فرح
الثلاثاء 01 تشرين الثاني 2022
كيف فشلت المفاوضات النووية بين أميركا وإيران
د. رياض طبارة
وقّع الرئيس باراك أوباما الاتفاق النووي بين إيران والدول الخمس زائد واحد (فرنسا، إنجلترا، روسيا، الصين وأميركا زائد ألمانيا)، بعد عرضه على الكونغرس، في أيار 2015، أي ستة أشهر فقط قبل انتخاب خليفته دونالد ترامب. نال هذا الاتفاق أصوات الأغلبية الساحقة في مجلسي الكونغرس (400 إلى 25 في مجلس النواب و98 إلى واحد في مجلس الشيوخ) في عرض نادر من التوافق بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي. رغم ذلك، انسحب ترامب من الاتفاق في أيار 2016 أي بعد أربعة أشهر من توليه سدة الرئاسة.
عدى عن كرهه العميق لأوباما، اعتبر ترامب أن الإتفاق غير كامل لأسباب ثلاثة. أولاً أن مفعوله ينتهي سنة 2030 (Sunset Clause) بعدها إما التفاوض على اتفاق جديد وإما تطلق حرية إيران في المجال النووي. ثانياً أن الاتفاق الذي وصلت إليه مجموعة الـ 5+1 لا ينظم برنامج الصواريخ الإيراني المتقدم والذي يهدد جيرانها، لا سيما إسرائيل. ثالثاً أن الاتفاق لا يشمل علاقة إيران بدول الجوار خاصة بالنسبة للميليشيات المتحالفة معها، كالحوثيين والحشد الشعبي وخاصة حزب الله الذي له امتدادات جغرافية تهدد عدة دول في المنطقة في آن واحد، وتشكل قوة ضاربة على حدود إسرائيل. كانت نية ترامب جلب إيران إلى طاولة المفاوضات بعد انهاكها بـ "عقوبات قصوى" شملت في النهاية البنك المركزي الإيراني والحرس الثوري ورئيسه المرشد الأعلى علي خامنئي، ولكنه لم يفلح بذلك.
مباشرة بعد وصوله إلى سدة الرئاسة، حاول جو بايدن إعادة الولايات المتحدة إلى الإتفاق النووي ولكنه واجه بعض الصعوبات التي جعلت المفاوضات غير المباشرة بين أميركا وإيران، حول عودة أميركا إلى الاتفاق، تأخذ وقتاً طويلأً. الجهتان اعتقدتا أن الوقت لم يكن داهما إلى أن بدأت حرب أوكرانيا في شباط الماضي وبدأت معها أزمة المحروقات الأوروبية والعالمية.
بالنسبة للأميركيين، ومن ورائهم شركائهم الأوربيين، اصبحت أهمية الاتفاق مع إيران تتعدى النووي إلى حدود ما تستطيع إيران أن تقدمه في مجال الطاقة، إذ أصبحت إحدى أولويات الغرب الملحًة خفض نسبة التضخم التي بلغت مستويات لم تعرفها أميركا وأوروبا منذ أكثر من أربعين عاماً والتي أحد أسبابها الرئيسية ارتفاع أسعار الغاز والبترول مشتقاتهما. وبالنسبة للإيرانيين من جهة أخرى، بدأ ترف الوقت يتهاوى كلما أقترب موعد الانتخابات النصفية الأميركية وارتفعت إمكانية نجاح الجمهوريين فيها، وبالتالي إمكانية سيطرت ترامب وأتباعه على مجلسي الكونغرس. مسودة الاتفاق النووي التي كانت موضوعة على الطاولة في حينه تسمح لإيران بتصدير 50 مليون برميل يوميا مقارنة بأقل من 3 ملاينن حاليا، ما يساعد على مواجهة مشكلة الطاقة المستجدة عالمياً وينفع بالتالي الجهتين بالوقت نفسه. ولذا وضع الفريقان خلافاتهما المتبقية جانباً واندفعا إلى الوصول إلى تفاهم يعيد أميركا إلى الاتفاق.
الجو المتفائل بالنسبة للمفاوضات النووية أخذ زخماً كبيراً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. فرغم التعثرات التي شهدتها المحادثات الأميركية الإيرانية غير المباشرة في تلك المدة، وصلت الأمور إلى مستويات متقدمة في أوائل آب 2022 عندما أعلن الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، جوزيف بوريل، أنه قدم للفرقاء المعنيين "مسودة أخيرة" للاتفاق النهائي قائلاً: ما يمكن التفاوض حوله تم التفاوض فيه." ففي الأسبوع الأول من أيلول وصل التفاؤل ألى أعلى درجاته، وارتفع معه سعر صرف الريال الإيراني 15 بالمئة بأسبوع واحد، وعاد الكلام عن اتفاق نهائي "خلال أسابيع، بل أيام."
