الهجرة وتداعياتها(1)[1]
رياض طباره
يفقد لبنان ما
بين 35000 و 55000 لبناني سنوياً للهجرة غالبيتهم من الشباب
الهجرة أخلّت بالتوازن بين الجنسين مما رفع بشكل ملحوظ نسبة العزوبة بين النساء
الجديد خلال العقدين الماضيين هو كثافة هجرة النساء العازبات للعمل ما أعاد بعض التوازن بين الجنسين في سنين الزواج
السبب الرئيسي
لهجرة اللبنانيين هي للحصول على عمل وتحسين مستوى المعيشة ولكن السبب الأمني يبرز
مع اهتزاز الاستقرار.
نسبة البطالة بين الشباب اللبنانيين عند الهجرة تبلغ حوالي 10 مرات نسبتها بين الشباب اللبنانيين في بلاد المقصد.
ترتفع نسبة الهجرة مع ارتفاع المستوى التعليمي لتبلغ أوجها بين الجامعيين.
الهجرة، وخاصةً هجرة الشباب، تشكل صمّام أمان بوجه ارتفاع مستوى البطالة في لبنان.
تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج تبلغ حوالي 7،5 مليار دولار سنوياً ولكن تحويلات الأجانب العاملين في لبنان الى بلادهم تصل بالمقابل الى حوالي 4 مليارات.
أزفّ الرّحيلُ وحانَ
أن نتفرّقا فإلى اللقا يا صاحبَيّ إلى اللقا
وطنٌ أردناهُ على حبّ العُلى فأبى سوى أن يستكينَ إلى الشّقا
ما إن رأيتَ به أديباً
موسراً فيما رأيتَ، ولا جَهولاً مملقا
مَشَت الجهالة فيه تسحبُ ذيلَها تيهاً، وراح العلمُ يمشي مطرقا
شعبٌ كما شاء التخاذلُ
والهوى متفرّقٌ ويكادُ أن يتمزّقا
لا يرتضي دينَ الآله موفقا بين القلوبِ ويرتضيه مفرِّقا
قيل اعشقوها قلت: لم يبق لنا معْها قلوب
كي نحبّ ونعشقا
أيليا أبو ماضي 1912 مهاجراً الى أميركا
وعمره 23 سنة
|
إن من أهم المواضيع السكانية بالنسبة
للبنان هو من دون شك مسألة هجرة اللبنانيين الى الخارج، وبخاصة هجرة الشباب وهجرة
الكفاءات والأدمغة. غير أن اهتمام الدولة والجهات المانحة لا يترجم الى معلومات
وإحصاءات وبرامج تساعد على مواجهة المشاكل الناتجة عن هذه الهجرة. فالإحصاءات
السكانية القليلة والمتقطعة التي تنتجها الإدارة المركزية للإحصاء والجهات
الإحصائية الأخرى في الدولة لا تتطرق إلا نادراً الى قضايا الهجرة ومعظم المعلومات
المتاحة في هذا المجال تأتي من جهات خاصة تقوم بجمع المعلومات وتحليلها حسب
قدراتها المحدودة، ومن باحثين يهتمون في تحليل هذه المعلومات بحسب تواجدها. أما
الجهات المانحة في مجال السكان فإنها غائبة بشكل شبه كامل عن الموضوع، رغم أهميته
المعلنة. فصندوق الأمم المتحدة للسكان، الجهة الأممية المانحة الرئيسية في هذا
المجال، تركز اهتمامها بشكل شبه كامل على موضوع الصحة الإنجابية وقضايا الجندر والعنف الأسري مهملة
كلياً قضايا الهجرة الخارجية (وحتى الداخلية)، من الناحيتين الإحصائية والتحليلية،
وبالتالي السياسات المتعلقة بها. رغم هذه القيود حاولنا في دراستنا أن نجمع كل ما
هو متاح من معلومات، بشكل أساسي من المراجع الخاصة وتحليلات الباحثين في الموضوع،
للوصول الى صورة أولية لواقع الهجرة ا لخارجية للبنانيين وتداعياتها الإقتصادية
والإجتماعية وحتى السياسية.
حجم الهجرة
الطريقة المباشرة لمعرفة حجم هجرة
اللبنانيين تكمن في مقارنة أعداد القادمين من اللبنانيين مع أعداد المغادرين.
