Saturday, October 22, 2016

ما يجب أن نعرفه عن الإنتخابات الرئاسية الأميركية




السبت، ٢٢ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠١٦


ما يجب أن نعرفه عن الانتخابات الرئاسية الأميركية


تجرى الانتخابات الرئاسية الأميركية مرة كل 4 سنوات (في أي سنة تقسم على 4 من دون كسور عشرية) نهار الثلثاء بعد أول إثنين من شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، الذي يصادف هذه السنة في 8 من ذلك الشهر. السبب في اختيار نهار الثلثاء يعود لأيام الاستقلال في سبعينات القرن الثامن عشر، عندما كان معظم الناخبين من المزارعين. كان نهار الأحد مخصصاً للصلاة في الكنائس، وأعطي نهار الإثنين للانتقال إلى مكان الاقتراع الذي يحصل نهار الثلثاء، ليكون كل في مزرعته أو قريته في اليوم التالي. أما لماذا في تشرين الثاني، فلأن المحاصيل تكون حينها قد جُمعت فلا يتعارض موعد الانتخابات مع الدورة الاقتصادية.

 على دفعتين: لماذا؟

كما هو معلوم، تحصل الانتخابات الرئاسية على دفعتين: ينتخب الشعب في كل ولاية (50 ولاية إضافة إلى العاصمة)، وتحت إشراف الولاية، مندوبين يكلّفون بانتخاب رئيس البلاد. هذه هي الانتخابات الفعلية التي تحصل في تشرين الثاني والتي يتابعها الناس على وسائل الإعلام. عدد المندوبين عن كل ولاية يساوي عدد أعضاء مجلس الشيوخ للولاية (اثنان) إضافة إلى عدد النواب عن الولاية، الذي يتغير وفق الإحصاء الرسمي للسكان كل عشر سنوات. مجموع عدد المندوبين، أي «المجمع الانتخابي،» هو 538 مندوباً، ما يعني أن على المرشح للرئاسة أن يحصل على 270 صوتاً من أصوات المندوبين للنجاح في الانتخابات. ولا يجب أن يكون عدد المندوبين لأية ولاية أقل من ثلاثة، ما يعطي هذه الولايات الصغيرة البالغ عددها اليوم سبعاً (هي: ألاسكا، ديلاوير، مونتانا، داكوتا الشمالية، داكوتا الجنوبية، فيرمونت، ووايومنغ)، إضافة إلى العاصمة واشنطن، تطميناً بأن مشاركتها لن تذوب مهما كان عدد سكانها. في المقابل، فإن الولايات الكبرى عددياً تهيمن على الانتخابات في شكل لافت إذ إن أكبر 11 ولاية، (هي: كاليفورنيا 55 صوتاً، تكساس 38، فلوريدا 29، نيويورك 29، إيلينوي 20، بنسلفانيا 20، أوهايو 19، جورجيا 16، ميشيغان 16، كارولينا الشمالية 15، ونيو جرزي 14)، يبلغ مجموع عدد مندوبيها 270 مندوباً، أي كل المطلوب لانتخاب الرئيس ونائبه.

لماذا على دفعتين؟ يعود هذا أيضاً إلى أيام الاستقلال عندما كانت المواصلات والاتصالات بطيئة للغاية. على سبيل المثل، فإن جورج واشنطن، أول رئيس أميركي، انتظر أسبوعين في منزله في فرجينيا قبل أن تصل إليه نتائج تصويت المندوبين المجتمعين في نيويورك الذي أوصله لسدة الرئاسة الأميركية سنة 1789. كان المرشح في ولاية ما غير معروف أبداً في الولايات البعيدة والمعلومات عنه غير متوافرة، أقله بالسرعة المطلوبة. لذا تقرر أن ينتخب مواطنو كل ولاية مندوبين عنهم، معروفين من قبلهم وموثوقين، يكلّفون باختيار الأفضل بين المرشحين للرئاسة، بعد الحصول على المعلومات عنهم، ويذهبون في النهاية إلى اجتماع «المجمع الانتخابي» للتصويت نيابة عن مواطني الولاية. انقلبت الأمور اليوم، فالناخبون اليوم يعرفون المرشحين جيداً، ولا يعرفون عادة المندوبين، لذلك يطلبون من الأخيرين، في معظم الأحيان، أن يتعهدوا التصويت لمرشح معيّن، علماً أنه قد حصل في الماضي أن يكون هناك ما يسمى «غير مخلصين» بينهم، يغيّرون أصواتهم في اللحظة الأخيرة، ولكن أعدادهم محدودة جداً لم تؤثر يوماً في نتائج الانتخابات الرئاسية.

متى تصبح النتائج رسمية؟

يعقد اجتماع المندوبين، أي «المجمع الانتخابي»، في واشنطن نهار الإثنين بعد ثاني أربعاء في شهر كانون الأول (ديسمبر) من سنة الانتخابات، أي بعد شهر تقريباً من نهاية الانتخابات الفعلية في تشرين الثاني. في هذه الجلسة، يتم انتخاب الرئيس ونائب الرئيس وتعطى النتائج إلى نائب رئيس الجمهورية المنتهية ولايته بعد الانتخاب، بصفته رئيس مجلس الشيوخ، ومن ثم يجتمع الكونغرس بمجلسيه في 6 كانون الثاني (يناير)، من السنة التي تلي الانتخابات، في تمام الساعة الواحدة بعد الظهر، حيث تفرز الأصوات ويعلن الفائز في شكل رسمي، أي بعد شهرين تقريباً من الانتخابات الفعلية. بمعنى آخر، فإن نتائج الانتخابات التي ستصدر في 8 أو 9 تشرين الثاني القادم لن تكون نهائية أو رسمية، ولن تصبح كذلك حتى يتم إعلانها من الكونغرس في 6 كانون الثاني سنة 2017، علماً أنها لم تتغير أبداً في الماضي بين هذين الموعدين. ويتسلم الرئيس الجديد مهامه في 20 من الشهر نفسه (21 إذا كان 20 يوم أحد).