في كل هذه الأثناء كان هناك نقاش حاد في إسرائيل حول ما يجب القيام به لوقف الاتفاق: الاكتفاء بالتهديد بإمكان اتخاذ إجراءات أحادية إسرائيلية ضد إيران لحث أميركا على التروي، ما كان يحبذه رئيس الوزراء يائير لابيد، أم مواجهة الزخم الأميركي لإبرام الصفقة مواجهة مباشرة، وهو ما كان ينادي به رئيس المخابرات الإسرائيلية (الموساد) دايفيد بارنيا. في أواخر تموز رجحت كف بارنيا وحزمت إسرائيل أمرها لاستعمال كل قواها السياسية في أميركا لغرض إنهاء المحادثات الأميركية الإيرانية حول الاتفاق، دون التخلي طبعاً عن خيار التهديدات.
أول الوافدين إلى واشنطن من إسرائيل لهذا الغرض كان مستشار الأمن القومي، إيال هلاتا، في 23 آب. كان هلاتا يأمل بلقاء وزير الخارجية الأميركي طوني بلينكن الذي يقال أنه كان مستاءً من التدخل الإسرائيلي لدرجة أنه حول لقاء هلاتا معه إلى لقاء مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان. تبعه بعد أيام رئيس الموساد بارنيا ثم وزير الخارجية بني غانتز وكرت السبحة لتشمل لقاءات رفيعة، ليس فقط في أميركا بل أيضاً مع القيادات في ألمانيا وفرنسا وغيرهما من الدول المعنية والفاعلة.
في الوقت نفسه، جيّشت إسرائيل اللوبي الإسرائيلي الأميركي، بخاصة إيباك، بشكل قل أن يسبقه مثيل، للاتصال بأعضاء الكونغرس للضغط على الإدارة الأميركية، إضافة إلى ضغوط إسرائيل المباشرة، واستعملت الإعلام الأميركي بشكل مكثف من خلال نشرات الأخبار والمقابلات وغيرها. حرك اللوبي قاعدته، بما في ذلك الحاخامات، ومن بينهم أكثر الحاخامات شعبية والمعروف عالمياً، جاكوب شمويل بوتيتش، الذي أعلن، في مقابلة مع تلفزيون فوكس المحافظ، إن بايدن على وشك توقيع اتفاق مع حكومة إيران " الهمجية المتوحشة" و"الأكبر داعم للإرهاب في العالم" والتي "جندت شاب من نيو جورزي لكي يطعن سلمان رشدي بالسكين في ولاية نيويورك."
أما الحجة السياسية الرئيسية التي استعملتها إسرائيل واللوبي الإسرائيلي في حملتهما الأميركية كانت التذكير المتكرر بالشروط التي كان قد وضعها ترامب لإعادة التفاوض مع إيران: أن الاتفاق يجب أن يصبح دائما، وأن يشمل البرنامج الصاروخي الإيراني ويشمل بالأخص حل الميليشيات المتحالفة مع إيران، بخاصة حزب الله الكامن على حدودها. ولكن الحل المفضل لدى القيادات السياسية الإسرائيلية، وخاصة المعارضة التي يرأسها قائد الليكود بنجامين نتانياهو، كان بالحقيقة جر أميركا إلى ضرب المفاعلات النووية الإيرانية، رغم علمهم بأن هذا لن يتحقق إلا ربما إذا وصلت إيران إلى حافة إنتاج قنبلة نووية.
على كل حال، ربحت إسرائيل هذه الجولة مع أميركا بالرغم من معارضة كبيرة من قبل قياديين في الإدارة الأميركية، خاصة في وزارة الخارجية. أما بالنسبة للكونغرس فاستطاع اللوبي أن يجند نواب من الحزبين، 34 من الديموقراطيين و16 من الجمهوريين، للتوقيع على رسالة مؤرخة في أول أيلول 2022 موجهة إلى بايدن يطلبون منه عرض أي مسودة اتفاق مع إيران بخصوص برنامجها النووي قبل توقيعه معربين عن قلقهم من أن الاتفاق قد يميّع العقوبات المتعلقة بالإرهاب المفروضة على الحرس الثوري الإيراني.
مؤخراً برزت قضية اتهام الغرب لإيران تزويد روسيا بطائرات بدون طيار (مسيّرات) وأسلحة أخرى وعتاد وصولاً إلى اتهامها بإرسال مقاتلين إلى شبه جزيرة القرم يقومون بتدريب الروس على استعمال المسيرات. هذه الاتهامات، رغم إنكار إيران لها، أطلقت سيلا من العقوبات الأوروبية والأميركية الجديدة على إيران، ما جعل الاتفاق النووي، وعودة أميركا إليه، يغيبان عن الرؤيا إلى أجل غير مسمى.
https://farah.kamaljoumblatt.com/articles/5493
No comments:
Post a Comment