ريغان الانتخابات تلك السنة بفارق ساحق. وما زال مقطع الفيديو هذا يشاهد بكثافة حتى اليوم. ما سمح لريغان أن ينهض بهذه السرعة وهذا القدر تلك السنة كان أيضاً، بحسب المراقبين، النمو الاقتصادي السريع الذي تحقق وكذلك تفاعلات تفجير مركز المارينز في لبنان والإجتياح الأميركي لجزيرة غرينادا، كلاهما في تشرين الأول من السنة السابقة.

المناظرات الرئاسية والقيادية لم تعد حكراً على دول الغرب، أي أميركا الشمالية وأوروبا وأوقيانيا، بل انتشرت، ولو بشكل محدود، في دول العالم الثالث. في بعض هذه الدول كانت التجربة ناجحة ما جعلها تتردد دورياً وفي البعض الآخر فشلت بعد التجربة الأولى. من الدول ذات التجربة الناجحة إيران التي انتهت للتو من مناظرتها الثالثة بعد مناظرتي 2013 و2017، والبرازيل التي نجحت في تنظيم مناظرات رئاسية كل أربع سنوات ابتداءً من سنة 2010. ومن الدول التي لم تستطع أن تؤمن استدامة هذا الحدث الدولتين العربيتن التين خاضتا هذه التجربة، أي مصر سنة 2012 بالمناظرة الرئاسية بين عمرو موسى و عبد المنعم أبو الفتوح، وتونس سنة 2019 بالمناظرة بين سبعة مرشحين للرئاسة. نظرة عابرة لهاتين التجربتين تظهر أن استدامة هذه التجربة تتطلب حداً أدنا من الديموقراطية الليبرالية ولا تتعايش مع الأنظمة الديكتاتورية، أو حتى أنظمة ما يسمى دول الديموقراطية اللاليبرالية كما في روسيا والصين والمجر.

هذه الشروط الإساسية للمناظرات القيادية موجودة في لبنان فلماذا لم يدخل هذا التقليد في حياتنا السياسية؟ فلبنان لديه من الديموقراطية ما يكفي وأكثر، وهو بإعلامه الواسع يستطيع أن يتقبل مثل هذه المواجهات المبدئية والكلامية، ولا شك أن شعبه تواق لذلك. ولكن المشكلة تكمن في التفاصيل. فالمناظرات القيادية تتطلب اتفاقاً مسبقاً على شروطها، بدأً من المشاركين فيها وصولا إلى مكانها وزمانها ومدتها وشروط الكلام فيها. ففي بلد لا يجتمع نوابه لأشهر لمناقشة انتخاب الرئيس بسبب خلاف على تسمية الاجتماع حوار أو تشاور، هل سيكون من السهل أو الممكن اتفاق قياداته على شروط المناظرات المعقدة أم سيمضون أشهراً إضافية في نقاشات تزيد الأمور تعقيداً؟ أقول، لننظر إلى الأمور بنظرة تفاؤلية ولنخوض هذه التجربة، ولو لمرة واحدة، لأنها، على الأقل، ستسمح بمشاركة شعبية أوسع في عملية انتخاب رئيس للبلاد.


https://farah.kamaljoumblatt.com/articles/7011

Wednesday, August 28, 2024

كيف استولت إسرائيل على الحكم في أميركا

 النهار

16-07-2024  

كيف استولت إسرائيل على الحكم في أميركا

مبنى الكاببيتول.

رياض طبارة

 

تعود #أصول الصهيونية السياسية، وبالتالي #اللوبي الصهيونيِ، بحسب معظم المؤرخين لهذه الحركة، إلى تاريخ نشر كتاب #ثيودور هرتزل بعنوان "الدولة اليهودية" سنة 1896 و"#المؤتمر الصهيوني الأول" الذي نظمه هرتزل ورفاقه في مدينة بازل السويسرية السنة التي تلتها. أقام هرتزل علاقات وثيقة مع كبار الشخصيات السياسية البريطانية، عارضاً عليهم فكرته في تأسيس دولة يهودية في فلسطين. ركز صديقه اليهودي الروسي حاييم وايزمان على تعميق صداقته مع وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور، كما تقاسمت الزمرة المحيطة بهما الأدوار في التأثيرعلى حفنة من المؤثرين في القرار السياسي. فبريطانيا كانت القوة العظمى عالمياً (الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس)، وبعد الحرب العالمية الأولى، أصبحت سلطة الانتداب على فلسطين.

