الأربعاء، ٢٧ يوليو/ تموز 2016
ما علّمتنا نيس عن الإرهاب
رياض طبارة
English summary at end
فتحت مجزرة نيس الباب لتقييم ما هو
الإرهاب الإسلامي.
محمد لحويج بو هلال مسلم ولكنه لم يكن
إسلامياً ولا متطرفاً. بل عكس ذلك.
أصدقاؤه ومعارفه يجمعون على أن بو
هلال لم يكن يصلي، وكان يدخن ويشرب الخمرة ويأكل لحم الخنزير ويرقص مع النساء
ويلاحقهن. وقال أحد الذين يترددون على الجامع في حيّه في شكل منتظم أنه لم ير
بوهلال يوماً هناك.
في المقابل، كل هؤلاء يجمعون على أنه
كان مضطرباً نفسياً إلى حد كبير، إذ كان يعتدي بالضرب على زوجته وأولاده. وكثيراً
ما كان يفقد أعصابه فيكسر كل ما يجده أمامه وصولاً إلى تقطيع دمية ابنته. طردته
زوجته من المنزل ولم تعد لا هي ولا أولاده يريدون رؤيته، فقرر العودة إلى تونس
مسقط رأسه. سجلّه لدى الأمن الفرنسي يحتوي على حوادث تهديد للآخرين وعنف وسرقة
وتخريب، ولكن ليس فيه أي إشارة إلى التطرف، وفق قول المدعي العام في قضايا الإرهاب
في فرنسا فرنسوا مولان.
على رغم هذه الصفات لشخصية بو هلال
المعروفة للأمن الفرنسي، أصر رئيس الوزراء مانويل فالس، منذ الساعات الأولى، على
أن بوهلال إرهابي إسلامي متطرف و»أنه متصل على الأغلب بالإسلام المتطرف بطريقة أو
أخرى». ويقول فالس في تصريح له في صحيفة فرنسية، كما ورد في الحياة (18 يوليو-
تموز): «إن التحقيق سيثبت الحقائق ولكننا نعرف الآن أن القاتل تحوّل إلى التطرف
بسرعة كبيرة. إن إعلان الدولة الإسلامية مسؤوليتها صباح السبت والتطرف السريع
للقاتل، يؤكدان الطبيعة الإسلامية لهذا الهجوم».
التحول إلى التطرف الإسلامي وتبنّي
نظرة داعش للإسلام، إذا كانا قد حصلا، فطبعاً بسرعة فائقة إذ إن بوهلال كان يشرب الخمرة
خلال شهر رمضان الفائت، بشهادة جيرانه، والشهر الفضيل انتهى في 5 تموز،
وحادث نيس حصل في 14 من الشهر نفسه، ما يعني أن بوهلال غيّر عاداته المتعارضة مع
الدين، واعتنق الأصول الدينية الداعشية المتشددة، وحضّر ونفّذ عمليته، كل ذلك في
أيام قليلة. هذا طبعاً «تحوّل إلى التطرف بسرعة كبيرة».
بصرف النظر عن تصريحات فالس المعروف
بعدائه للمسلمين، أصبح من الواضح أن بوهلال كان «ثائراً» يبحث عن قضية. رجل مضطرب
عقلياً، يائس عائلياً واجتماعياً، يريد أن يقوم بعمل مثير، يبحث عن قضية يبرر فيها
عمله. خلال الأسبوعين اللذين سبقا هجمته، كان يبحث في حاسوبه عن آيات قرآنية، وقد
ملأ الحاسوب بصور مقاتلي «داعش» وأعلام التنظيم، وفي الوقت نفسه بصور قادة
«القاعدة»، عدوّ تنظيم الدولة، أمثال أسامة بن لادن ومختار بن مختار. يشبه في هذا
المجال الرجل المضطرب عقلياً الذي سحق 13 شخصاً بسيارته في مدينة ديجون الفرنسية
عام 2014 وهو مخمور يصرخ «ألله وأكبر». وقـد استنتج التحقيق يومها أن الشخص كان
مختلاً عقلياُ ودوافعه غير متماسكة.
