٣ أبريل/ نيسان ٢٠١٥
http://alhayat.com/Edition/Print/8367591/
English Summary at end
ترهيب
المسلمين في شرق آسيا... قصتهم في ميانمار
رياض طبارة
لا شك أن الإسلاموفوبيا منتشرة بين
العديد من الشعوب الغربية ولها جذور تاريخية، وكثيراً ما تترجم إلى إجراءات تعسفية
تصل إلى أعمال عنف ضد المسلمين في تلك الدول. ففي الولايات المتحدة، على سبيل
المثال، تبلغ الاعتداءات على المسلمين، وفق إحصاءات الـ «إف بي آي»، ما بين 100
و150 سنوياً منذ حادثة 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وفي إنكلترا قد تصل إلى أكثر من 500 حادثة اعتداء سنوياً في الوقت الحاضر، وكذلك الأمر بالنسبة الى
دول أوروبية أخرى. غير أن العنف الذي تولّده هذه الظاهرة في الدول الغربية، لا يمثل
سوى نقطة صغيرة في بحر العنف الناتج من الإسلاموفوبيا على المستوى العالمي، خصوصاً
في بلدان شرق آسيا أمثال ميانمار (بورما) وسري لانكا والصين والهند، الذي للأسف لا
ينال التغطية الإعلامية الجديرة به، خصوصاً في الإعلام العربي والمسلم باستثناء
القليل منه.
في ما يلي قصة ترهيب المسلمين في ميانمار.
جمهورية ميانمار (بورما سابقاً) حيث
الغالبية الساحقة والحاكمة تتبع الديانة البوذية (حوالى 90 في المئة من السكان في
التعداد)، لم تكن يوماً مثالاً للتسامح الديني مع المسلمين أوالمسيحيين أو الهندوس
أو أية من الأقليات الـ135 المعترف بها رسمياً. غير أنها، وباعتراف جميع المراقبين
الدوليين، لا تتعامل مع أي منها بالوحشية والعنف اللذين تتعامل بهما مع المسلمين الذين
يشكلون حوالى 5 في المئة (أي 2،2 مليون شخص) من الشعب، وخصوصاً مع المجموعة
الإثنية المسلمة المعروفة بالروهينغيا التي تشكل نصف المسلمين أو أكثر في البلاد،
وتعيش في غالبيتها في شمال ولاية راخين غربي ميانمار.
بعد تظاهرات ومواجهات حصلت بين
الروهينغيا والبوذيين في الولاية راح ضحيتها 300 قتيل و140000 شخص
مهجر، غالبيتهم الساحقة من المسلمين، تكثفت حملة ضد المسلمين عامة ووضعت أعداداً
كبيرة من الروهينغيا في ما يشبه معسكرات اعتقال أو حاصرت قراهم وبلداتهم،
بالاشتراك مع الدولة، وحركات بوذية تباركها الدولة مثل حركة 969 التي تستمد إسمها
من التعاليم البوذية الدينية ويرأسها الراهب البوذي المتطرف أشين ويراثو. حُرم
سكان المعسكرات والبلدات المحاصرة، من الخدمات الطبية التي كان يوفرها «أطباء بلا
حدود» حصرياً، بعد أن طردتهم الدولة من تلك المناطق وقام المتطرفون البوذيون
بالاعتداء على مقراتهم تحت عين السلطات المحلية، كما يقول نيكولاس كريستوف في «نيويورك
تايمز». لا تسمح الدولة بإنشاء مدارس في المناطق التي يسكنها الروهينغيا، كما تحرم
هذه المناطق من الاستثمارات الضرورية لخلق فرص عمل. ويضيف كريستوف: ما
رأيت في حياتي سوء تغذية أوسع مما هو موجود بين الروهينغيا، ولكن في هذه المعسكرات
والبلدات يعود السبب إلى سياسة الحكومة المتعمدة. كما تتعرض الروهينغيا، إضافة إلى
هذا كله، للضرب والتعذيب بين الحين والآخر من السلطات المحلية، وفق افتتاحية حديثة
في الجريدة نفسها.