 

العقبة الكبرى التي واجهتها هذه المجموعة الصهيونية جاءًت من المؤسسات اليهودية داخل إنكلترا. أكبر مؤسستين يهوديتين كانتا في حينه "مجلس نواب اليهود البريطانيين" (the Board of Deputies of British Jews) و"الجمعية الإنجليزية اليهودية" (Anglo-Jewish Association) وكانتا معاديتين للصهيونية، بخاصة فكرة تأسيس دولة يهودية في فلسطين. غير أن المثابرة الشرسة للوبي الصهوني بقيادة وايزمان استطاعت انتزاع موافقة الحكومة االبريطانية على دعم مطلب اللوبي بتأسيس دولة يهودية في فلسطين، مقابل مساندة يهودية لبريطانيا في الحرب العالمية الأولى.

 

جاءت هذه الموافقة، المعروفة بوعد بلفور، بشكل رسالة بتاريخ 2. 11. 1917، موقعة من وزير خارجية إنكلترا آرثر بلفور، موجهة إلى ليونيل والتر روثشيلد، الرئيس الفخري، وأحد كبار الممولين، للحركة الصهيونية، مرسلة إلى عنوان منزله، 148 بيكادللي، هذا نصها:

عزيزي لورد روثشيلد

 تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قوميّ للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر.

بعد الرسالة تكثفت الهجرة اليهودية إلى فلسطين خاصة بعد 1920 عندما أصبحت إنجلترا دولة الإنتداب.

 

بقيت الأمور على حالها حتى أبواب الحرب العالمية الثانية. فبحلول سنة 1939 كانت العلاقة الإنجليزية مع اللوبي الصهيوني قد انقلبت بالكامل إذ كانت بريطانيا في طور تهدأت خاطر هتلر لتفادي الحرب. في تلك السنة حدّت إنجلترا من هجرة اليهود إلى فلسطين بشكل كبير ودبّ الخلاف بين الحكومة البريطانية واللوبي الصهيوني الذي اعتبر بعد ذلك أن "بريطانيا هي عدو اليهود." عندها تحرك الإرهاب اليهودي ضد االإنكليز في فلسطين، وانتظم رسمياً سنة 1945 عندما أسست الوكالة اليهودية في فلسطين المنظمات الإرهابية الثلاث، ألهاغانا والإيرغون وعصابة شترن.

 

نتيجة لهذه المواجهة الصهيونية البريطانية، بالإضافة إلى أفول الإمبراطورية البريطانية وصعود الهيمنة الدولية الأميركية، انتقل الثقل الأساسي للوبي الصهيوني إلى أميركا في منتصف الحرب وإعيدت هيكلته، وأدخلت تعديلات على طريقة عمله، لكي تتناسب أكثر مع الواقع الجديد. فلدى أميركا "ثقافة اللوبي" التي هي غير موجودة في إنكلترا. فبينما يكون ضغط اللوبي في إنكلترا على أشخاص، كما فعل اللوبي الصهيوني بالنسبة لبلفور، يتطلب هذا الضغط في أميركا مؤسسات ضخمة وتمويلاً كبيراً وممنهجاً، خاصة لتمويل الحملات الانتخابية. فالإنتخابات الأميركية تجرى كل سنتين يتم فيها انتخاب كل أعضاء المجلس النيابي (535 عضوا)، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، ورئيس الجمهورية كل دورتين أي كل أربع سنوات. كما يتم معها انتخابات موسعة على مستوى الولايات. وهكذا، فإن أميركا هي في حالة انتخابية شبه دائمة تسمح للوبيات الغنية استعمال الضغوط على المرشحين بشكل دائم.

