http://mktba22.blogspot.com/2017/10/pdf_84.html
إهداء
إلى زملائي الباحثين في القضايا الإنمائية والإنسانية في لبنان، لما يعانون في ملاحقة الرقم الصحيح غير المسيّس.
المحتويات
إهداء
مقدمة
الفصل ألأول: سكان
لبنان يتناقصون ويهرمون
الفصل الثاني:
ألهجرة إلى الخارج: أسبابها وتداعياتها
الفصل الثالث:
الهجرة والمذهب
الفصل الرابع:
ألأسرة اللبنانية تتغير
ألفصل الخامس:
مشكلات صحية حقيقية وأخرى مبالغ فيها
الفصل السادس:
مشاركة المرأة في النشاط الإقتصادي
الفصل السابع:
النمو والبطالة والهجرة
الفصل الثامن:
التعليم
الفصل التاسع:
ألأجور والفجوة بين الجنسين
الخاتمة
هذا الكتاب
هذا الكتاب
ليس دراسة شاملة ومستتمة حول الموارد البشرية اللبنانية. دراسة كتلك هي اليوم شبه
مستحيلة لعدم وجود المعلومات الكافية والموثوقة لها كما حاولنا إظهاره في التمهيد
وفي نص الكتاب كلما دعت الحاجة. إخترنا أن نركز في هذه الدراسة على بعض الإشكالات
الهامة وغير المعروفة عامة، المتعلقة بالموارد البشرية اللبنانية. ولقد حاولنا،
بالنسبة لكل من هذه الإشكالات، إعطاء فكرة ولو مقتضبة عن الطرق الناجعة للتعامل
معها.
لهذا الكتاب
هدفان رئيسيان. الأول هو نشر المعرفة بين القرّاء غير المتخصصين حول أهمية القضايا
المتعلقة بالموارد البشرية والتي بالنهاية تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على
حياتهم ورفاههم وعلى تقييمهم لسياسات الدولة الإنمائية. والهدف الثاني هو تحفيز
الباحثين وواضعي السياسات ذات الصلة على مناقشة هذه الأمور الحيوية وإعطائها ما
تستحق من انتباه لعلّه ينتج عن ذلك بعض التحسن في المعلومات والإحصاءات المتاحة
لوضع سياسات تنموية تتعامل بعقلانية أكبر مع التنمية البشرية الصحيحة.
كل فصل من
فصول هذا الكتاب يبدأ بأسئلة تحت عنوان "هل تعلم" تتعلق بأهم استنتاجات
الفصل وتلخص إلى حد ما الأفكار الرئيسية المطروحة في النص الذي يتبع. فإذا وجد القارئ أشياء لا يعلمها فيمكنه أن يجد
الأجوبة عليها في النص.
لا بد من
القول إن هذا الكتاب الصغير أخذ من الوقت لإكماله أكثر من سنة والكثير من الإحباط.
بعض الإحصاءات الرسمية أخذت أسابيع لحصرها، بسبب مناقضة بعضها للآخر، ولتحديد مدى
دقتها وأسباب الخلل فيها، ولتصحيحها، ما جعلني أفكر بالتوقف عن العمل مرّات عدة
ولكن حب الإستطلاع تغلب كل مرّة على الشعور بالإحباط فولد في النهاية هذا الكتاب.
ألمقدمة
حول حالة الإحصاء في لبنان
من نافل
القول، بسبب التكرار على مدى السنين، إن لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي لم
يقم، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية،
بتعداد لسكانه. فمن أصل 237 دولة ومقاطعة حول العالم، ليس هناك واحدة لم تقم بعد
بتعداد لسكانها منذ استقلالها. وبعد 16
سنة سنحتفل بمئوية هذا الموقف الدولي المتفرّد. ولقد أصبحنا منذ مدة الإستثناء
للقاعدة الذي يذكر في الإجتماعات الدولية ذات الصلة لإظهار عالمية التعداد السكاني وأهمية القيام
به كل 10 سنوات على الأقل.
الحجة لتفرّدنا
بهذه الميزة هي، بكل بساطة، أننا لا نريد أن نعرف التوزيع السكاني حسب
الطائفة والمذهب بسبب تأثير ذلك على النظام الطائفي القائم وتوزيع الحصص في
داخله. غير أن هذه الحجة هي أبعد ما تكون عن الحقيقة لأسباب عدة.
أولاً: لا
لزوم في التعداد للسؤال عن الطائفة والمذهب. الغالبية الساحقة من التعدادات التي
تقوم بها الدول لا تسأُل هذا السؤال.