تقوم الدولة بسنّ قوانين موجهة الى
المسلمين ومجحفة بحقهم، كتلك التي تحرم الزواج المختلط وتحدد عدد الأطفال لأسر
الروهينغيا بولدين لا أكثر. كما سحبت الدولة الجنسية من هذه المجموعة من السكان
على أساس أنها بنغالية (من بنغلاديش) لاجئة في ميانمار، على رغم أن الروهينغيا
تعيش في البلد على الأقل منذ القرن الثامن عشر، والمسلمين في شكل عام منذ القرن
الثاني عشر، كما لم تشمل الروهينغيا في التعداد الأخير للسكان لأن هذه المجموعة
بنظرها أجنبية. يقول رئيس جمهورية ميانمار تين سين: سنرسلهم إلى خارج البلاد. إنهم
في البلاد بصفة غير شرعية، وسنطلب من الأمم المتحدة مساعدتنا للتخلص منهم. أما
الأمم المتحدة فقد أدانت في المقابل مرات عدة معاملة ميانمار للروهينغيا الذين
تعتبرهم مواطنين ميانماريين. ولتبيان الإسلاموفوبيا المتجذرة هناك، نذكر التظاهرات
التي حصلت في البلاد خلال زيارة وفد من منظمة التعاون الإسلامي حديثاً، حملت
شعارات معادية للإسلام.
نتيجة لكل ذلك، يحاول الآلاف من
المسلمين، خصوصاً الروهينغيا منهم، الهرب من ميانمار إلى ماليزيا، مروراً بتايلند،
على أساس أن ماليزيا هي دولة إسلامية قد ترحّب بهم. عشرات الألوف أخذوا هذا
الخيار.غير أن الرحلة إلى ماليزيا مليئة بالمخاطر، في الطريق وبعد الوصول.
تأسست مافيا للتهريب تتنافس فيها شرطة
ميانمار مع مهربي القطاع الخاص. الشرطة تطلب مئة دولار للشخص لرحلة بحرية، بينما
يتقاضى مهربو القطاع الخاص تعرفة أقل وفق «نيويورك تايمز». أما
القلة الميسورة من المسلمين، فباستطاعتهم الحصول على أوراق رسمية وبطاقة سفر
بالطائرة الى ماليزيا، بما يعادل 4000 دولار للشخص لرحلة لا تتجاوز تسعين دقيقة
تكلّف 88 دولاراً للراكب العادي. معظم الأموال هذه، تذهب إلى موظفي الجمارك في
ميانمار.
الرحلة بالبحر قد تنتهي بغرق المركب لثقل
حمولته وقدمه، فخلال السنة الماضية فقط يقدر عدد المفقودين في البحر من الروهينغيا
بألفي شخص. في الطريق كثيراً ما يبيع المهربون حمولتهم لمسؤولي الهجرة في تايلند،
الذين يبيعونها بدورهم لأشخاص آخرين كرقيق (عبيد) ليعملوا في المزارع الكبرى في
تايلند أو على المراكب. أما الذين تسوّل لهم أنفسهم الهرب، فالعقاب صارم يصل وفق
التقارير إلى قطع أربع أصابع من اليد اليمنى.
أما بالنسبة الى الذين يصلون في النهاية
إلى ماليزيا، فكثر منهم يُلقى القبض عليهم ويوضعون في أقفاص في العراء، وآخرون
يباعون لمافيات تعمل في الإتجار بالأشخاص تجبرهم على العمل في مجال الدعارة أو
العمل بالسخرة. بسبب هذه المعاملة، التي يصفها تقرير وزارة الخارجية الأميركية حول
الإتجار بالأشخاص الصادر في حزيران (يونيو) الماضي، قررت الإدارة الأميركية خفض
تصنيف ماليزيا في مجال الإتجار بالأشخاص إلى أقل مستوى (الثالث) أي الأسوأ، ووضعها
في مصاف دول ككوريا الشمالية وزيمبابوي وإيران وغامبيا وغيرها. لماذا يغامر هؤلاء
في تحمّل مخاطر الرحلة؟ الجواب جاء على فم أحد المهاجرين في برنامج عن الموضوع بثّته
قناة «الجزيرة»، حين قال إن الموت السريع خلال الرحلة أفضل من الموت البطيء في
معسكرات ميانمار.