ثلاث ملاحظات ذات أهمية في هذا السياق: أولاً أن كلفة الانتخابات في أميركا مرتفعة جدا لا يستطيع أن يتحملها المرشح مهما كان ثرياً. انتخابات سنة 2020، على سبيل المثال، بلغ مجموع كلفتها للمرشحين 14 مليار دولار وهذا لا يتضمن كلفة الانتخابات على مستوى الولايات. القسم الأكبر من هذه القيمة يأتي من التبرعات المعلنة وغير المعلنة. ثانياً أن الدراسات الإحصائية بينت أن هناك علاقة، مباشرة وقوية، بين حجم الأموال التي تنفق على الحملة الانتخابية ونسبة نجاح المرشح. ثالثاً أن القوانين تسمح، فعلياُ، بعطاءات غير محدودة إلا إذا كانت من مصادر أجنبية. هذه ألأمور الثلاثة تشكل، بلا شك، جنّة لعمل اللوبيات.

اللوبي الصهيوني، أو ما يسمى اليوم اللوبي الإسرائيلي، أصبح شبكة معقدة من عشرات المؤسسات التي تعمل بشكل منسق للتأثير على سياسة أميركا بكل ما يتعلق بإسرائيل. خمسون من هذه المؤسسات منضوية تحت راية ما يسمى "مؤتمر رؤساء المؤسسات الكبرى الأميركية اليهودية" ومهمتها الرئيسية هي التأثير على السلطة التنفيذية، بدأً من البيت الأبيض وصولاً إلى الوزراء والمدراء في الوزارات، وحتى إلى الموظفين العاديين إذا تطلب الأمر. أشهر منظمة لوبي إسرائيلي هي إيباك (لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية، AIPAC) التي مهمتها االرئيسية هي التأثير على السلطة التشريعية من خلال تمويل حملات الانتخاب للنواب والشيوخ الموالين لإسرائيل، ومراقبتهم والتواصل معهم بشكل يومي، وإغداقهم بالهدايا والخدمات الترفيهية. ولكن جزرة التمويل والمتابعة هذه ترافقهاعصا العقاب للذين يعملون، ولو جزئياً، ضد مصلحة إسرائيل، وقد تصل إلى إنهاء حياتهم السياسية، كما حصل لبعض مشاهير السياسة الأميركية أمثال وليام فلبرايت وأدلاي ستيفنسون وتشارلز بيرسي .

 

إلا أن معظم الذين يخطئون بحق إيباك يعودون عن خطئهم بسرعة ويتقيدون بالتعليمات بعدها بشكل دائم. مثال ذلك هيلاري كلينتون التي، كسيدة أولى في حينه، أعلنت دعمها سنة 1998 لانشاء دولة فلسطينية على حدود 1967. وفي زيارة إلى رام ألله سنة 1999، اجتمعت هيلاري بسهى عرفات. وبعد أن شرحت لها عرفات معاناة الفلسطينيين تحت الإحتلال رق قلب هيلاري فعانقتها وقبلتها على خدها. هذان الحادثان أثارا غضب اللوبي على هيلاري رغم مساندتها التقليدية لإسرائيل. وفي سنة 2000، عندما كانت كلينتون مرشحة لمجلس الشيوخ، وزع اللوبي صورتها تعانق سهى عرفات مع تعليق يقول: "اليهود لا يستطيعون أن يثقوا بكلينتون لحماية أمن إسرائيل." حصلت المصالحة سريعاً بعدها وتخلت هيلاري عن مساندة حل الدولتين والتزمت مواقف اللوبي وأصيحت من أكير الداعمين لإسرائيل. رغم ذلك، قالت قيادية في اللوبي الصهيوني بعد سنوات: "إننا نساند هيلاري ولكننا لا نستطيع أن ننسى قبلتها لسهى عرفات."

 

في مقابلة تلفزيونية في حزيران الماضي قال أحد النواب الجمهوريين، توماس ماسي، أن "كل نائب من حزبه، ما عداه، تُخصّص له إيباك شخصاً كجليس أطفال ((baby sitter يتكلم معه يومياً دعماً لمصالح إيباك ومساندة لإسرئيل. إنهم لا يريدون أي حصان أن يخرج من الإسطبل." وأضاف: "يقول لي بعض من زملائي بصراحة: لقد تكلمت اليوم مع الشخض المخصص لي من قبل إيباك...إن إيباك هو لوبي ذات فعالية كبيرة." يستطيع ماسي قول ذلك دون خوف كبير من اللوبي لأن نسبة كبيرة من الناخبين في المقاطعة التي يمثلها هي من الأميركيين المسلمين والعرب وهو قد انتٌخب حتى اليوم ست مرات وبفارق كبير بينه وبين خصومه. قول ماسي يؤكده رئيس إيباك السابق، هوارد فريدمان، بقوله مؤخراً أن مؤسسته تجتمع مع كل المرشحين للكونغرس وتشرح لهم مشكلة إسرئيل في منطقة الشرق الأوسط وتطلب من كل منهم أن يقدم ورقة مختصرة عن رأيه في العلاقة بين إسرئيل وأميركا لمعرفة موقفه من هذا الموضوع.