فأعداد القادمين ناقص أعداد المغادرين خلال السنة إذا جاءت سلبية تعطي الحجم
الصافي للبنانيين الذين بقوا في الخارج تلك السنة وإذا جاءت إيجابية فتعني أنّ
الهجرة الصافية هي نحو لبنان. هذه الإحصاءات موجودة تصدرها المديرية العامة للأمن
العام وتنشرها إدارة الإحصاء المركزي ولكنها مشوبة الى درجة لا تسمح باستعمالها. فعلى
سبيل المثال، فإنّ صافي الهجرة، أي عدد اللبنانيين الذين بقوا في الخارج بين سنتي
1995 و1999 (آخر ما نشر) بلغ حوالي 900000 شخص أي بمعدل 180000 شخص سنوياً (!).
لذلك قام بعض الاخصائيين بتقديرات
للهجرة إما بمقارنة نتائج مسحي السكان في سنتي 1997و2004 الذين نفذتهما الادارة
المركزية للاحصاء (شربل نحاس وهذه الدراسة) أو من خلال دراسة ميدانية واسعة لعينة
من الاسة الموجودة في لبنان كما فعل فريق عمل في الجامعة اليسوعية برئاسة شوغيك
كسبريان والتي غطت المدة ما بين 1992 و1997. بناء على نتائج هذه الدراسان نستطيع
القول بان حجم الهجرة الخارجية بلغ ما بين 35000 و55000 نسمة سنوياً خلال
التسعينيات وبداية الالفية الحالية وأنه من غير المنتظر أن يكون المعدل السنوي
للهجرة قد تغير كثيراً منذ ذلك الحين الا لربما بارتفاع بسيط نظراً للحالة الامنية
السائدة.
هجرة الشباب
هذه الهجرة المكثفة طالت بشكل خاص الشباب
وتركزت على البالغين من العمر 20 الى 34 سنة في العام 1997 (الجدول رقم 1). فبينما
كانت تشكل هذه الفئة العمرية أقل من 27 بالمئة من مجموع
السكان، شكلت بالوقت عينه 47 بالمئة من مجموع الهجرة.
من أهم التداعيات الإجتماعية للهجرة هو أنها أصبحت، منذ بداية الحرب الأهلية، أكثر كثافة وتركزت بشكل خاص على الذكور بين الشباب ممّا أخل بالتوازن بين النساء والرجال في سن الزواج. لدى الديموغرافيين في هذا المجال طريقة لقياس ما يسمونه "توافر الأزواج" تتلخص بالمقارنة بين عدد النساء من فئة عمرية معينة مع عدد الرجال من الفئة العمرية التي يتزوجن منها تقليدياً. ففي المدة التي نحن بصددها، أي1997-2004، كان فارق العمر بين الرجال والنساء عند الزواج الأول حوالي 5 سنوات لجهة الرجال كمعدل وسطي ولذلك فقياس توافر الأزواج للنساء البالغات من العمر 20 الى 24 سنة مثلاً يكون بمقارنة أعدادهن مع أعداد الرجال في الفئة العمرية 25-29 سنة.
نتيجة هذه المقارنة تظهر في الرسم رقم 2 لسنة 2004. فبالنسبة للبنات في الفئة العمرية 15-19 سنة هناك 106 رجال من العمر المناسب لكل 100 امرأة بينما بالنسبة للفئات العمرية ما بين 20 و24 سنة هناك 79 رجل في العمر المناسب لكل مئة امرأة، وفي فئتي العمر التاليتين 87 و83 رجل على التوالي. بالمقابل، فإنّ زيادة مدة التعلم عند النساء كما الحالة الاقتصادية الضاغطة وأشياء أخرى جعلت سن الزواج الأول في لبنان يرتفع بشكل كبير في العقود الماضية لكلا الجنسين ليصبح الأعلى في العالم العربي ومن الأعلى في العالم ككل. فبالنسبة للرجال ارتفع سن الزواج الأول من 29 سنة العام 1970 الى حوالي 33 سنة اليوم بينما ارتفع بالنسبة للنساء من 23 الى 29 سنة خلال المدة نفسها.