ثانياً: إن الإستطلاعات التي تنفذها جهات خاصة
على المستوى الوطني بشكل علمي، على قلتها، تسأل عادة عن طائفة ومذهب المجيب وبعد
عشرات الإستطلاعات، كالتي قمنا بها في "مركز الدراسات والمشاريع الإنمائية
(مدما)"، يصبح لدينا فكرة جيدة عن التوزيع الطائفي في البلاد.
ثالثاً: في
كل الأحوال، فالطائف وضع الأسس للنظام الطائفي المعمول به اليوم على أساس المناصفة
بصرف النظر عن التوزع الطائفي والمذهبي داخل البلد
.
في غياب
التعداد، هناك طريقة أخرى للوصول إلى المعلومات التي يوفرها التعداد وهي من خلال
مسوحات بالعيّنة، شاملة لمواضيع التعداد، على أن تكون المسوحات مستوفاة للشروط
العلمية. ومن أهم هذه الشروط أن يصار إلى وضع إطار إحصائي سليم، بناء على تعداد
للمساكن، والتأكد من أن العيّنة عشوائية وحجمها يعطي النتائج ضمن هامش خطأ إحصائي
محدود ومقبول. ولكي تكون النتائج ذات منفعة في وضع السياسات الإنمائية فعلى هذه
المسوحات أن تجرى بشكل دوري ومنتظم كالتعدادات، أي كل عشر سنوات على أبعد تقدير.
قام لبنان
الرسمي ببعض من هذه المسوحات الشاملة ولكن هذه المسوحات لم تكن منتظمة (1996،1970،
1997، 2004، 2007 الأخير أقل شمولية)، إذ قامت بها الدولة بحسب توفر التمويل من
المنظمات الدولية التي جف كرمها لمثل هذه المسوحات مؤخراً. أضف إلى ذلك أن النتائج
جاءت متضاربة ما يجعل حتى عدد سكان لبنان غير معروف ضمن هامش خطأ معقول.
فمجموع السكان بحسب مسح سنة 1996 كان 3
ملايين و90،000 شخص بينما أصبح بموجب مسح سنة 1997، أي بعد سنة واحدة، 4 ملايين و
5000 شخص. وبما أن المسحين موّلا من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فقد طلب
مني الممثل المقيم للبرنامج دراسة أسباب هذا الفرق الكبير وتوصلنا يومها إلى أن
الرقم الأول أي 3 ملايين هو أقرب إلى الحقيقة وأن السبب في الفارق يعود إلى
المنهجية المتبعة في كل من المسحين. المسوحات التي نفذت في 2004 و2007 إتبعت
منهجية مسح 1997 وقدرت عدد السكان اللبنانيين المقيمين في حينه بـ 3ملايين و507
آلاف و 3ملايين و616 ألف على التوالي، مشيرة إلى أن عدد السكان لم يتغير كثيراً
خلال العشر سنوات بين 1997 و2007 بل انخفض قليلاً وهذا ليس مستبعداً كما سنرى
لاحقاً في هذه الدراسة. نتيجة لذلك فالرقم المتداول هو أن عدد سكان لبنان من
اللبنانيين يبلغ 4 ملايين لأن ذلك أسهل للحفظ من 3،5 أو 3،6 ملايين. يبقى أنه لو
اتبعنا المنهجية الأصح التي اتبعت في مسح 1996 لكنا توصلنا بموجب التغيّر السكاني نفسه إلى عدد أقل قد يكون أقرب
إلى الـ3 ملايين. لذلك كل ما نستطيع أن "نجزم به" في هذا الصدد هو أن سكان لبنان من اللبنانيين
أصبح ثابتاً، ويبلغ ما بين 3 و3،6 ملايين،
ولكن لسهولة الحفط فلنقل 4 ملايين!
من الأهمية
نفسها أو أكثر بالنسبة لوضع السياسات الإنمائية
العقلانية هي المسوحات المتخصصة. أكثر هذه المسوحات المتخصصة التي قامت بها
الدولة تتعلق بصحة الأم والطفل والصحة الإنجابية لأن هذه الأمور، على أهميتها،
تشكل أولويات الدول المانحة والأمم المتحدة التي تمولها هذه الدول بشكل خاص. أما
المسوحات المتعلقة مثلاً بالهجرة من الريف إلى المدن أو بالهجرة إلى الخارج، بما
في ذلك الهجرة المكثفة للشباب والأدمغة، أو حتى الإحصاءات المتعلقة بالقوى العاملة
والبطالة، فهي لا تحظى ولو بقسط صغير من اهتمامات الدولة رغم أنها مشكلات أساسية
في البلد، ومعرفة أحجامها ومندرجاتها ضروري لوضع أية سياسة منطقية في هذه المجالات[1].