على رغم ما تقدّم، تبقى الدول العربية
والإسلامية صامتة إلى حدّ كبير، وكذلك دول الغرب والمجتمع الدولي عموماً، باستثناء
تحرك خجول للإدارة الأميركية. فهذه الإدارة تثمّن تحول ميانمار السياسي نحوها
وبعيداً من الصين لما لموقعها الجغرافي من أهمية استراتيجية، ولذلك تتعامل مع
مسألة الروهينغيا بكثير من التأني والحذر. وفي خطاب أمام حشد من الشباب خلال زيارة
إلى ماليزيا في نيسان (أبريل) من السنة الماضية، ذكر أوباما أن
«هناك أقلية مسلمة في ميانمار تنظر إليها الغالبية بفوقية، وحقوقها ليست مصانة في
شكل كامل»، من دون ذكر الدور المشين الذي تؤديه تايلند وماليزيا في هذا المجال. في
المقابل، في الخطاب الذي ألقاه أوباما في الكلية الحربية الأميركية في الشهر
التالي، أتى على ذكر الديموقراطية الناشئة في ميانمار كأحد الإنجازات الديبلوماسية
لإدارته، أي من دون الدخول في حرب جديدة. وكانت الإدارة الأميركية دعت رئيس ميانمار
تين سين، الى زيارتها في تموز (يوليو) 2012، مشيدة به خلال الزيارة بأنه «مصلح
جريء» على رغم التظاهرات المعادية للزيارة أمام البيت الأبيض، وعلى رغم أن مذبحة
الروهينغيا تلك السنة لم يكن قد مضى عليها سوى بضعة أشهر.
ولكن، تحت ضغط سلسلة من التقارير التي نشرت
حديثاً، في شكل أساسي في «نيويورك تايمز» بين الصحف الأميركية الكبرى، نتيجة
زيارات قام بها محرروها (أمثال نيكولاس كريستوف وجاين برليز) إلى ميانمار ابتداءً
من أوائل السنة الماضية، اضطرت الإدارة الأميركية بشخص رئيسها، الى التعاطي مع
مسألة الأقليات في ميانمار، خصوصاً الروهينغيا، بشيء من الصراحة وكثير من
الدبلوماسية. فخلال زيارة أوباما إلى ميانمار في تشرين الثاني (نوفمبر) من السنة
الماضية، اعترف الرئيس الأميركي بأن ميانمار قصّرت في تقدّمها نحو الديموقراطية
وتعاملها مع الروهينغيا، قائلاً في مؤتمر صحافي مع أونغ سان سو كي البورمية
الحائزة جائزة نوبل للسلام بسبب نضالها في سبيل الديموقراطية وحقوق الإنسان في
بلدها: «التمييز في المعاملة بالنسبة الى الروهينغيا أو أية أقلية دينية، لا يؤدي
في رأيي في الأمد البعيد إلى نوعية من البلاد تريدها بورما». وعلى ذكر سو كي، تجدر
الإشارة الى أنها ترفض ذكر الروهينغيا في خطاباتها لأنها تأمل في الوصول إلى رئاسة
الجمهورية على رغم الاستياء الواسع دولياً من ذلك، وعلى رغم أن الحكومة تمنعها من
خوض الانتخابات بسبب زواجها من أجنبي.
في الخلاصة، ما زال المجتمع الدولي
صامتاً إلى حد كبير حيال مأساة المسلمين وإلى حد ما الأقليات الأخرى، في ميانمار،
فالإدارة الأميركية التي ألغت عقوبات كانت فرضتها على ميانمار في عهد حكم الجيش
الذي انتهى في آذار (مارس) 2011، ترفض إعادة ولو بعضها للضغط
على حكومة ميانمار، وما زالت الاستثمارات الغربية تتدفق على ميانمار وكأن شيئاً لم
يكن. «إن هذه ليست مأساة مجموعة إثنية مغمورة، هذه مذلّة للحضارة»، يقول كريستوف
في «نيويورك تايمز»، ويضيف: «رئيس أوباما... إرفع صوتك».