أحد نتائج هذه الحالة (أي الزواج المتأخر للنساء وانخفاض نسبة الرجال في هذه الأعمار بسبب الهجرة) كانت في ازدياد العزوبة بين النساء في كل أعمار الزواج، ما بين عامي 1970 و1997 فبالنسبة للنساء في الفئة العمرية 20 الى 24 سنة ازدادت العزوبة من 51 بالمئة سنة 1970 الى 74 بالمئة سنة 1997. وبالنسبة للفئة العمرية 20 الى 24 ازدادت العزوبة من 51 بالمئة الى 74 بالمئة. وبالنسبة للفئة العمرية 25-29 تضاعفت نسبة العزوبة بين النساء خلال المدة نفسها فارتفعت من 26 بالمئة الى 50 بالمئة كما تضاعفت تقريباً بالنسبة لجميع الفئات الاكبر سناً ايضاً كما يظهر في الجدول رقم 1.
في أواخر التسعينيات، أصبحت الشابة اللبنانية أكثر تعلماً وأكثر مشاركة في الحياة الإقتصادية وأكثر تحرراً ممّا جعلها تبحث عن عمل – كما زملائها الشباب الى حد كبير- داخل وخارج الوطن فبدأت تتكثف هجرة الشابات للعمل في الخارج، وبخاصة الى الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت. وممّا ساعد على دفع هذه الهجرة، العزوبة المرتفعة بين الشابات المتعلمات اللواتي لم يكن لديهن أسرة وأطفال يمنعهن من االسفر. هذه الهجرة النسائية المتصاعدة للنساء العازبات في سنين الزواج أعادت بعض التوازن بين أعداد الشباب والشابات، ممّا أوقف الإرتفاع في مستويات العزوبة بين الشابات كما يظهر في الجدول رقم 1 عند مقارنة مستويات العزوبة عند النساء لسنتي 1997 و 2004. ورغم أنّ الإحصاءات ذات الصلة غير متوفرة لما بعد هذه المدة فإنه من المرجح أن تكون مستويات العزوبة بين الشابات بدأت بالتراجع بسبب إرتفاع وتيرة هجرة النساء بصرف النظر عن الإرتفاع البسيط الذي يحصل عادة في مستوى العزوبة الإختيارية.
نتيجة أخرى لاختلال التوازن بين الرجال والنساء في سن الزواج التي جاء نتيجة لكثافة وتوزع الهجرة حسب الجنس، ظهر في الإنخفاض الملفت في الفارق التقليدي في سن الزواج الأول بين الرجال والنساء. فبينما كان هذا الفارق ست سنوات سنة 1970 أصبح اليوم أربع سنوات ممّا يخفض أيضاً نسبة العزوبة بين النساء إذ أنّ نسبة توافر الأزواج ترتفع كلما ضاق الفارق بين سنَّي زواج المرأة والرجل.
[للرسوم أنقر على الانترنت:
http://newspaper.annahar.com/article/55457-35000
الجدول رقم 1
نسب اللواتي لم يتزوجن أبداُ حسب العمر
|
|||
2004
|
1997
|
1970
|
ألفئة العمرية
|
94.7
|
94.4
|
86.8
|
15-19
|
73.0
|
74.4
|
50.9
|
20-24
|
49.7
|
49.7
|
25.9
|
25-29
|
30.1
|
30.5
|
14.2
|
30-34
|
20.9
|
21.2
|
10.1
|
35-39
|
17.5
|
13.7
|
7.6
|
40-44
|
12.3
|
9.5
|
6.9
|
45-49
|
الهجرة وتداعياتها(2)
إنّ السبب الرئيسي لهجرة اللبنانيين،
كما ظهر من الدراسات الميدانية، هو السعي وراء "العمل اللائق" كما حددته
منظمة العمل الدولية (ركائزه الثلاث هي الأجر العادل والديمومة والحماية من
الاستغلال) وتحسين مستوى المعيشة بشكل عام. وتحصل بعض الاستثناءات النسبية أحياناً
عندما تتأزم الحالة الأمنية، كما حصل بشكل خاص بعد حرب تموز/يوليو سنة 2006. فحسب
استطلاعات (مدما) في حينه بين الذين كانوا يسعون للهجرة (من خلال طلب تأشيرة أو
الاتصال بأقارب أو أصدقاء للسبب نفسه) فإنّ نسبة الذين صرحوا أنّ الحالة الأمنية
هي السبب الرئيسي لسعيهم الى الهجرة ارتفعت من حوالي 1 الى 2 بالمئة في استطلاعات
ما قبل تموز/يوليو 2006 الى 28 بالمئة في تموز/يوليو 2007 ثمّ انخفضت الى 20
بالمئة في شباط/فبراير من السنة التالية. بالمقابل فإنّ نسبة الذين يعتبرون تحسين
مستوى المعيشة السبب الرئيسي لسعيهم للهجرة فيبلغ عادة ما بين 80 و 90 بالمئة.