نتيجة لهذه
الحالة الإحصائية المزرية أصبح الرقم في لبنان وجهة نظر كما يقولون يولد حسب
الحاجة، ودون دراسة، ويستعمل لخدمة توجهات السياسيين حول المواضيع المطروحة. قال
أحد الأدباء الإسكوتلنديين في القرن التاسع عشر "إن بعض الناس يستعملون الإحصاءات كما يستعمل السكران عامود الإضاءة،
للإستناد إليه وليس لإضاءته." وبسبب كثرة الإحصاءات التي يستعملها السياسيون
عندنا بهذه الطريقة أصبح لكل مؤشر إحصاءاته حسب الطلب والفارق بينها قد يصل إلى
مستويات خيالية. وبما أن المراجع الدولية كثيراً ما تأخذ البعض من هذه الأرقام
المختلفة والخاطئة وغير الموثقة وتنشرها دون التحقق من صحتها، فقد انتشرت فوضى
الأرقام اللبنانية عالمياً.
ألأمثال عن
فوضى الأرقام في لبنان كثيرة ولا مجال لسردها وتحليلها هنا لضيق المساحة رغم أهمية
دراستها وتصويبها، ولكن سنأخذ مثالاً واحداً يتعلق بالإحصاءات الرسمية حول مستوى
البطالة في لبنان.
إن تقديرات
مستوى البطالة تتراوح، كما سنرى، بين 5،6 بالمئة و66 بالمئة وهذا بالنسبة للأرقام
الرسمية. فيما يلي التفاصيل:
في البداية
لا بد من شرح مسألتين تقنيتين باختصار: أولاً أن العاطل عن العمل هو أي شخص لا
يعمل، ويبحث عن عمل، ومستعد لقبول عمل. ألمسألة الثانية هي أن القوى العاملة تتألف
من الذين يعملون والعاطلين عن العمل ولا تحديد آخر لها في الأدبيات ذات الصلة. أما
نسبة البطالة فهي نسبة العاطلين عن العمل من مجموع القوى العاملة (وليس طبعاً من
مجمل السكان الذي يشمل أناس خارج قوة العمل كالأطفال وربات البيوت والمتقاعدين
وغيرهم ممّن لا يعملون ولا يبحثون عن عمل)، وهنا أيضاً لا تحديد مخالف في الأدبيات
ذات الصلة. أما التقديرات الرسمية فهي كما يلي:
إن آخر مسح رسمي ظهرت فيه نسبة البطالة قامت به إدارة
الإحصاء المركزي (المعروفة باسمها المختصر بالإنجليزية "كاس") كان سنة
2009. منشورات "كاس" ذات الصلة تعطي الرقم إما 5،6 بالمئة، أو 6 بالمئة،
أو6،4 بالمئة[2]،
وكل هذه الأرقام غير صحيحة. المشكلة هنا هي أن احتساب نسبة البطالة جاء كنسبة
العاطلين عن العمل من مجموع السكان 15 سنة من
العمر وما فوق ، وليس من مجموع القوى العاملة كما يجب. أما إذا احتسبت
النسبة بالشكل الصحيح فإنها ترتفع إلى 8 بالمئة وهو رقم معقول يقترب أكثر من نتائج
مسوحات مدما (11 بالمئة للسنة نفسها) و"تقديرات" منظمة العمل الدولية
لسنة 2010 (9 بالمئة)، وحتى"تقديرات" البنك الدولي لسنة 2013 أي بعد
دخول النازحين السوريين (11 بالمئة ) و"تقديرات " المؤسسة العامة لتشجيع
الإستثمارات، إيدال، للسنة الأخيرة نفسها (13 بالمئة) . إلا أن رقم 6 بالمئة ما
زال يتفاعل على مواقع الإنترنت المتخصصة، ما يزيد في الإلتباس على المستوى الدولي[3].
بعد سنة من
تقديرات البنك الدولي وإيدال، صرّح وزير العمل بأن مستوى البطالة في لبنان في آذار
2014 وصل إلى ما بين 22 و23 بالمئة. وبعد مدة أعلن الوزير أن مستوى البطالة سنة
2015 وصل إلى 32 بالمئة ولكنه عاد وانخفض بفضل إجراءات الوزارة إلى 25 بالمئة في
آذار من سنة 2016. الرقم الأخير تم التوصل إليه بناء على دراسة وضعتها المؤسسة
الوطنية للإستخدام بالإشتراك مع جمعية تجار بيروت. إلا أن وزير العمل عاد وأعلن
بعد شهر أن "ثمة مليون إنسان عاطل عن العمل" بين المواطنين اللبنانيين.