 

لا بد من الإشارة هنا إلى أن أكبر منظمة لوبي إسرائيلي ليست يهودية بل تعود الى الإنجيليين وتعمل تحت إسم "مسيحيون متحدون في سبيل إسرائيل" برئاسة القس جون هايجي. من مهام هذه المؤسسة، التي تزيد عضويتها على العشرة ملايين، هي تجميع أكبر نسبة من الإنجيليين الأميركيين، المقدر عددهم في أميركا بأكثر من 90 مليون نسمة، لصالح المرشحين الموالين لإسرائيل ما يعوض عن العدد الضئيل من اليهود في أميركا الذي يصل إلى أقل من 8 ملايين نسمة، أي أقل من 2 بالمئة من عدد السكان. المهمة الأخرى لهذه المجموعة هي الدعاية لصالح إسرائيل والفكر الصهيوني من خلال شبكة إرسال إخبارية واسعة وسلسلة محطات تلفزيونية محلية. كما لا بد من الإشارة إيضاً إلى أن اليهود ألأميركيين يعوّضون، بعض الشيء،عن قلة عديدهم في الانتخابات الرئاسية من خلال وجودهم في الولايات الكبرى ذات الأعداد الوازنة من المندوبين ، وفي الانتخابات التشريعية من خلال النسبة المرتفعة للمقترعين بينهم التي تفوق نسبة الإقتراع بين أية مجموعة إثنية أخرى في أميركا.

 

هذه الهيمنة المتدرجة وشبه الكاملة على السلطتين التنفيذية والتشريعية لا تكتمل بالطبع دون السيطرة على وزارة الخارجية، الركيزة الثالثة في ثلاثية صياغة السياسات تجاه الشرق الأوسط.

 

عند نهاية الحرب العالمية الثانية كانت هناك علاقة صداقة متينة بين أميركا والعرب على المستويين الشعبي والرسمي تكونت ونمت عبر السنين . فعندما استلم هاري ترومان الرئاسة الأميركية وعيّن الجنرال جورج مارشال وزيراً للخارجية سنة 1947، كانت الوزارة بيد ما سمي "الرجال الحكماء،" غالبيتهم الكبرى من "العروبيين" (Arabists)، بما في ذلك مارشال نفسه. في ذلك الوقت لم يكن هناك يهود في أقسام الوزارة المسؤولة عن قضايا الشرق الأوسط. يقول دنيس روس في مقال بعنوان "ذكريات عن حقبة المعاداة للسامية في وزارة الخارجية،" نشره معهد واشنطن سنة 2017، أنه حتى السبعينات "كان هناك فرضية غيرمعلنة، ولكن لا لبس فيها، بأنك إذا كنت يهودياً مثلي فأنت لا تستطيع العمل على قضايا الشرق الأوسط لأنك ستكون منحازاً." (أول وزير خارجية يهودي كان هنري كيسينجر سنة 1973). ويضيف روس بأن الأمور لم تتغير حتى استلام جورج شولتز وزارة الخارجية خلال معظم الثمانينات.