يقول أحد المسؤولين الأميركيين
السابقين في مجال الإرهاب، وهو أستاذ في جامعة دارتموث، إن «داعش» و»الجهاد»
«أصبحا نوعاً من الملجأ لبعض الأشخاص المضطربين اليائسين الذين قرروا أن يفتدوا
حياتهم المفككة من خلال إنهائها في سبيل قضية». وبالتالي، لو لم يكن هناك «داعش»
لكان هناك مراجع أخرى يتعلق بها الثائرون الباحثون عن قضية. ما يعني أن القضاء على
داعش لن ينهي عمليات الإرهاب. واللافت أن الحل المعتمد، كما حصل في فرنسا بعد حادث
نيس، هو في تمديد حالة الطوارئ، وزيادة عديد الشرطة وتكثيف الغارات على «داعش» في
سورية، أي الحل الأمني.
في بعض الأدبيات التي ظهرت بعد حادث
نيس، بخاصة في الصحف الغربية، هناك من فرّق بين «البوهلاليين» والإرهابيين الذين يعملون
في شكل مباشر مع «داعش»، أي الذين على اتصال بقادته ويأتمرون مباشرة
بهم. ولكن إذا تمعنّا في الأمر، لجهة السياسات الناجعة لمحاربة التنظيم، نسأل ما
حقيقة الفارق بين ثائر يبحث عن قضية وثائر وجد القضية؟ كلاهما قد يكون مضطرباً
عقلياً. أو كلاهما قد يكون ثائراً على ظلم حصل له، كالذين يخرجون من سجون التعذيب
الأميركية أمثال أبو بكر البغدادي وبعض رفاقه، أو لأسرته نتيجة «الأضرار الجانبية» التي
يخلفها القصف من طائرات كتلك التي من دون طيار. أو كلاهما قد يكون ثائراً ضد ظلم
حصل لبيئته أو لشعبه. كلاهما وجدا الحل في الالتحاق بتنظيم متطرف ودخلا في دوامة
الإرهاب. لذلك نرى أن هزيمة مجموعة هنا يتزامن مع ولادة مجموعة أخرى هناك، وأن
الإرهاب أصبح حقيقة يجب التعايش معها كما قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، إلا
إذا عملنا على ابتكار سياسات تتعدى قوة السلاح إلى النظر في أسباب كل من هذه
الحالات ومحاولة معالجتها.
عدم الاندماج
جميع الإرهابيين الذين يقتلون
الأبرياء والأطفال أمثال بو هلال ضالون، ولكن ليس كلهم مختلين عقلياً. إرهابيو
«شارلي إبدو» في باريس في كانون الثاني (يناير) 2015، وعملية مسرح «باتاكلان»
في تشرين الثاني (نوفمبر) من السنة نفسها، معظمهم من الفرنسيين المسلمين والأفارقة
من الجيل الثاني أو الثالث، لم يتم دمجهم في المجتمع الفرنسي بعد كل هذه السنين،
يعيشون في ضواحي باريس الفقيرة حيث المساكن متآكلة، ونسبة الجريمة مرتفعة،
والبطالة تبلغ ضعفَي مستواها في البلاد تقريباً (40 في المئة بين الشباب)، وقد
أصبحت أحياؤهم «مجمعات فقر وفصل اجتماعي» وفق مجلة «ذي إيكونومست» البريطانية.
والحال أن إنماء هذه المناطق، الصغيرة
قياساً بجغرافيا فرنسا واقتصادها، ليس أمراً مستحيلاً ولا حتى أمراً صعباً لولا
الإهمال على مَرّ السنين الذي تسانده العنصرية الرسمية. وبالتالي، قوة السلاح
وحدها لن تحل المشكلة.