وبما أن القوى العاملة اللبنانية تقدر بأقل من 1،5مليون شخص فهذا الرقم يعني أن
مستوى البطالة أصبح أكثر من 66 بالمئة. وبعد كلام الوزير ببضعة أيام نشرت إدارة
الإحصاء المركزي على موقعها أن مستوى البطالة هو10بالمئة.
بصرف النظر
عن رقم الـ 66 بالمئة (الذي يظهر أن الوزير توصل إليه بتطبيق مستوى بطالة 25
بالمئة على مجموع سكان لبنان أي 4 ملايين بدلاً من القوى العاملة اللبنانية)
فالدراسة المذكورة هي دراسة مشوبة بالأخطاء العلمية ولا تعطي على كل حال أية فكرة
عن مستوى البطالة. ألدراسة باختصار:
تشمل 184 مؤسسة في القطاعين التجاري والخدماتي
ولا تشمل القطاعات الأخرى ولذلك فنتائجها ليست على مستوى لبنان ككل.
العيّنة تشكل
نسبة ضئيلة جداً من الاف الشركات حتى في هذين القطاعين ولذلك فهامش الخطأ لأي
نتيجة واسع بشكل لا يسمح باستنتاجات علمية.
هناك عدد غير
محدد للشركات من ضمن العيّنة الذي لم يتجاوب بالكامل وعدد آخر غير محدد أيضاً لم يتجاوب سوى جزئياً ما يجعل النتائج غير
صالحة.
تم اختيار
العيّنة من قبل لجنة، أي أنها ليست عشوائية ما يجعل أي تعميم للنتائج غير علمي.
على كل حال،
فإن مستوى البطالة لا يتم التوصل إليه بسؤال أصحاب العمل الذين ليس لديهم طبعاً
أية فكرة عن عدد العاطلين عن العمل أو عن إجمالي عدد القوى العاملة في لبنان، فهذه
معلومات من غير الممكن التوصل إليها سوى بمسح متخصص على الأرض.
من الواضح أن التضارب في الأرقام الرسمية (من 10
إلى 32 بالمئة)، في السنوات الأخيرة بعد وصول النازحين السوريين يعود إلى عدم وجود مسوحات للبطالة في لبنان ما يسمح
بالإستهزاء بالأرقام وبابتكار أرقام لأهداف سياسية.
إن القيام
بمسوحات للبطالة بشكل دوري شهرياً، أو كل فصل على الأقل (لأن مستوى البطالة يتأثر
بفصل السنة فيرتفع مثلاً مباشرة بعد التخرج في اوائل الصيف)، ضرورة لوضع سياسات،
ليس فقط في مجال العمالة والبطالة والهجرة، بل في مجالات التنمية الأخرى. على سبيل
المثال، في أميركا يتم انتظار نتائج المسح الشهري للبطالة من قبل الإحتياطي
الفيديرالي، (أي البنك المركزي) لتعديل السياسات المالية، فأي تغيّر في مستوى
البطالة بنسبة ولو صغيرة (لربماعشر الواحد في المئة) في اتجاه معيّن قد يتطلب
إجراءات إحترازية لضبط الأسعار، وقد يؤثر في ما يؤثر على اسعار الأسهم في البورصات
الأميركية ومنها في البورصات العالمية الأخرى. أما في لبنان فإن الإختلاف في
تقديرات مستوى البطالة الذي يصل إلى أكثر من ثلاثمئة في المئة فلا يؤثر على أي شيئ،
لأن لا الدولة تأخذها بالإعتبار في وضع السياسات ولا الناس تصدقها على كل حال.
هذا جعل المواطن لا يثق لا بالأرقام الناتجة حتى
عن القطاع الخاص، كاستطلاعات الرأي التي كثيراً ما تأتي نتائجها لصالح الجهة التي
تمولها أو ترعاها، ولا بالإحصاءات الرسمية المتضاربة، التي هي أيضاً كثيراً ما
تتماشى مع الخط السياسي لمصدرها. هذه الحالة الإحصائية لن تتغير وستبقى السند
الزائف لفوضى السياسات الإنمائية في البلد، حتى تحزم الدولة أمرها وتقوم، كما معظم
الدول، الراقية منها والأقل رقياً، بوضع برنامج إحصائي متكامل وممول من
موازنة الدولة بشكل دائم، ينفذ من قبل
مراجع رسمية مؤهلة وذات مصداقية، على أن تشجع الدولة الباحثين على تحليل المعلومات
والقيام بدراسات تبنى عليها. هذا أضعف الإيمان ولكنه لا شك خطوة في اتجاه الإصلاح
السياسي الصحيح.
[3] أنظر مثلاً: www.tradingeconomics.com/lebanon/unemployment-rate أو www.indexmundi.com/g/g.aspx?c=le&v=74