بحلول سنة 1993، أي بعد أربع سنوات فقط من انتهاء عهد شولتز في وزارة الخارجية، كانت الأمور قد انقلبت رأساً على عقب، إذ تم استبعاد العروبيين من تبوء المراكز القيادية في العمل على قضايا الشرق الأوسط في الوزارة واصبح الشرط الأول لملء هذه المراكز أن يكون الشخص مساندأً لإسرائيل. روس نفسه استلم الملف، كمبعوث للرئيس الأميركي للشرق الأوسط، يساعده أرون ميللر، وكان نظيرهما في مجلس الأمن القومي مارتن إندك، وكلهم من اليهود الموالين لإسرائيل. تعاملت شخصياً مع هذا الفريق وكان انحيازهم لإسرائيل متفاوتاً. فإندك، الذي كان قد عمل كمدير الأبحاث في أيباك، كان الأكثر انحيازاً. روس، الذي قال عنه نائبه ميلر وآخرون أنه يفكر ويعمل على أساس إسرائيل أولاً، ترأس جلسات من المفاوضات بيننا وبين الإسرئيليين (13 جلسة) أدارها بحرفية وتجرد. أما ميللر، الحائز على شهادة دكتوراه في تاريخ الشرق الأوسط، فكان، وما زال حتى اليوم في الإعلام، ألأقل انحيازاً والأكثر انفتاحاً والأكثر تفهماً لمواقف الجهتين في الصراع القائم.

 

أما اليوم، فسياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط أصبحت بشكل رئيسي بأيادي ثلاثة أشخاص أساسيين هم الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، إضافة إلى آيموس هوكستين فيما يتعلق بلبنان وإسرائيل. عندما التقى بايدن نتنياهو ومجلسه الحربي في إسرائيل بعد حادثة 7 أكتوبر، قال لهم: "أنا لا أعتقد أن على الشخص أن يكون يهودياً ليكون صهيونياً، فأنا صهيوني." أما بلينكن فقال في المؤتمر الصحفي مع نتنياهو في إسرائيل عند اول زيارة له بعد 7 أوكتوبر: أقف أمامكم ليس فقط كوزير خارجية أميركا بل أيضاً كيهودي." وأخبر الصحفيين عن جده موريس بلينكن الذي هرب من مذابح روسيا، وعن زوج والدته صموئيل بيزار الذي نجا من معسكرات اعتقال. أما هوكستين فهو مولود في إسرائيل، وخدم في جيش الدفاع الإسرائيلي من 1992 إلى 1995 (كانت إسرائيل ماا زالت تحتل الشريط الحدودي) ضمن طاقم دبابة في سلاح المدرعات.

https://www.annahar.com/arabic/makalat/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/328988/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%88%D9%84%D8%AA-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7

Wednesday, January 3, 2024

ما بعد غزة

 


العدد 81

الثلاثاء 02 كانون الثاني 2024

ماذا بعد بعد حرب غزة؟

مقال سياسي

رياض طبارة

لم تنته حرب غزة بعد ولكن ما حصل حتى اليوم غيّر معالم الإستراتيجية الدولية في الشرق الأوسط. فبعد حرب 1973 بين مصر وسوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، بدأت عملية سلام بين العرب وإسرائيل كان نتيجتها اتفاقيتي سلام بين إسرئيل وكل من مصر (1979) والأردن (1994) تبعتها عمليات "تطبيع" سنة 2020 بين إسرائيل و كل من دولة الإمارات العربية، والبحرين، والمغرب والسودان تحت عنوان "إتفاقات إبراهيم." وقبيل عملية حماس في 7 أكتوبر الماضي كان الكلام عن أن عملية تطبيع جديدة ستحصل خلال بضعة أيام بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. هذا التطبيع الأخير، لو حصل، كان سيعتبر بمثابة نهاية للصراع بين الدول العربية وإسرائيل، لما للمملكة من وزن سياسي في المنطقة.

عملية السلام هذه قلبت تدريجياً المعادلة التقليدية للسلام بين العرب وإسرائيل التي كانت، منذ بداية الصراع، تؤكد أن القضية الفلسطينية هي مفتاح الحل وأن لا سلام بين العرب وإسرائيل دون أن يسبقها حل عادل وشامل لها.

 عملية حماس في 7 أكتوبر أعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الصراع العربي الإسرائيلي معلنة أن لا سلام شامل مع إسرائيل دون أن يسبقه حل شامل للقضية الفلسطينية. الدليل على ذلك أن كل تصريحات قيادات الدول الغربية الفاعلة، من جو بايدن إلى ريشي سوناك إلى إيمانويل ماكرون الى أولاف شولتز ، تؤكد تكراراً أن مفاوضات لحل القضية الفلسطينية على أساس الدولتين يجب أن يتبع مباشرة نهاية الحرب على غزة. يقول بايدن في هذا الصدد: "عندما تنتهي هذه الأزمة، ما سيأتي بعدها برأينا يجب أن يكون حل الدولتين."