حقيقة الأمر هي أنّ المهاجرين هم على
حق في ظنهم بأنّ الهجرة تحسن حالتهم الاقتصادية وإنها على الأقل تخفف بشكل كبير من
نسبة البطالة بينهم. فدراسة جامعة القديس يوسف التي غطت السنين ما بين 1992 و2007
حول هجرة الشباب يستنتج منها أنّ نسبة البطالة بين المهاجرين البالغين من العمر 18
الى 35 سنة لا تختلف كثيراً عنها بين الشباب بشكل عام عند الهجرة ولكنها تنخفض من
حوالي 20 بالمئة بين المهاجرين عند الهجرة الى حوالي 2 بالمئة لهذه الفئة العمرية
من المهاجرين الموجودين في الخارج.
هجرة الأدمغة والكفاءات
وتشير الدراسة نفسها الى أنّ نسبة
مرتفعة (43 بالمئة) من المهاجرين الشباب (18-35 سنة) هم من الجامعيين، 37 بالمئة
منهم من المتخصصين في الهندسة والتكنولوجيا والعلوم و30 بالمئة في الإدارة
والخدمات و13 بالمئة في الطب. كما تبين الدراسة أنّ نسبة الجامعيين الشباب في
المهجر هي أعلى من نسبتهم بين المقيمين وهي في تصاعد مستمر، ما يعني أنّ هجرة
الأدمغة بين الشباب تفوق هجرة الشباب الآخرين وتتزايد. وتؤكد استطلاعات (مدما) هذه
الاتجاهات بين الذين كانوا يسعون للهجرة. فكما هو واضح في رسم رقم 1 فإنّ نسبة
الذين يسعون للهجرة (تموز/يوليو 2007) ترتفع بشكل ملحوظ مع المستوى التعليمي من 23
بالمئة بين الذين وصلوا الى المستوى الابتدائي وما دون الى 47 بالمئة بين الحاصلين
على شهادة جامعية. أضف الى ذلك أنّ الحصول على تأشيرة بين الساعين وراءها هي أعلى
بين الجامعيين منها بين الأقل تعليماً خاصة في المستويين الإبتدائي والمتوسط ما
يعني أنّ نسبة أكبر من الجامعيين تحقق رغبتها بالهجرة.
ومن المؤسف أن
غالبية الشباب المهاجر، بحسب دراسة جامعة القديس يوسف، تقول بانها لا تنوي العودة
الى لبنان إذ تبلغ نسبة هؤلاء 54 بالمئة من مجموع الشباب المهاجرين. وإذا أضفنا
الى هؤلاء فئة المهاجرين الشباب الذين لم يحسموا بعد أمر عودتهم، وهؤلاء يشكلون 22
بالمئة، فإن نسبة الذين ينوون العودة لا يتجاوز 18 بالمئة من مجموع المهاجرين
الشباب في الخارج. ولا تتفاوت هذه النسب بين الفئات التعليمية المختلفة سوى لذوي
مستوى التعليم الابتدائي الذين هم أقل رغبة من الشباب الاخرين في العودة الى
الوطن.
الهجرة والبطالة
لا شك أنّ هناك بشكل عام علاقة بين
النمو الاقتصادي والبطالة والهجرة. فبارتفاع النمو بعد حد معين (حوالي 3 بالمئة في
لبنان) تنخفض البطالة فينخفض معها عدد المهاجرين الساعين وراء العمل في الخارج.