الإرهاب الذي نشهده في أميركا هذه
الأيام، بالتحديد في ولايتي فلوريدا وتكساس، المتمثل بقتل أفراد الشرطة، له جذور
تاريخية لم تستطع أميركا وعظمتها أن تتعامل معها بالإيجابية الكافية، على رغم مئات
السنين من المحاولة، إذ ما زال السود مواطنين من الدرجة الثانية، يعيش معظمهم في
منازل مهترئة، ومستوى البطالة في صفوفهم هو ضعفا المستوى الوطني، ومعدل الدخل
عندهم يوازي أقل من 40 في المئة من دخل البيض الأميركيين.
وفي فيديو سجله قاتل الشرطيين في
فلوريدا قبل اقتراف جريمته قال: «إن مئة في المئة من الثورات، ثورات الضحايا على
ظالميهم، نجحت من خلال المقاومة، من خلال سفك الدماء. صفر في المئة نجح من خلال
الاحتجاجات فقط. هذه الطريقة لم ولن تنجح أبداً. عليك أن تقاتل. هذه هي الطريقة
الوحيدة التي تجعل هذا البلطجي يتوقف». في هذه الحال أيضاً، يظل إنهاء هذا الإحباط
والشعور بالطريق المسدود هو الخطة الأنجع لإنهاء التمرد والإرهاب المرافق له، وليس
الاتكال المفرط على قوة السلاح.
ظلم الغرب
لكن مشكلة الإرهاب في فرنسا وأميركا
تهون مقارنة بالمشكلة المقابلة في الشرق الأوسط. هنا بدأ ظلم الغرب بعد الحرب
العالمية الأولى بالسخرية والاستهزاء اللذين تجسدا في اتفاقية سايكس بيكو، ومن ثم
في وعد بلفور وتسليم معظم فلسطين لليهود الأوروبيين، على أساس «أرض بلا شعب لشعب
من دون أرض»، وذلك على حساب ملايين من اللاجئين العرب. كما أذاقت فرنسا
الاستقلاليين في الجزائر الأمرّين، إلى أن وصلت الأمور إلى قتل أطفال العراق
بالتجويع نتيجة الحصار الأممي عليه، وأخيراً إلى حروب مفتعلة دمرت العراق وسورية
وليبيا وخلّفت مئات الآلاف من القتلى والجرحى من المدنيين في هذه البلدان، وملايين
اللاجئين، ودمار غير مسبوق. هنا العودة إلى الأسباب ومعالجتها، كحل القضية
الفلسطينية مثلاً، مسألة معقدة تتطلب تفهماً وإرادة سياسية غير موجودين بعد في
اوساط الدول الغربية أو المجتمع الدولي، ما يجعل البديل أن يتعود العالم على العيش
مع الإرهاب المتصاعد، كما نصح فرنسوا هولاند أخيراً.
ما يجب أن نفهمه في هذه الأثناء هو أن
الإرهاب ليس سببه الدين الإسلامي كما يقول البعض، كما أنه لم يكن يوماً بسبب الدين
الكاثوليكي عندما كان الجيش الجمهوري الإرلندي يقتل البروتستانت المدنيين، أو
الدين البروتستانتي عندما كان الكيو كلاكس كلان يحرقون الصلبان أمام منازل السود
في أميركا، أو دين البوذيين الذين يرهّبون المسلمين بطرق غير مسبوقة في ميانمار
وسري لانكا، أو الدين الشينتوي عندما كان الجيش الأحمر الياباني يرتكب أعماله
الإرهابية. لذلك فالقضاء على الإرهاب لن ياًتي من خلال إصلاح الأديان، بل من خلال
اعتماد القوى الفاعلة في العالم سياسات أكثر أخلاقية من السياسات المسماة واقعية
المتبعة حالياً، وذلك بعد اعترافها بالظلم الذي ارتكبته والعمل على إصلاحه.
Summary:
The terrorist incident in Nice
recently has taught us a lesson about Islamist terrorism.
Mohammad Louheij Bouhlel was a
Muslim but not an Islamist. He used to smoke, drink, eat pork and chase women.