الكلام عن حل الدولتين قد يكون كلاماً تخديرياً لتهدئة الخواطر العربية، ولكنه سيستجلب إعادة إحياء فكرة الدولة الواحدة التي كان قد اقترحها ياسر عرفات في أول خطاب له في الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1974. ففي هذا الخطاب الشهير قال عرفات: "فلماذا لاأحلم يا سيادة الرئيس...فلنعمل معاً على تحقيق الحلم في أن أعود مع شعبي من منفاي لأعيش... في ظل دولة واحدة ديمقراطية. لقد جئتكم يا سيادة الرئيس بغصن الزيتون مع بندقية ثائر، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي." وكما هو معروف أسقطت إسرائيل غصن الزيتون ومعه حل الدولة الواحدة لتعمل منذ ذلك الحين على إسقاط حل الدولتين من خلال حقائق إستيطانية على الأرض.

أما حكومة نتنياهو، وخاصة المتطرفين فيها أمثال إيتمار بن غفير وبتسئيل سموتريتش، فترفض بشكل حاسم حل الدولة الواحدة أو الدولتين وتحلم باحتلال وبضم قطاع غزة إلى الكيان الإسرائيلي ولربما الضفة الغربية إذا أمكن.

هذه الأفكار الثلاثة ستكون بلا شك الإشكالية الكبرى التي ستواجه المجتمع الدولي بعد حرب غزة.

ولكن ماذا ما بعد بعد حرب غزة؟ ما هي الآثار البعيدة المدى لهذه الحرب المدمرة وجرائم الحرب التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل، على نطاق غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، من إبادة جماعية وتطهيرعرقي وانتهاكات صارخة للقانون الإنساني؟ لا شك أنه سيكون لهذا الزلزال ِآثار ستطبع الجو السياسي الدولي في الأمدين المتوسط والبعيد. هذه منهاِ:

أولاً: نتنياهو والمتطرفون

الضحية الأولى بعد الحرب سيكون بنيامين نتنياهو ورفاقه المتطرفون. الإسرائيليون سيحاسبوا حكومة نتنياهو على عدم حماية الحدود الجنوبية ومقتل وأسر الآلاف وعلى اضطرارها لإخلاء المستوطنات الشمالية وخاصة ضياع هيبة الجيش الإسرائيلي الذي "لا يقهر" ما جعل إسرائيل عرضة لأي هجوم مماثل في المستقبل. حاولت أميركا وحلفائها التعويض عن هذه الحال بتحريك أساطيلها وبناء جسر جوي للمساعدات العسكرية للجيش الإسرائيلي ولكن هذا، إن دل على شيئ، فهو أن إسرائيل لم تستطع بقواها الذاتية مواجهة مكون مقاوم واحد في المنطقة. وبهذا تكون قد اقتربت نهاية نتنياهو السياسية مع رفاقه المتطرفين وقد يأخذوا حياة بايدن السياسية معهم.

ثانياُ: إسرائيل والرأي العام العالمي

جميع إستطلاعات الرأي في الدول الغربية تشير إلى تحول كبير في مدى التعاطف الشعبي مع الكيان الصهيوني، وخاصة بين الشباب، ما يعني أنه قد يكون طويل الأمد. هذا صحيح حتى في ألمانيا وأميركا، البلدان اللذان يساندان إسرائيل في حربها دون تحفظ. في المانيا مثلاً تظهر استطلاعات أجريت في الربع الأخير من الشهر الماضي أن حوالي ثلث السكان فقط يوافقون على سياسة دولتهم تجاه الحرب على غزة، وفي الولايات المتحدة أن أكثر من نصف الناخبين المحتملين لا يوافقون على سياسة الدولة. وهناك انقسامات داخل وزارة الخارجية الأميركية وبين موظفي الكونغرس وصلت إلى حدود غير مسبوقة وصفتها بعض وسائل الإعلام الأميركية بالـ "تمرد".