* سفير لبنان السابق في واشنطن
Summary:
There is no doubt that Islamophobia is widespread in the
West. In the U.S., for example, FBI statistics show that there was between 100
and 150 assaults a year on Muslims since 9/11 and in the U.K. they reached
around 500 a year recently. But Islamophobia in the West is nothing to compare
with its counterpart in some of the East Asian countries, in particular Myanmar
(Burma), Sri Lanka, China and India but this remains little known because of
the limited coverage in Western media, and particularly in media of Arab and
Muslim countries. Following is the story of terrorizing Muslims in Myanmar:
Myanmar’s population is 90 per cent Buddhist, 5 per cent
Muslim (some 2.2 million) and the rest are Christians, Hindus, or any of over
130 officially recognized ethnic groups. The government treatment of
non-Buddhist groups has never been exemplary but its treatment of Muslims,
particularly the Rohingya, an ethnic group of Bengali origin who compose
approximately half of the Muslim population in the country, has been
particularly savage and violent.
After demonstrations in 2012 during which some 300 persons
died and 140000 were displaced the vast majority of which were Rohigya, the
campaign of discrimination against Muslims intensified: tens of thousands were
placed in concentration camps and the rest found their towns and villages
besieged. Medical doctors, schools and basic investments are not allowed in
these areas and local authorities undertake periodic beatings and torturing of
the people there, as was reported by Nicholas Kristof of the New York Times who
visited the area. In addition, the government has deprived the Rohingya from
their citizenship, and the President, Thein Sein, declared that they are
considered as foreigners (they have been living in the country for centuries)
and that he will ask the United Nations to help get rid of them. But the UN has
condemned on several occasions the way Myanmar treat the Rohingya whom they
consider as Myanmar citizens.
As a result, thousands of Rohingya try to escape to Malaysia
through Thailand, which encouraged the formation of Mafias, specialized in
transporting these illegal migrants for exorbitant fees. The sea voyage is also extremely dangerous. Last
year alone about 2000 perished at sea. Often, those who arrive in Thailand are
sold as slaves to work in the large agricultural estates or on ships. Those who
attempt to escape receive severe punishment that could include the cutting off
of four fingers from the right hand.
As for those who reach Malaysia, many of them are arrested
and placed in inhumane prisons made of cages in the open air or sold to mafias
specialized in human trafficking and end up working in prostitution or for
their food and shelter (as was described in the last report of the US
department of State on Human Trafficking issued last June). For this reason the
US government has placed Malaysia at the lowest level in with regard to human
trafficking together with countries like North Korea, Zimbabwe, Gambia and
others. In answer to the question as to why these Rohingya undertake such a
perilous journey, one illegal migrant said on a television program on the
subject: I prefer to die during the
journey than dying slowly in a camp in Myanmar.
In spite of all this, the United Sates which had lifted in
2011 the sanctions it had imposed on Myanmar during the military rule preceding
that year refuses to reinstate them even partially in spite of demands by some
media correspondents who visited the area (e.g. Kristof and Jane Perlez) and
human rights organizations. American investments are still pouring into the
country. In 2012 President Thein Sein paid an official visit to Washington
during which he was officially hailed as a “courageous reformer” in spite of
demonstrations of human rights advocates in front of the White House and the
massacre of Rohingya earlier that year. Even Aung San Suu Kyi, the Burmese
Nobel Prize winner, refuses to mention the Rohyingya and their suffering
apparently because this would affect negatively her presidential aspirations. “That’s
not a tragedy for one obscure ethnic group;” said Kristof in a recent article
in the New York Times, “it’s an affront to civilization. Please, President
Obama, find your voice.”
No comments:
Post a Comment