He didn’t pray and never was seen at the Mosque of the area where he lived. On
the other hand, he was psychologically disturbed and had an uncontrollably
violent character which caused his wife and children to cut all relations with
him. His French security register contained reference to violence and theft but
nothing that pointed to extremism.
In spite of all this, French Prime
Minister Manuel Valls insisted, after only hours of the crime, that Bouhlel
became an Islamist in a very short period and that the additional fact that
ISIS declared its responsibility for the attack constitute proof of the
Islamist nature of the attack.
Bouhlel, according to friends, was
drinking alcohol during the last Ramadan which ended on 5 July and the attack
happened on 14 July. So if he truly was an Islamist at the time of the attack,
it meant that he became a believer in the ISIS extremist thinking and prepared
and executed his attack all in the span of days, truly a very short time as
Valls said!
From the investigation, it appeared
that Bouhlel had recently placed pictures of both ISIS and al Qaeda leaders in his computer, that is
the two arch enemies fighting war in Syria at present. Apparently he did not
make up his mind who to follow, so he undertook his attack without claiming
allegiance to either side. President Francois Hollande of France announced
that, in response to the Bouhlel attack, France will increase the number of policemen,
extend the state of emergency and intensify the bombing of ISIS, none of which
had any relation to the causes of the crime. As one of the former senior
American terrorism official said: ISIS
and Jihad have become a kind of refuge for persons who decide to end
their desultory lives looking for a cause to make their act meaningful; which,
of course, means that attacking ISIS, which should be done anyway, will not
resolve the dangers posed by the Bouhlels.
But a person searching for a cause
like Bouhlel, and one who has found a cause and has already joined an extremist
group, are practically the same from the point of view of the needed policy to
face them. Both, but not all, might be mentally disturbed. They might have
chosen extremism because they have been tortured in American prisons, for
example, like Baghdadi, the Caliph of ISIS, and his immediate lieutenants or
have lost civilian family members to a drone attack. Or they might be revolting
against major injustice committed against their communities or peoples. And
they found refuge in extremism. This is why suppressing extremism in one place
makes it appear in another, since there is always a cause they can hang their
frustration on. We need, therefore, to deal with the causes and not rely
exclusively on the use of force.
One of the causes, at least in
France, is the fact that some of the Muslim and African communities, which have
been living in France for generations, have not been integrated. They still
live in dilapidated neighborhoods, where the unemployment rate is almost twice
the national average, and crime is rampant. France is big and rich enough to deal
with this problem effectively but has not.
American terrorism by blacks that we
have witnessed recently in the form of killing policemen, is a historical
phenomenon which dates back to the days of slavery. But many blacks still live
in dilapidated areas, their unemployment is also twice the national average and
their average income is less than 40 per cent of the income of whites. Blacks live
often like second class citizens and many of their militants feel that there is
no way out but through violence.
The causes in the Middle East are
more complex. The West has treated this region with disdain, from Sykes Picot agreement
dividing the region into spheres of French/British influence, to the creation
of Israel at the cost of millions of refugees, to the starvation of the
children of Iraq through sanctions, to the destruction of Iraq and Libya and
Syria. Solving the causes in this region, such as the question of Palestine for
example, requires a political will in the West and among members of the
international community that, unfortunately, does not exist at present. As a
result we have to get used to living with terrorism, as President Hollande said
recently.
In the meantime, we have to
understand that terrorism is not caused by the Islamic religion. The same as
the killing of Protestant civilians by the Irish Republican Army was not caused
by the Catholic religion, or the actions of the Ku Klux Klan against blacks
were due to the Protestant religion, nor the unprecedented persecution of the
Muslims of Myanmar by the Buddhists was due to Buddhism, or the terrorist acts
of the Japanese Red Army were due to Shintoism. The elimination of terrorism
will not come through reforming religions, but by having the powerful countries
adopt policies that are more ethical than the extreme “realist” policies of
today, after admitting to the past injustices they have committed and after attempting
seriously to solve their consequences.