وكأن المشاعر المعادية للكيان الصهيوني كانت مكبوتة في أميركا وانفجرت فجأة بعد هجوم 7 أكتوبر ثم تعاظمت بسرعة في الأسابيع التي تلته. أغرب انفجار في هذا المجال ما يحدث داخل المجتمع الفني في هوليوود، الذي كان وما زال اليهود مسيطرين عليه. كتّاب ومخرجون وممثلون تكلموا فجأة، وبحدة وصراحة غير مسبوقتين، ضد ما تفعله إسرائيل تجاه غزة والفلسطينيين، ما نتج عنه معاقبات دفعوا هؤلاء ثمنها غاليا. على سبيل المثال،الممثلة الشهيرة سوزان سارندن، تخلت عنها الوكالة التي كانت تمثلها لأنها قالت بأن اليهود في أميركا يشعرون بالقلق على أنفسهم ما يجعلهم يتفهمون ما يشعر به المسلمون الذين طالما تعرضوا لأعمال عنف. الممثلة المعروفة، ميليسا برّيرا، خسرت الدور المقرر لها في فيلم قادم لأنها قالت أن الإعلام الغربي يصطف دائما الى جانب إسرائيل. "لماذا يفعلون ذلك؟ سأترك الجواب لكم." عارضة الأزياء العالمية بيلا حديد قالت مؤخراً أنها تستلم يومياً تهديدات بالقتل بسبب مساندتها للفلسطينيين. وهناك عشرات الأمثال لمدراء شركات وقياديين في المجالات الاقتصادية كما لأشخاص عاديين خسروا عملهم لمجرد أن أسماءهم توحي بأنهم من أصول عربية.

هذه الإنتفاضة، وكمّ الأفاواه المعاكس، وصلا الى الجالية اليهودية نفسها في اميركا والغرب، وحتى داخل الكيان الإسرائيلي. في أميركا مثلاً لم يكن هناك ذكر في الإعلام عن إسرائيل وفلسطين سوى مواقف إيباك (لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية) ومواقف "جاي ستريت" المعارضة له، علماً بان الأخيرة هي أيضاً مساندة لإسرائيل ، ولكنها تؤمن بالحل السلمي للقضية الفلسطينية على أساس الدولتين. منذ 7 أكتوبر تغيرت الأمور وأصبحنا نسمع بمنظمات يهودية معادية للكيان الصهيوني لم يكن الإعلام الأميركي يعطيها أية أهمية أو أية مساحة إعلامية تذكر. أمثال هذه منظمة "الصوت اليهودي للسلام" (Jewish Voice for Peace) المعادية للصهيونية والتي تؤمن بحق الفلسطينيين بدولة على حدود الـ 1967، و"إذا لم يكن الآن" (If Not Now) التي تعمل ضد الفصل العنصري (الأبرتايد) في فلسطين، ومنظمة "نيتوراي كارتا " المؤلفة من اليهود الأرثوذكس في نيويورك، ومنظمة "أكسر حاجز الصمت" (Break the Silence) وغيرها الكثير ممن ينظمون المظاهرات أو يشتركون فيها وأصبحوا من المشاركين المنتظمين في البرامج التلفزيونية ووسائل الإعلام الأخرى.

ثالثاً: ألعداء للسامية والشرخ الديني والإثني.

من أهم نتائج حرب إسرائيل على غزة هو بلا شك التصاعد الهائل في حوادث الكراهية بالبلدان الغربية. في أميركا تقول الإحصاءات أن حوادث العداء للسامية تضاعفت، خلال الشهرين التاليين لـ 7 أكتوبر، ثلاثة الى أربع أضعاف، وهي في تصاعد مستمر. في أوروبا، حيث الكراهية لليهود هي أكثر رسوخا، تصاعدت أيضاً حوادث العداء للسامية الى حدود غير مسبوقة. فبحسب إحصاءات أوردتها مراجع أوروبية موثوقة تضاعفت هذه الحوادث خلال الشهر التالي لـ 7 أكتوبر حوالي 300 بالمئة في النمسا وألمانيا و800 بالمئة في هولندا وأصبحت، بحسب تصريح مسؤول في الاتحاد الأوروبي نشرته صحيفة الـ غارديان مؤخراً، تشكل خطراً وجوديا لليهود في بعض المدن الأوروبية. أما حوادث العداء للعرب والمسلمين التي كانت منتشرة أصلاً في أميركا وأوروبا فهي تصاعدت بدورها أيضاً.