ولكن هذه العلاقة تتعثر إذا ارتفعت فجأة حواجز أمام الهجرة في بلاد المقصد لأسباب
سياسية أو أمنية أو اقتصادية فتخف الهجرة ويرتفع مستوى البطالة. هذا يفسر ما حصل
في مستويات البطالة ما بين 2002 و 2004. فبحسب استطلاعات (مدما) في حينه تبين أنّ
مستويات البطالة ارتفعت فجأة خلال هذه المدة بشكل ملفت بسبب انخفاض الهجرة الى
أميركا وبعض البلدان الأوروبية بسبب حوادث 11 أيلول/سبتمبر 2001 ولكنها عادت الى
مستوياتها الطبيعية بعد ذلك، ما يؤكد بأنّ الهجرة تلعب الى حد كبير دور صمّام أمان
لارتفاع البطالة بمعنى أنه لولا الهجرة لكانت مستويات البطالة في لبنان، التي
تتراوح ما بين 9 و 14 بالمئة في السنوات العادية، أعلى بكثير ولربما تصل الى ما
فوق 20 بالمئة كما حصل في خلال تلك المرحلة، وأكثر من ذلك بكثير بين الشباب
الداخلين الى سوق العمل للمرة الأولى.
الهجرة والتحويلات
تبلغ تحويلات اللبنانيين العاملين في
الخارج حوالي 7،5 مليار دولار سنوياً ما يوازي حوالي 19 بالمئة من مجموع انتاج
اللبنانيين في الداخل، أي الناتج المحلي الخام، (وصلت الى حوالي 26 بالمئة سنة
2004) وما يفوق بـ 75 بالمئة قيمة كل الصادرات اللبنانية. وهذا يساعد الى حد كبير
نمو الاقتصاد اللبناني بشكل عام وما يتعلق بميزان المدفوعات وثبات العملة
اللبنانية بشكل خاص.
غير أنّ هناك نظرة أكثر شمولية لمسألة
التحويلات أي التي تأخذ بالاعتبار أيضاً تحويلات العمال الأجانب في لبنان الى
بلدانهم، أي مستوى التحويلات الصافي. فمستوى تحويلات اللبنانيين الى الداخل
يقابلها تحويلات العمال الأجانب الى الخارج. ولذلك فإنّ مستوى التحويلات الصافي هو
بالفعل أقل من 3 مليارات سنوياً. فرغم ارتفاع مستوى التحويلات الى لبنان من 5،2
مليار دولار سنة 2007 الى 7،5 مليار سنة 2011، فإنّ مستوى التحويلات الصافي بقي
تقريبا على حاله أي حوالي 2،8 مليار دولار بسبب الارتفاع الموازي لتحويلات العمال
الأجانب الى الخارج كما هو ظاهر في الرسم رقم 2. ولذلك فإنّ أهمية المستوى الصافي
للتحويلات للاقتصاد الكلي هي أقل بكثير مما يوحي به مستوى تحويلات اللبنانيين العاملين
في الخارج.
غير أنّ هذا لا يقلل من أهمية تحويلات
اللبنانيين العاملين في الخارج على مستوى الاقتصاد الجزئي أي على مستوى الأفراد
والأسر. فالذين يستلمون التحويلات هم بشكل عام غير الذين يدعمون التحويلات الى
الخارج. فمعظم الذين يستلمون التحويلات هم أسر محدودة الدخل يحصلون عليها من ذويهم
في الخارج بسبب محدودية دخلهم بينما الذين يدعمون التحويلات الى الخارج فهم إما
ميسورون يوظفون الخدم أو مؤسسات توظف عاملين أجانب من مستويات مختلفة وما شاكل.
ولذلك فإنّ منافع التحويلات على مستوى الأفراد والأسر هي أكبر بكثير من منافع
المستوى الصافي للتحويلات على الاقتصاد الكلي علماً أنّ هذه المنافع الأخيرة هي
ذات أهمية لايجب الانتقاص منها.
خلاصة
تختلف الأدبيات كثيراً حول ايجابيات
وسلبيات الهجرة وتتسم في كثير من الأحيان بطابع عقائدي وبالتالي بالنظرة الى
النظام الاقتصادي الذي يجب العمل على تحقيقه ودور الهجرة في هذا النظام. ولكن بصرف
النظر عن هذا النقاش هناك، في المدى القصير على الأقل، حقائق يتفق عليها معظم
العاملين في هذا المجال.