الاقتراع المبكر وأهميته

صحيح أن موعد الانتخابات الفعلية محدد نهار الثلثاء بعد أول نهار إثنين في تشرين الثاني من السنة الانتخابية، غير أن معظم الولايات يسمح بما يسمى اقتراعاً مبكراً، يبدأ في أيلول (سبتمبر) من السنة الانتخابية وينتهي قبل بضعة أيام من اليوم المحدد رسمياً للانتخابات، وفق قرار كل ولاية. طريقة الانتخاب (بالحضور شخصياً إلى مكان الاقتراع، أو الاقتراع بموجب استمارة رسمية مرسلة للناخب، أو في شكل آخر) تختلف بين ولاية وأخرى، كما شروط الاقتراع المسبق (مفتوح للجميع، أو على أساس تقرير طبي، الخ) ولكن أهمية هذا الاقتراع كبيرة ومتصاعدة. ففي سنة 2000 مثلاً، شكّل هذا النوع من الاقتراع 16 في المئة من مجموع المقترعين، بينما شكل 35 في المئة في الانتخابات الأخيرة سنة 2012، ومن المنتظر أن تكون النسبة هذه المرة أكبر، قد تقارب الـ40 في المئة. النتائج الرسمية لهذا الاقتراع تعلن عادة يوم الانتخابات (أي صباح 8 تشرين الثاني هذه المرة) ولكن الماكينات الانتخابية تجمع النتائج بموثوقية عالية كلما تقدمت عملية الاقتراع المبكر، فتعدّل في حملتها على هذا الأساس. في الانتخابات الأخيرة مثلاً، ظهر باكراً أن أوباما متقدم في شكل واضح في ولايتي أيوا ونيفادا، فحوّلت حملته بعض مواردها من هاتين الولايتين إلى ولايات أخرى.
الأهم في الأمر هو أنه قد يكون من الممكن هذه المرة معرفة الفائز قبل الانتخابات في تشرين الثاني بسبب النسبة الكبيرة المنتظرة للاقتراع المبكر، خصوصاً إذا كان الفارق بين المرشحين كبيراً نسبياً. وتعتبر بعض المراجع الموثوقة أن معرفة النتائج قبل الانتخابات الفعلية قد تكون ممكنة هذه المرة، إذا استمر انهيار حملة المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الأيام المتبقية قبل الانتخابات الرسمية.

الانتخابات الحالية

لا بد من الإشارة في النهاية إلى أن هذه الانتخابات ليست كسابقاتها، أقلّه لجهـــة عنصريتها والمواجهة السافرة بين الإثنيـــات، خصوصاً بين مجموعة كبيرة من البيض الأميركيين من جهة، والأقليات من الســـود واللاتين (نسبة لأصولهم في أميركا اللاتينـــية) والآسيويين وغيرهم. السبب هو أن هناك تململاً بين الأكثرية البيضاء التي انخفضــــت نسبتها بين السكان من 90 في المئة سنة 1950 إلى 62 في المئة اليوم، وستصــبح، وفق الإسقاطات الرسمية، أقل مـــن النصف قبل سنة 2050. خسارة البيض سياســـياً هي أكثر وضوحاً. ففـــي الانتخابات الأخيرة، صوت 61 في المئة منهـــم لمصلحة ميت رومني ولكن الأقليــات نجحــت في إيصال أول أسود، باراك أوبــاما، لرئاسة الجمهورية بعد أن صوّت له 93 في المئة من السود، و71 في المئة من اللاتين، و73 في المئة من الآسيويين.

وفي السنوات الأربع الأخيرة، أي منذ انتخابات 2012، ازداد عدد الأقليات بما يقارب 12 في المئة، بينما لم يزد عدد البيض سوى 2 في المئة، ما قلّص أكثر قوة البيض الانتخابية. لهذا السبب يعلن ترامب تكراراً بأنه سيطرد اللاتين غير الشرعيين (ما فعله أوباما في عهده في شكل واسع على كل حال) قبل أن يحصلوا على الجنسية الأميركية، وأنه سيبني حائطاً مع المكسيك لمنع اللاتين من الدخول غير الشرعي إلى الولايات المتحدة، وسيدعو في المقابل الأوروبيين البيض للمجيء والإقامة في الولايات المتحدة للحصول على الجنسية. ولهذا السبب أيضاً يشكّل البيض 90 في المئة من مؤيدي ترامب وفق الاستطلاعات الأخيرة.

بدأ ترامب منذ حين يردد، في كل مناسبة، أمام مؤيديــه المعروفين بتطرفهم، والبعـــض بعنفهــــم، بأن الانتخابات ستكون مزوّرة، تحضيراً لخسارتها، وأنه قــــد لا يعترف بشرعيتها في النهاية. يعتبر كثــــيرون أن أنصـــار ترامب سيقومون بأعمال شغب خـلال الاقتراع، وأن خسارة ترامب، في هذه الظـــروف، لن تكون مدمّرة للحزب الجمهوري فحسب، بل قد تتبعها مواجهات على الأرض، لا تخلو من أعمال عنف وعنف مضاد، تشكل بداية شرخ طويل الأمد بين الإثنيات داخل المجتمع الأميركي.

 * سفير لبنان في واشنطن سابقاً

No comments:

Post a Comment