لا بد من الإشارة هنا أن تحديد العداء للسامية يشكل بحد ذاته بداية سجال حاد داخل المجتمع الأميركي. فالإدارة الأميركية في عهد الرئيس ترامب تبنت التحديد الذي طرحته المؤسسات اليهودية سنة 2016 والقائل بأن "العداء لإسرائيل هو عداء للسامية" وقد طور الكونغرس هذا المفهوم حديثا بقرار أعلن فيه أن "العداء للصهيونية هو عداء للسامية" ما قد يشكل مخالفة دستورية (التعديل ألاول حول حرية التعبير) بحسب خبراء أميركيين كثر. ردة الفعل من قبل كثير من المنظمات الحقوقية الأميركية والاكاديميين وغيرهم اشعلت حرباً كلامية بين الإفرقاء المعنيين وصلت الى زعزعة القيادات في الجامعات الأميركية العريقة.

رابعاً: جرائم الحرب

لا شك أن الحرب على غزة ستكون من أكثر الحروب توثيقاً، لوحشيتها من جهة، ولإمكانات التوثيق المتاحة من صور وفيديوهات يسجلها محترفون وفنيون كما عامة الناس. بعض هذا التوثيق يذهب باتجاه دعاوى ضد أعمال إسرائيل التي تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الِإنسانية وإبادة جماعية. بداية لهذه الدعاوى بدأت تظهر حتى قبل انتهاء الحرب ولا شك أنها ستكون مكثفة بعده. المنظمات الحقوقية الدولية، رغم الضغوط التي تتعرض لها من قبل أميركا وإسرائيل وبعض الدول الغربية، أعلنت في تقارير عدة أنها وثقت جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل في حربها على غزة وانها ما زالت في صدد توثيق مثل هذه الارتكابات. كما أعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش وغيرها الشيء نفسه. وقامت بعض المنظمات الحقوقية الفلسطينية بدعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية. وهناك عدد متزايد من العرائض قدمها خبراء حقوقيون للمؤسسات الدولية منها واحدة وقع عليها أكثر من 800 خبير. وكما يذكر جميع المدعين في هذا المجال من السهل إثبات هذه التهم على إسرائيل بناءً على تصريحات كبار المسؤولين فيها التي لا تترك مجالا للشك بأن إسرائيل انتهكت عمداً وبوضوح بنود الاتفاقية الدولية حول الإبادة الجماعية لسنة 1948 وغيرها من الإتفاقات والقرارات الدولية.

ما الذي سيؤمن استدامة الاهتمام العالمي بنتائج الحرب على غزة ومتابعتها بينما حروب إسرائيل على غزة في الماضي لم تدم مفاعيلها طويلاً، على الأقل في الضمير الغربي أو في ذاكرة المجتمع الدولي؟ السبب الأول هو وحشيتها غير المسبوقة وانتهاكاتها الصارخة للمواثيق الدولية والأعراف الإنسانية. وربما الأهم هو أنها حققت تغيراً سريعاً وعميقاً في ثقافة الغرب تجاه القضية الفلسطينية وأصبحت غزة عنواناً للمطالبة بالحرية وفلسطين ورمزاً لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها. والأهم الِأهم هو أنها حركت جيلاً من الشباب في جميع انحاء العالم وهؤلاء هم قيادات المستقبل. قال أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية لمجلة بوليتيكو قبل الهدنة القصيرة الماضية بأن الإدارة الأميركية متخوفة من أن أية هدنة، ولو قصيرة، ستسمح للصحفيين بالإنارة على الخراب الذي سببته إسرائيل ما سينعكس انقلابا في الرأي العام العالمي عليها. وقد بدأت تظهر بالفعل طلائع سيل كبير من الأفلام والوثائقيات بالظهور تتجاوزبكثير ما ظهر بعد حروب إسرائيل الماضية على غزة.

لم تنته الحرب بعد وقد انتشرت الأغاني والأناشيد تمجد مقاومة غزة بلغات الغرب المختلفة، بما في ذلك السويدية ("لتحيا فلسطين ولتسحق الصهيونية") بعضها وصل إلى النجومية بسرعة فائقة. تقول إحداها: "تستطيعون أن تحرقوا جوامعنا ومنازلنا ومدارسنا ولكن روحنا لن تموت ولن ننهزم."