أولاً: إنّ تحويلات اللبنانيين في
الخارج الى لبنان تشكل الى حد كبير شبكة أمان في منظومة الاقتصاد الوطني من خلال
دعم ميزان المدفوعات والاحتياطي من العملات الأجنبية وبالتالي تساعد كثيراً في
تقوية وثبات العملة المحلية وما يتبع ذلك من إيجابيات اقتصادية. هذا لايعني أنه
ليس هناك حاجة لعقلنة هذه التحويلات من قبل الدولة بمحاولة توجيه قسم أكبر منها
الى استثمارات مباشرة في الحركة الاقتصادية أو أهداف تنموية أخرى.
ثانياً: إنّ الهجرة، خاصة هجرة الشباب
الذين يعانون من مستويات مرتفعة من البطالة، تخفف بالطبع من هذه المستويات داخلياً
وتعطي فرصة لهؤلاء لكي يحصلوا على "العمل اللائق" الذي يتناسب مع
تطلعاتهم. هذا لا يستثني هنا أيضاً قيام الدولة بما يتطلب لزيادة الاستثمارات التي
تخلق فرص عمل للشباب ومحاولة إيجاد "عمل لائق" لهم في وطنهم ما سيساعد
في دفع عجلة الاقتصاد وتعزيز السلم الأهلي.
ثالثاً: لا شك أنّ المغتربين
اللبنانيين لا يساعدون لبنان اقتصادياً فقط بل يعطون للبنان حجماً دولياً أكبر من
حجمه السكاني أو الاقتصادي وذلك في مجالات عدة ثقافية وفكرية، ليس أقلها في المجال
السياسي الذي ينعم به لبنان في المحافل الدولية. فلذا فإنّ تفعيل وتكثيف هذا
التواصل، خاصة على الصعيد الرسمي، سيعود بالنفع الكبير على لبنان سياسياً اضافة
الى النفع الاقتصادي والاجتماعي.
رابعاً: بالمقابل فإنّ الهجرة، خاصة
وإنها تتركز بشكل كبير على المتعلمين وأصحاب الكفاءات، تشكل، مبدئياً على الأقل،
هدراً كبيراً في الموارد الاقتصادية. فعلى سبيل المثال فإنّ كلفة تعليم وتدريب
المهاجرين اللبنانيين الى أميركا وأوروبا، كما أظهرت بعض الدراسات، تفوق عشرات
المرات المساعدات الاقتصادية التي تصل الى لبنان من هذه البلدان. ولكن السؤال
يبقى: هل كان من الأفضل أن يبقى الشباب المتعلم في لبنان عاطلاً عن العمل أو يعمل
بغير اختصاصه وبأجر زهيد من أن يعمل في الخارج في عمل يتناسب أكثر مع تطلعاته؟
خامساً: إنّ الهجرة المكثفة، كما ذكرنا
في حلقة سابقة عن الهجرة، تنتج خللاً اجتماعياً ذات تداعيات سلبية. فالهجرة التي
تركزت في الماضي على الشباب الذكور في أعمار الزواج نتج عنها تضاعف في مستويات
العزوبة بين النساء في هذه الأعمار ومافوق كما نتج عنها بالتالي هجرة متصاعدة
للشابات المتعلمات العازبات، خاصة الى الإمارات وقطر والكويت. هذه الهجرة الشبابية
الكبيرة تركت وراءها الكثير من كبار السن المفتقدين لخدمات الأسرة ممّا زاد من
الطلب على مآوي المسنين والعجزة الذي فاض عن قدرة المؤسسات العاملة في هذا المجال.
والازدياد الكبير المنتظر في أعداد كبار السن في السنين القادمة سيضاعف هذه
المشكلة في المستقبل المنظور ما يحتم الاسراع في وضع السياسات العلاجية والوقائية
في هذا المجال.
[للرسوم أنقر علا الانترنت:
http://newspaper.annahar.com/article/56988
<script>
(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){
(i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o),
m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m)
})(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga');
ga('create', 'UA-52552057-1', 'auto');
ga('send', 'pageview');
</script>
[1] نشرت في جريدة النهار على دفعتين في 4 و 11 آب (أغسطس) سنة 2013.
No comments:
Post a Comment